لبنان
26 تشرين الأول 2021, 09:59

اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام تضيء على واقع الرّسالة التّربويّة في لبنان وتحدّياتها

تيلي لوميار/ نورسات
عقدت اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام ندوة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، بعنوان "الرّسالة التّربويّة في لبنان واقع وتحدّيات"، تناولت وزارة التّربية وإدارة الأزمة التّربويّة، وواقع الرّسالة التّربويّة المسيحيّة بين المدارس والجامعة، شارك فيها وزير التّربية الدّكتور عبّاس الحلبي، رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران أنطوان نبيل العنداري، مدير المركز الخوري عبده أبو كسم، رئيس الجامعة اليسوعيّة الأب البروفسور سليم دكّاش، وحضرها نائب رئيس جامعة الحكمة الأب غي سركيس، الأخت واضفا فارس من جمعيّة راهبات القدّيسة تريزيا، الأخت ليلي أبي شبلي وآرام قرة داغليان من الهيئة التّنفيذيّة للأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة، المسؤول الإعلاميّ في أبرشيّة جبيل المارونيّة الأب أنطوان عطالله ومهتمّون.

بداية تحدّث العنداري وأعلن أنّ "النّدوة تسلّط الضّوء على واقع الرّسالة التّربويّة وتحدّياتها في لبنان"، وسأل "في ضوء تفاقم الأزمات الّتي تقبض على أنفاس الطّلّاب والأهل والأساتذة والإدارات، فهل يكون تكاثر العثرات وترنّح القطاع التّربويّ موتًا بطيئًا أو تهديدًا لضياع ثروة لبنان ودوره الرّائد ومستقبل الأجيال الصّاعدة؟"، لافتًا إلى أنّ "قطاع التّربية النّاجح والمشرق مهدّد، في السّنوات الأخيرة، بالانهيار لأسباب وأسباب. ومتى انهار، لا سمح الله، انهارت معه كلّ أسس لبنان. فتدمير التّعليم يعني تدمير الوطن".

وقال: "معلوم أنّ قطاع التّربية يواجه تحدّيات في القطاع العامّ والخاصّ، وتزداد المعاناة قسوة في التّنامي المريع لحالات الفقر والفقراء، وأتت جائحة كورونا والإقفال القسريّ وتفاوت إمكانيّات التّعليم عن بعد ليزيد من تدهور المستوى التّعليميّ، وجاءت هجرة العديد من الأساتذة والطّلّاب إلى البلدان المجاورة أو البعيدة لتزيد من تفاقم الأزمة التّربويّة، ولتجد المدارس والجامعات نفسها في مأزق حقيقيّ، فزيادة الأقساط حتميّة ولا يمكن التّهرّب منها، ولا طاقة للأهل بها، ولا استمراريّة للمؤسّسات من دونها ناهيك عن مطالب الأساتذة".

وإختتم: "من يضمن جودة التّعليم ونوعيّته في ظلّ تخفيض برامج التّعليم وأسابيع التّدريس، وتضاؤل الميزانيّات المخصّصة لتحديث البرامج وتطوير المختبرات وكلّ مستلزمات الدّروس التّطبيقيّة. إنّ التّخبّط وسط الأزمات يحتاج إلى خطوات سريعة لمواجهة كارثة الوضع الاقتصاديّ الّذي يلقي بثقله على التّعليم في لبنان، وإلى رؤية بعيدة المدى ليستعيد وطن الأبجديّة عافيته ودوره الطّليعيّ. فهل تكون الحكومة الجديدة بخططها الواعدة خشبة خلاص لنا؟".

 

ثمّ قال الحلبي: "نلتقي والبلاد في خضمّ أزمات تتوالد وتتعاظم، لكنّنا كجسم تربويّ، نعي وندرك حجم المسؤوليّات الملقاة على عاتقنا، لكي ننقذ العام الدّراسيّ ونمضي في التّطوير التّربويّ، فنشكّل كما شكّلت التّربية بعد الحرب الأهليّة، نواة التّلاقي الوطنيّ العامّ حول الحياة الواحدة والتّطلّع نحو المصير الواحد والمستقبل الواحد".

وتابع:"أودّ في هذا اللّقاء العائليّ، أن أشدّد على أنّ وزارة التّربية ليست الجهة الّتي تكتفي فقط بإدارة الأزمة التّربويّة، بل أنّنا مع فريق العمل في الوزارة ومع جميع المعنيّين في العائلة التّربويّة، بادرنا فور تسلّمنا المسؤوليّة إلى إيجاد الحلول ونجحنا على الرّغم من الأزمة النّقديّة والاقتصاديّة والماليّة."

وأضاف: "وألفت إلى أنّ العلاقات بين وزارة التّربية والتّعليم العاليّ والأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة، هي ركيزة أساسيّة في بناء العلاقات مع اتّحاد المؤسّسات التّربويّة الخاصّة، إذ أنّ هذا الاتّحاد يشكّل في نظرنا صورة لبنان التّواصل والتّلاقي وبناء الإنسان والحوار الفكريّ والرّوحيّ العميق بين أبنائه وبين مؤسّساته، وتعلمون أنّ رسالة الحوار الثّقافيّ والرّوحيّ بين الأديان كانت دومًا ترافقني في مساري الإنسانيّ والعمليّ، وأعتقد أنّ ما بنيناه في لبنان، على الرّغم من الآلام والمآسي والحوادث الّتي تصطنعها المصالح، إنّما شكّل ويشكّل المنطلق لكلّ مؤتمرات الحوار بين الأديان، وآخرها اللّقاء العالميّ الرّوحيّ في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الشّقيقة بين قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطّيّب".

وقال: "الحوار في التّربية هو حوار المسؤوليّة المشتركة بين القطاعين العامّ والخاصّ حول ثروة لبنان البشريّة ورأسماله الإنسانيّ اللّذين يشكّلان الثّروة الّتي أثبتت دول العالم الغنيّة بالموارد الطّبيعيّة، أنّها تفوق كلّ موارد الأرض قيمة واستدامة. فالتّعليم الخاصّ في لبنان بدأ منذ الزّمن الغابر، ويكاد لبنان أن يتفرّد في المكانة الّتي يحظى بها قطاع تعليمه الخاصّ، من حيث قدرته على استقطاب أكثر من 70% من المتعلّمين، أيّ نحو 732 ألف تلميذ موزّعين على 1619 مدرسة خاصّة، من ضمنها 366 مدرسة مجّانيّة. وغنيّ عن البيان أنّ الدّستور اللّبنانيّ قد أفرد نصًّا صريحًا ضمن فيه حرّيّة التّعليم، وحتّى قبل تكريس هذه الحرّيّة في النّصّ الدّستوريّ، شهد جبل لبنان تاريخيًّا نشوء المدرسة الخاصّة منذ القرن السّادس عشر، وقد توزّع العديد منها في مناطق مختلفة منه، بما أسهم في نشر الوعي الثّقافيّ والاكتساب العلميّ. وقد اشتدّ التّنافس بين الإرساليّات الكاثوليكيّة والإنجيليّة البروتستانتيّة بما عاد بالنّفع بنشوء طبقة من المتعلّمين في قطاعات واسعة من الاختصاصات، توّجت بإنشاء الجامعة الأميركيّة في بيروت ولاحقًا الجامعة اليسوعيّة".

وأشار إلى أنّ "القطاع التّربويّ الخاصّ يضمّ نحو 59 ألف معلّم من بينهم معلّمون في الملاك الخاصّ وفي التّعاقد على غرار عدد من أساتذة التّعليم الرّسميّ الّذين يقومون بالتّدريس بالتّعاقد في المدارس الخاصّة سندًا إلى القانون الّذي يسمح بذلك بنسبة محدّدة. لقد بلغ هذا القطاع مرحلة ذهبيّة بعد الحرب الأهليّة في العام 1975 إذ تراجعت المدارس الرّسميّة بعدما تضرّرت مؤسّسات الدّولة وتحوّلت أماكن لإيواء المهجّرين أو ثكنات عسكريّة، لكن هذا التّعليم عاد وتراجع قليلاً بعدما استعادت الدّولة بناء مؤسّساتها وإعداد معلّميها وتجديد مناهجها في التّسعينات".

وتابع: "اليوم تمرّ مؤسّسات التّعليم الخاصّ كما يمرّ القطاع التّربويّ الرّسميّ بأزمات متنوّعة فرضها تراجع القدرة الشّرائيّة للنّقد الوطنيّ بصورة دراماتيكيّة، وارتفاع أسعار كلّ متطلّبات الحياة، بصورة جعلت الحصول على القوت اليوميّ للمواطنين أمرًا في غاية الصّعوبة إن لم يكن الاستحالة. والمشكلة الأساسيّة الّتي يعانيها القطاع هي في عدم التّوازن في تطبيق القانون 515 الّذي ينظّم الموازنات المدرسيّة ويضع أسس وضع الموازنة المدرسيّة ويلزم كلّ مؤسّسة بانتخاب مجلس الأهل".

وقال: "لقد تمّ وضع هذا القانون في العام 1996 بمسعى شخصيّ من الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري، وكان بمثابة عقد جماعيّ بين مكوّنات الجسم التّربويّ تحت مظلّة الوزارة. وفي تبسيط للمشكلة نجد أنّ القانون 515 قسم الموازنة المدرسيّة بنسبة 65% للرّواتب والأجور وملحقاتها، و35% للمصاريف التّشغيليّة للمؤسّسة من كهرباء ومازوت وصيانة وتطوير وغيرها. ومع التّدهور الحاصل في سعر الصّرف، أصبح الجزء المتعلّق بالتّشغيل وهو 35 % يفوق حجمه الفعليّ قيمة الـ65% المحدّدة للرّواتب الّتي يتمّ دفعها باللّيرة اللّبنانيّة، فيما يتمّ شراء اللّوازم والمازوت والكهرباء وسائر المواد الاستهلاكيّة بالدّولار الأميركيّ. مثلاً كانت الـ200 ألف دولار تساوي 300 مليون ليرة لبنانيّة، وأصبحت تساوي اليوم نحو أربعة مليارات ليرة لبنانيّة".

وأكّد أنّنا "جئنا إلى المسؤوليّة في أجواء بالغة التّعقيد، ولكنّنا لم نجلس مكتوفي الأيدي، فتواصلنا مع الدّاخل والخارج ونجحنا مع الجهات المانحة بتحريك 70 مليون دولار، منها 37 مليون دولار من الهبة البريطانيّة، وذلك لتمكين الهيئات التّعليميّة في المدارس الرّسميّة من الحضور إلى المدارس وتشغيل المؤسّسات وتأمين الكتب والقرطاسيّة ولوازم التّطهير والتّعقيم والنّظافة وتقديم وجبة طعام. ولكنّنا لم نطلب الدّعم للمدرسة الرّسميّة فقط، إنّما الجهات المانحة الدّوليّة تركّز جهودها على دعم مؤسّسات الدّولة، على الرّغم من مبادرات الدّعم الّتي تتلقّاها مجموعات المدارس الخاصّة من هذه الجهة أو تلك بصورة متفاوتة وغير معمّمة".

أضاف: "تحرّكنا مع الحكومة اللّبنانيّة لإعادة تمرير مشروع قانون الخمسمائة مليار ليرة لمدارس القطاعين الرّسميّ والخاصّ كما بات الجميع يعلم، وإنّنا نزخم العمل في الوزارة ومع المؤسّسات التّابعة لرئاسة الحكومة من أجل توفير سلف ماليّة لسداد بعض مستحقّات المدارس المجّانيّة الخاصّة. وفي المجلس النّيابيّ مشروع البطاقة التّربويّة الهادف إلى تحمّل الدّولة بعضًا من المسؤوليّة التّربويّة مع المدارس الخاصّة. فالأزمة قائمة، ونحن نعرف أنّ عددًا من المؤسّسات التّربويّة الكبيرة يتقاضى مبالغ بالدّولار الفريش، ولكن هذا الأمر مخالف لقانون النّقد والتّسليف وقانون الموازنة. وعلى الرّغم من أنّ ذلك يشكّل حاجة للمؤسّسة لكي تتابع عملها لكنّه مخالف للقانون، ونحن من موقعنا نختار حتمًا تطبيق القانون، وفي حال الرّغبة المشتركة بتعديل القانون 515 فإنّ الحلّ في مجلس النّوّاب وليس في وزارة التّربية وحدها".

ولفت إلى أنّ "وزارة التّربية طوّرت العلاقة الإداريّة مع المدرسة الخاصّة من خلال مكننة عمل مصلحة التّعليم الخاصّ، الّتي انتقلت من العصر الورقيّ إلى العصر الرّقميّ. وإنّ الوزارة ترعى شؤون المدارس الخاصّة من خلال لوائح التّلامذة وتسوية أوضاعهم ومراقبة مناهجها ومشاركتها في الامتحانات الرّسميّة، ولكنّها لا تمتلك اعتمادات للدّفع إلى المدارس الخاصّة. فالمدارس الخاصّة المجّانيّة تتلقّى مساهمات من وزارة التّربية تغطّي 117 ألف تلميذ. وبات الجميع يعرف أنّ المدارس الخاصّة غير مكلفة بأيّة رسوم سوى ضريبة الدّخل على رواتب المعلّمين والعاملين فيها، والدّفع لصندوق التّعويضات عن أفراد الهيئة التّعليميّة، ولكن بصورة غير كاملة، إذ أنّ هناك مؤسّسات تسدّد ما عليها كاملاً وأخرى يترتّب عليها مليارات لم تسدّدها، وعندما يحين وقت صرف التّعويضات أو اختيار الرّاتب التّقاعديّ يتقاضى الجميع من الصّندوق ممّا يهدّد بمخاطر حقيقيّة على ملاءة الصّندوق في المستقبل".

وقال: "الظّرف الرّاهن يقتضي عصر النّفقات واختصار المصاريف لتسهيل عبور هذه المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة، وبالتّالي تأمين استمرار التّدريس. أمّا مشكلة الأقساط غير المدفوعة والّتي تولّد نزاعات قانونيّة بين الأهل والمدرسة، فإنّنا في طور حلّها عبر فصل النّزاع الماليّ عن النّزاع التّربويّ من طريق إعداد مشروع مرسوم للمجالس التّحكيميّة، لكي تصبح قادرة على حلّ النّزاعات التّربويّة وحفظ حقّ المدارس في الحصول على أقساطها".

وتابع: "إنّنا على اقتناع راسخ بأنّ أسبقيّة لبنان في نشر رسالة التّربية والتّعليم قد ميّزته عن معظم الدّول، ولسنا في وارد التّفريط بقوّة هذا القطاع ورسالته وتمايزه، بل نسعى إلى مدّه بالدّعم ليقطع هذه المرحلة السّوداء ويستعيد قدراته ويستمرّ في دوره الوطنيّ والتّربويّ. نحن أمام مهمّة إنقاذيّة تستدعي نظرة شاملة وتأكيدًا لأولويّة التّربية في قائمة القضايا الوطنيّة، ولا يجوز مهما بلغت الخلافات أن يعاني التّلامذة وأهاليهم ما عانوه من رعب نتيجة تطوّر الأحداث في منطقة الطّيّونة وعين الرّمّانة إلى حوادث دمويّة. وإذا كانت الحلول المتاحة الّتي تكوّنت لدينا لا تلبّي كلّ المطالب دفعة واحدة، فإنّنا نتمسّك بما يتوافر لدينا لانطلاق العام الدّراسيّ، ونستمرّ بالسّعي لتلبية الحاجات الأخرى بحسب الأولويّات الملحّة".

وأكّد أنّ "لا مناص من العمل لإعادة تفعيل مؤسّسات الدّولة وتمكين الموظّفين والمعلّمين وسائر المواطنين من الذّهاب إلى أعمالهم لتكتمل دورة الحياة وتتحقّق مداخيل الخزينة، وبالتّالي لا يمكن لوطن أن يستسلم للفوضى والتّعطيل المستمر من دون أن نعطي الحكومة الفرصة لتنفّذ خطّتها وتستعيد ثقة المجتمع الدّوليّ ليمدّنا ببعض الدّعم"، ورأى أنّ "هنالك مشاكل عديدة لا يسمح الظّرف الوطنيّ العامّ بحلّها راهنًا، وهنالك قوانين يتوجّب تعديلها أو تشريعها، لكن دعونا لا نغفل عن الوجع الرّاهن وهو تمكين القطاع التّربويّ بجناحيه الرّسميّ والخاصّ من المضيّ قدمًا في التّعليم، مع كلّ ما يعنيه ذلك من التزام بالمعايير الصّحّيّة والتّربويّة".

وقال: "إذا كانت المدارس الخاصّة تواجه مشكلة ماليّة كبيرة تنذر بانهيار هذا القطاع الّذي خدم في المجال التّربويّ لأكثر من ثلاثمئة عام، فإنّ البلاد تعيش في عين الانهيار الاقتصاديّ الشّامل، ولن تنجو المدارس الرّسميّة في حال انهار القطاع التّربويّ الخاصّ لأنّ الحمل كبير ولا تحتمل البلاد كارثة على هذا القدر من الخطورة. من هنا نجدّد رفع الصّوت إلى جميع المعنيّين في الدّاخل اللّبنانيّ من الحكومة إلى المؤسّسات الحيّة والنّاشطة في المجتمع، إلى البلديّات والشّخصيّات المقتدرة في كلّ مدينة وبلدة وقرية، وإلى المغتربين اللّبنانيّين المنتشرين في الخليج العربيّ وإفريقيا وآسيا والأميركيّتين وسائر بقاع الأرض، لكي يشحذوا الهمم ويرفدوا المدارس الرّسميّة والخاصّة بما هم قادرون عليه. كما نكرّر الدّعوة ونتواصل بصورة شبه يوميّة مع المنظّمات الدّوليّة والدّول والوكالات الدّوليّة المانحة، لكي توسّع إطار الدّعم، فيسلم القطاع التّربويّ الّذي يوفّر خدمة التّعليم الجيّد لجميع الأولاد الموجودين على الأراضي اللّبنانيّة من لبنانيّين وغير لبنانيّين".

وأضاف: "أودّ من منبر المركز الكاثوليكيّ للإعلام، أن أشير إلى مسألة تقلقني وهي الخشية من تكريس طبقيّة التّعليم، أيّ أن يتعلّم أبناء المقتدرين ماليًّا في ما يعجز الفقراء ومحدودو الدّخل عن تعليم أولادهم، إذ أنّ هذا الأمر لو حدث لا سمح الله فإنّه يفجّر غضبًا اجتماعيًّا أخطر من أزمة الرّغيف، ولا يعود ينفع النّدم. إنّ قطاع التّربية والتّعليم لم يعد مجرّد قطاع خدماتيّ ومكلّف، إذ جعله التّطوّر العلميّ والمعرفيّ والتّكنولوجيّ منتجًا بامتياز. فتقدّم المجتمعات اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا لا يمكن أن يتحقّق من دون مجتمع متعلّم ناقد مبتكر منتج للمعرفة، وهي أمور في صلب أهداف النّظم التّربويّة الحديثة، ويتطلّب تحقيقها تعميم التّعليم حتّى مراحل متقدّمة. وهذا أمر لا تقوى على تحقيقه جماعات بعينها، مهما بلغت من قوّة، بل يتطلّب قدرات دولة، بمؤسّساتها وأجهزتها ومواردها البشريّة والمادّيّة".

وتابع: "من هنا، فإنّ المشاركة على أفضل مستويات الخبراء في ورشة تطوير المناهج الّتي يتولّاها المركز التّربويّ للبحوث والإنماء بدعم تقنيّ من اليونسكو ومن الجانب الفرنسيّ والجانب البريطانيّ ومن الجامعات عبر كلّيّات التّربية هو مسألة بغاية الأهمّيّة، ولن تشغلنا أوضاع البلاد عن هذه الورشة بإذن الله لأنّ الوقت لا يرحم، ولأنّ التّوجّهات التّربويّة الحديثة باتت ملحّة. وأمّا آليّات التّقييم والامتحانات الرّسميّة والمدرسيّة فهي حتمًا وليدة تطوير المناهج، والّتي سنواكبها بورشة تشريعيّة، تعدّل القوانين أو تضع تشريعات ملائمة".

وإختتم الحلبي: "أشكر للمطران العنداري رعايته اللّقاء التّفاعليّ مع الإعلاميّين الّذين يواكبون مسيرة التّربية بكلّ اهتمام، كما أشكر للمركز الكاثوليكيّ للإعلام بشخص رئيسه الأب عبدو أبو كسم وفريق العمل وجميع التّربويّين والإعلاميّين المشاركين والمهتمّين على تنكب مشقّة التّحضير لهذا المؤتمر، وآمل أن يكلّل الله مساعينا بالتّوفيق".

 

من جهته قال دكّاش:"أوّلاً نعرف الأهمّيّة الّتي توليها الكنيسة الكاثوليكيّة للتّربية المدرسيّة والجامعيّة والمهنيّة لأنّ التّعليم هو من الطّرق الأساسيّة لبناء شخصيّة الإنسان والمواطن الملتزم بأخلاق الإنجيل ومنظومة الحقوق والواجبات الإنسانيّة وبناء الفرد المثقّف المتعلّم الكفؤ المتزوّد بالمهارات المتنوّعة. فالتّربية والتّعلّم هو ما يزيد الكرامة البشريّة الشّخصيّة تألّقًا وارتقاء، كما تشير إليه بالأمس البعيد وثيقة المجمع الفاتيكانيّ الثّقافيّ في التّربية المسيحيّة. وهي تعطي المدرسة أهمّيّة خاصّة حيث إنّها بقوّة رسالتها تنمّي القوى العقليّة نموًّا مضطردًا وتمكّن من إعطاء الحكم الصّائب وتدخل الإنسان إلى التّراث الثّقافيّ الموروث عن الأجيال السّابقة، وهي تشجّع معنى القيم وتعدّ للحياة المهنيّة والجامعيّة وهي تخلق روح الصّداقة بين التّلامذة المساعد على التّفاهم المتبادل الّذي يعمل على تكوين المواطن المسؤول".

وأضاف: "أمّا الجامعة بما تكتنزه من الاختصاصات العلميّة المتنوّعة وخصوصًا التّكنولوجيّات الحديثة، إنّما تقود إلى معرفة أعمق لكيفيّة وحدة الإيمان والعقل في البلوغ إلى الثّقافة الإنسانيّة السّامية. وهذه الجامعات تثقّف الشّباب والشّابّات تثقيفًا يخوّلهم أن يتعارفوا وأن يتحمّلوا معًا المهمّات الجسام في المجتمع والوطن. والكنيسة تفتخر بأن يكون لديها أكثر من 126 ألف مدرسة في العالم إلى جانب ما يزيد على ألف جامعة تقوم بواجبها في التّربية وتعليم الأجيال الجديدة. بالأمس القريب في الحادي والعشرين من شهر تشرين الأوّل 2020، أيّ منذ سنة على وجه التّقريب، أطلق البابا فرنسيس نداء عالميًّا لاعتماد ميثاق عالميّ شامل للدّفاع عن التّربية الّتي هدفها إخراج الشّبيبة من حالة الجهل، خصوصًا وأنّ الجائحة وما فرضته من إغلاق للمدارس ومعاهد التّعليم حرم مئات الملايين من الأطفال والشّباب (250 مليون) من متابعة دروسهم. يقول قداسته: نعتقد أنّ التّربية هي أحد أكثر الطّرق فعاليّة لأنسنة العالم والتّاريخ، فالتّربية قبل كلّ شيء هي مسألة محبّة ومسؤوليّة تنتقل عبر الزّمن من جيل إلى جيل".

وتابع: "لذلك، فإنّ التّربية تقدّم نفسها على أنّها المضاد الطّبيعيّ للثّقافة الفرديّة، الّتي تتدنّى أحيانًا فتصير العبادة الحقيقيّة للأنا وتعطي الأولويّة للّامبالاة. لا يمكن أن يكون مستقبلنا انقسامًا وإفقارًا لقدرة الفكر والخيال والإصغاء والحوار والتّفاهم المتبادل، ولا يمكن أن يكون مستقبلنا هذا. نوجّه نداء بصورة خاصّة، في كلّ جزء من العالم، إلى رجال ونساء الثّقافة والعلم والرّياضة والفنّانين وموظّفي وسائل الإعلام، حتّى يوقّعوا هم أيضًا على هذا الميثاق، فيصبحوا بشهاداتهم وعملهم من دعاة قيم العناية والسّلام والعدل والخير والجمال وقبول الآخر والأخوّة. ليس علينا أن ننتظر كلّ شيء من الّذين يحكموننا، فهذا تصرّف طفوليّ. فنحن نملك فسحة من المسؤوليّة المشتركة، قادرة على إطلاق وإنشاء عمليّات وتحوّلات جديدة. علينا أن نكون نشطين في إعادة تأهيل المجتمعات المجروحة ومساندتها. إنّنا اليوم أمام فرصة عظيمة لإظهار جوهرنا الأخويّ، ولأن نكون سامريّين صالحين آخرين يتحمّلون ألم الفشل، بدلاً من التّحريض على الكراهيّة والضّغينة".

وقال: "لهذه الأسباب نحن ملتزمون بشكل شخصيّ ومعًا بما يلي: أن نضع الإنسان وقيمته وكرامته في مركز كلّ عمليّة تربويّة رسميّة وغير رسميّة، أن نصغي إلى أصوات الأطفال والفتيان والشّباب الّذين ننقل إليهم القيم والمعرفة، حتّى نبني معًا مستقبل عدل وسلام، وحياة كريمة لكلّ إنسان، أن نشجّع المشاركة الكاملة للبنات الصّغيرات، والفتيات في التّعليم، أن نعتبر العائلة المربّية الأولى الّتي لا غنى عنها، أن نربّي الأجيال الصّاعدة وأنفسنا على حسن الاستقبال، وأن ننفتح على أكثر النّاس ضعفًا واستبعادًا، أن نلتزم بالدّراسة لإيجاد طرق أخرى لفهم الاقتصاد والسّياسة والنّموّ والتّقدّم، أن نحرس وأن نهتمّ بتنمية بيتنا المشترك، وأن نحميه من سوء استغلال موارده".

وأشار إلى أنّ "هذه الدّعوة إلى الميثاق التّربويّ الشّامل إنّما توجّه إلينا نحن في لبنان لأنّ الانهيار الحاصل إلى حدّ ما، بحاجة إلى ميثاق بين مختلف فرقاء التّربية في مدارسها ومعاهدها ومؤسّساتها للذّود عنها وإعادتها إلى قدرتها في تأدية الرّسالة الّتي قامت وتقوم بها منذ أجيال. فالمدرسة والجامعة الّتي تقول إنّها سبقت في وجودها إعلان دولة لبنان الكبير لا بل إنّها في رسالتها كانت تحضّر لإعلان الدّولة هل تستطيع اليوم الاستمرار في أداء رسالتها؟ فبعد أن كانت التّربية والمدرسة والجامعة مؤسّسات مجتمعيّة ناجحة متألّقة في صقل قدرات الشّبيبة من التّلامذة والطّلّاب وإعداد الموارد البشريّة الأفضل في هذه المنطقة العربيّة والشّرقيّة عمومًا وهم برهنوا عن ذلك بمهنيّتهم وكفاءاتهم في العديد من البلدان حتّى إنّهم ساهموا الإسهام القويّ في تحويل الصّحراء إلى مناطق حضاريّة لها أثبتت حضورها وتمايزها. إلّا أنّنا اليوم لا نشهد فقط انهيارًا وصعوبات على مستوى التّربية وبرامجها بل إنّ هذه المؤسّسات نفسها لم تعد قادرة على تحمّل الحدّ الأدنى للأعباء الّتي تفرضها العمليّة التّربويّة في ظلّ فقدان اللّيرة اللّبنانيّة قيمتها وارتفاع أسعار المحروقات المستهلكة لكامل أجر الأستاذ والموظّف".

وتابع: "القضيّة اليوم عندما نرى امتداد الأزمة إلى أيّام آتية، نتمنّى ألّا تكون مديدة، هي قضيّة استمراريّة وجود المدرسة والمعلّم الأستاذ والجامعة في ظلّ الهجرة المتواصلة لا للأساتذة فقط بل الأسر وللتّلامذة وللطّلّاب إلى أصقاع أخرى يجدون فيها ولو شكلاً الأمن الاقتصاديّ والاجتماعيّ. ما بين السّنوات 1975 و1990 اختفت أكثر من مئتي مدرسة كاثوليكيّة من الخارطة التّربويّة اللّبنانيّة، فهل نترك الأزمة تنتصر علينا اليوم وغدًا بشكل تختفي معها 200 مدرسة أخرى أكانت مجّانيّة أم لا. هي قضيّة استمراريّة وجود المؤسّسات التّربويّة، بل في الواقع هي أيضًا قضيّة استرداد ولو جزء يسير من الجودة الّتي كانت تتمتّع بها من قبل اندلاع وباء كورونا الّذي فرض التّعليم عن بعد منذ عشرين سنة كذلك بما يتضمّن جوانب إيجابيّة وكذلك من سلبيّات يراها اليوم الأساتذة في الجامعة والمدرسة بأنّ أمرًا جللاً قد حدث كما لو أنّ التّلميذ والطّالب لم يعرف المدرسة والجامعة وهذا يعني أنّ على الجامعة والمدرسة مع التّعليم الحضوريّ إدخال الشّابّ إلى المجتمع وتثقيفه على العيش مع الآخر واحترام حرّيّة الدّخول في ما نسمّيه المسؤوليّة الاجتماعيّة المشتركة".

وقال:"من هنا، الميثاق التّربويّ اللّبنانيّ يقول: على السّلطات الرّسميّة اللّبنانيّة أن تدعم التّربية كما الصّحّة وهو أمر ضروريّ لاستقامة الحياة للمجتمع وبأنّ فقدان التّربية مقوّماتها ومؤسّساتها إنّما هو القضاء على جزء أساسيّ من هويّة لبنان الّتي تشكّل منذ منتصف القرن التّاسع عشر على الأقلّ، وبالتّالي على الدّولة أن تفرد جزءًا من الأموال الّتي ما زالت مجمّدة وقد أقرّها البنك الدّوليّ والصّندوق النّقديّ الدّوليّ إلى لبنان.

دور الحوكمة التّربية أكانت رسميّة أم خاصّة وهي وطنيّة أن تعمل بحكمة ورشد ووعي على شبك العناصر المؤسّسة للتّربية بعضها ببعض الآخر للعمل معًا من أجل إنقاذ هذا الكنز اللّبنانيّ الّذي يسمّيه التّربية.

نحن أهل الرّجاء ولدينا الإيمان بأنّنا سنخرج من هذه الأزمة ومن هذا الانهيار. من هذا المنظور الخروج من الأزمة مؤسّس على التّضامن الاجتماعيّ بين المقتدرين الّذين يساهمون بعطاءاتهم في إنقاذ التّربية وبين المؤسّسات التّربويّة وإذا كنّا نريد أن نكون واقعيّين ينبغي لنا تفعيل علاقاتنا الدّوليّة لمساعدة المؤسّسات خصوصًا تلك الّتي تقع في الأطراف أو في بؤر التّخلّف الاجتماعيّ. لا بدّ من الإنقاذ التّربويّ، إلّا أنّه في الواقع إنقاذ لبنان!

من ضمن هذا الميثاق نعمل معًا لئلّا يكون أيّ طالب خارج المدرسة أو الجامعة فنعطي بارقة أمل للّذين لم يعودوا مؤمنين بالرّجاء.

لنكن مقتنعين من أنّ ما يجري ليس وليد صدفة بل أنّ هناك أياد تعبث بالأسس الّتي قام عليها لبنان ومنها النّظام التّربويّ. فجوابنا هو العمل من أجل الاستمرار مقدّمة للاستقرار والحفاظ على الهويّة اللّبنانيّة."

 

أمّا أبو كسم فقال:"إلتقينا اليوم في ندوة علميّة عمليّة، تهمّ كلّ اللّبنانيّين، عنوانها الرّسالة التّربويّة في لبنان مع ما يحمله هذا العنوان من تحدّيات وإرادات جامعة للخروج من أزمة تشدّ الخناق يومًا بعد يوم على رقاب اللّبنانيّين. إنّنا نسابق الوقت، لكن الوقت على ما يبدو أسرع منّا، ونحن في معركة بدأناها، لكنّنا لا ندري متى ننتهي منها، وكيف ستكون نتائجها"، لافتًا إلى أنّ "الكنيسة وأنتم في جبهة واحدة، فالمطلوب توحيد الجهود لإنقاذ العام الدّراسيّ الحاليّ الّذي ما زال يترنّح تحت ضربات الأزمة الماليّة والوعود الدّوليّة الّتي على ما يبدو ستقدّم مساعدات بإتّجاه واحد".

أضاف: "لهذا فإنّنا نحذّر من خلق طبقيّة بين المدارس الرّسميّة والخاصّة، وهذا الأمر سينعكس طبعًا على التّلامذة والمعلّمين. كما نؤكّد أنّ تلامذتنا يعيشون حال النّزوح من مدرسة إلى أخرى لتخفيف عبء الأقساط المدرسيّة، فيما يتأمّن القسط من جهات مانحة دوليّة مع كلّ مستلزمات التّعليم من كتب وقرطاسيّة إلى أخوة لهم نزحوا عن أرضهم، وخوفي ألّا نصل إلى مرحلة يصبح فيها تلامذتنا غرباء في وطنهم. نعيش حال قلق على المصير، فإذا انهارت الرّسالة التّربويّة، هذا يعني انهيار لمستقبل لبنان، انهيار للقيم والتّربية والأخلاق، إنهيارللثّقافة، انهيار للحضارة، انهيار للطّاقات الفكريّة المبدعة، انهيار للاستقرار والأمن في البلد".

وإختتم: "نشكّل حلقة متماسكة، لن ندعها تنكسر، والمطلوب منّا إعلان حالة طوارىء تربويّة، وتوحيد الجهود، لوقف الارتطام المنتظر أقلّه على الصّعيد التّربويّ، فالاستقرار ممنوع، وفي اتّحادنا قوّة، فلنشبك الأيدي ولنتّكل على الله. والله ولي التّوفيق."

 

وإختتمت النّدوة بحوار مع الحلبّي الّذي أكّد "المساواة بين المدرسة الرّسميّة والخاصّة وعدم التّفرقة، لكن هناك نقص في الإمكانيّات رغم المطالب الكثيرة، وهناك قلق من ميزانيّة الدّولة". وقال: "لقد تحدّثت مع الجهات الدّوليّة عن التّربية الشّاملة وسعيت لمنح للقطاعين العامّ والخاصّ، لكن الوضع صعب جدًّا ومقلق، التّحدّي كبير ولا إمكانيّات مادّيّة والمشكلة الأساسيّة مادّيّة إلى حدّ كبير، والأساتذة متردّدين للعودة إلى المدرسة والمدرسة والتّلاميذ يدفعون الثّمن وهناك خطر من سقوط المدرسة الرّسميّة، يجب أن يكون السّبب الاستمراريّة فقط".

أضاف الحلبيّ: "ألمس هول المشكلة، ومحاولة الإنقاذ لا يستطيع شخص أن يقوم به، فالإعلام له دور كبير في التّربية والسّلبيّة خربت البلد، لذا علينا أن نكون ايجابيّين ونتعالى عن السّياسيّة، فهناك خطر وجوديّ علينا مواجهته، هناك هجرة أساتذة مدارس وجامعات، وبعدما ضربت كلّ القطاعات هناك أجندة، لضرب قطاع التّربية وضرب لبنان".

وعن التّسعين دولار والشّهادات الرّسميّة قال:"مصرف لبنان سيعطيها على سعر السّوق، وهناك اتّفاق رسميّ، لذلك لا مبرّر لدى الأساتذة لمقاطعة العام الدّراسيّ، هناك 14 مليون دولار للمدارس الرّسميّة وهناك تقديمات كثيرة أخرى، صحيح المطالب محقّة، لكن علينا أن نكون مسؤولين، وأن نعي أنّنا دخلنا في مرحلة جديدة فالحلم الّذي كنّا نعيشه قد مضى. المتقاعدون سيأخذون أموالاً حتّى جميع العاملين في المدارس، أمّا بالنّسبة للمتقاعدين فلا أستطيع أن أعدهم بشيء لكنّي سأبذل جهدًا، وبالنّسبة للمدارس النّصف مجّانيّة سنعطي سلفة سريعة مع بداية السّنة الدّراسيّة".