الكينونة والمعطوبيّة
الإنسان كائن الزّوال
ولما كان لي الحظّ يوم كنت في ألمانيا أن أزور قرية وبيت هذا الفيلسوف العظيم العائش في ظلال الغابة السّوداء Schwarswold وفهمت نظرته إلى الكائن.
الكائن عنده في رحيل دائم لا يتوقّف يجرفه نهر الأيّام وعبور السّنين وزوال النّهار واللّيل. هذا الزّوال هو الجرح الكبير الّذي لا شفاء منه إلّا بالتّعلّق بالأزليّة وبلا خوف من الموت والنّهاية أو قهر الموت بموعد القيامة هذا هو الرّجاء ضدّ الغربة والكآبة والهلع والرّعدة لحقيقة المعطوبيّة الكياسيّة والوجوديّة والأنطولوجيّة كلّ شيء باطل وإلى زوال كالجرح الأنطولوجيّ.
القيامة تشفي جرحنا
فالجرح الأنطولوجيّ تبلسمه وتشذّبه أنتربولوجيّة تيولوجيّة تؤمن بالقيامة ويبكر القائمون ليسوع المسيح هذا هو الفرح الوجوديّ والكيانيّ من دون خوف من هزيمة أمام الموت البيولوجيّ بل إيمان قويّ أنّنا «إن متنا معه سنقوم معه» القيامة هي ميناء مراكبنا الجسديّة الّتي يضرب أشرعتها ريح الموت والفناء والزّوال، فلا يأس عندنا ولا حزن ولا كآبة لأنّنا لن نموت كما يقول القدّيس أغوسطينوس بل سنعبر إلى الجهة الأخرى هناك في الأزليّة حيث ينتظرنا الّذي «قهر الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور».
أجسادنا خلعت عنها ترابيّتها الفانية
ثياب العرس على أجسادنا الهيوليّة الّتي تركت «قشرة» الجسد كما يقول أفلاطون وعبرت إلى ضياء وبهاء النّور الحقيقيّ شمس العالم يسوع المسيح. وصعدنا من كهف الموت بعد أن تطهّرنا بفعل تطهيريّ Cathorsis وصارت أجسادنا روحًا خلعت عنها ترابيّتها الفانية وتحوّلت إلى كائنات روحانيّة ينعكس عليها ويشعّ منها نور وحياة المسيح. هو الألف والياء والبداية والنّهاية هو الّذي به كون وكان كلّ شيء وبدونه لم يكن شيء. هو الكلمة والكلمة كانت في البدء، وكانت الكلمة الله بمعموديّة يسوع لنا نحن بعمادنا قيامة جديدة من الموت كما يقول الرّسول بولس المسيح بموته مات عن الجميع ليعطيهم الحياة الدّائمة بقيامته هو كتب اسمنا في سجلّ الحياة.
محوريّة المسيح
وجودنا نحن محوره المسيح Christocentrique محوريّة وقيامة المسيح هي المحوريّة الأساسيّة لوجودنا وإيماننا بأنّ الموت لن يقدر علينا ولا الفناء محوريّة: مسيح Christocentrique القائم من الموت أساس الرّجاء الّذي يجعلني أتناول جسد الرّبّ يسوع لتولد في قوّة الخلاص والحياة ولن تأكلني النّار لأنّني اتّخذت جسد المسيح القائم من الموت عربونًا وزادًا لي في السّفر.
تفكيرنا ليس هو أنتربوسنتريك Anthropocentrique بل هو كريستوسنتريك Christocentrique هذا يعني أنّ محورنا الأساسيّ هو المسيح الّذي يعطي المعنى لحياة الإنسان بالحبّ، لأنّ الحبّ يبني أمّا البغض فهو يدمّر ويحطّم، يدمّر ذاته قبل أن يدمّر ويعدم ويحطّم الآخر، فالحياة جليديّة قاتلة وصقيع بحيث من دون وجود الآخر الّذي يعطي الحرارة لقلبنا ولوجودنا بالحبّ.
لا شفاء لنا إلّا بالحبّ
لا شفاء لنا إلّا بالحبّ، فالآخر ليس هو الجحيم كما قال عن سارتر Sartre ولا هو ذئب ناهش قال هوبس HOLES الإنسان ذئب للإنسان ولا نتعاطى مع إخوتنا البشر بفعل قاينيي (قايين) فنقتلهم غيرة وحسدًا وكرهًا.
بل نتعاطى معهم بفعل قربانيّ oblatif كنقد محبّة وخلاص وفداء كما فعل يسوع الّذي هو لنا القدوة والمثال archetype فنلبس المسيح إنسانًا جدًّا بالعماد «أنتم الّذين بالمسيح اعتمدتهم والمسيح قد لبستم»...
فليكن فيكم من الأفكار والأقوال والأفعال ما في يسوع المسيح الّذي ليس فيه إلّا الحبّ والمغفرة والفداء.
فتصبح «رائحة المسيح الطّيّبة ولا يجدّف على يسوع المسيح بسببنا: ببخلنا وكبريائنا، وكذبنا الوجوديّ وبغضنا، وحقدنا، وحسدنا أيّ بسبب موقفنا الرّوحيّ والإنسانيّ وطقوسيّتنا الفارغة وفريسيتنا الكرنفاليّة. فتصبح معطوبيّتنا جرحنا القاتل والمميت لأنّها تنغلق على ذاتها وتمتلئ قبحًا ودودًا واهتراء وموتًا فيتدمّر كياننا المخلوق للحياة والحبّ والفرح والنّور وتهشّم بيدنا جمال دعوتنا الإنسانيّة ليؤلّهنا الحبّ والفداء فيتنوّر صليب وجودنا بالبهاء والخلاص. شفاء معطوبيّتنا الوحيد ودواء نهايتنا هو الحبّ كما أحبّ يسوع المسيح الّذي هو القدوة والمثال.