الكلمة المتجسّد، رمّم بإنسانيّته المقدّسة صورة الله في الإنسان- البطريرك الكردينال الراعي
الآن تمجّد ابن الإنسان، وتمجّد الله به" (يو13: 31).
1. هذه الكلمة قالها الربّ يسوع في أثناء عشائه الفصحيّ الأخير مع تلاميذه، عندما ناول يهوذا الإسخريوطيّ لقمة، فخرج للحال لكي يسلمه لطالبي قتله، لقاء ثلاثين من الفضّة. فقال يسوع: "الآن تمجّد ابن الإنسان، وتمجّد الله به" (يو13: 31).
كان يعني أنّ الله تمجّد بيسوع الابن الذي بفيضٍ من حبّه أطاع إرادة الآب، وحقّق تصميمه الخلاصيّ بموته على الصليب، لفداء البشريّة جمعاء. وكان يعني أنّ ابن الإنسان، الكلمة الإلهيّة المتجسّد، رمّم بإنسانيّته المقدّسة صورة الله في كلّ إنسان ينفتح على نعمة الفداء. وهكذا يتمجّد الله بهذا الإنسان الجديد الذي يحبّه على ما يقول القدّيس إيريناوس: "مجد الله الإنسان الحيّ".
إحتفلنا الخميس الماضي بعيد صعود ربّنا يسوع المسيح إلى السماء فتمجّدت بشريّته ومن خلالها تمجّدت بشريّتنا. ما يعني أنّه قدّم ترشيحنا للسماء، فصار علينا أن نسلك بموجب تعليمه ووصاياه من حبّنا له لكي نستحقّ المشاركة في مجد السماء. ولهذا ترك لنا وصيّة محبّة بعضنا بعضًا كما أحبّنا هو (يو 13: 34).
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي تحييها "جماعة إيمان ونور" وهي تقوم اليوم بحجٍّ إلى هذا الصرح البطريركيّ. وتقيم بعد القدّاس ساعة تسابيح.
تُعنى جماعة "إيمان ونور" بمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقات العقليّة وعائلاتهم ليجدوا مكانهم في المجتمع وفي الكنيسة. كان هذا هو الهدفَ الأساسيَّ لرحلة الحجّ إلى لورد في عيد الفصح 1971.
في تلك الرحلة التقويّة، خاف منهم أهالي المنطقة للوهلة الأولى معتقدينّ أن هؤلاء الأشخاص المجروحين بذكائهم سوف يؤذونهم. فأقفلوا المتاجر، وسيّرت الشرطة دوريّاتها في الشوارع. ولكن على عكس ذلك عاشت المنطقة يومًا مسيحيًّا حقيقيًّا بإيمان قويّ. فعرف الجميع أنّ المجروح في ذكائه هو "على صورة الله"، وبالتالي له الحقّ في العيش الكريم من دون شفقة أو تخوّف منه. وعند انتهاء الحجّ، شعرت هذه الجماعة بالحاجة إلى الانتشار وبضرورة اللقاء باستمرار لتأمين الفرح لأولادهم وإعطائهم معنى لحياتهم. وكان بعد الزيارة أن تابعت الجماعات لقاءاتها ودُعيت باسم "إيمان ونور".
في سنة ١٩٧٥، استقبل القدّيس البابا بولس السادس جماعة "إيمان ونور" في كاتدرائيّة القدّيس بطرس، وقال لهم: "أنتم محبوبون من الله كما أنتم...، لكم مكان مختار في الكنيسة".
3. إنتشرت جماعات إيمان ونور وتوزّعت على أكثر من سبعين بلدًا. تضمّ حاليًّا حوالى 1290 جماعة موزَّعة على 51 مقاطعة، في 86 دولة و 38 لغة مختلفة.
بدأت جماعات إيمان ونور في لبنان سنة 1980، وتوجد فيه حاليًّا مقاطعتان:
مقاطعة لبنان الجنوبيّ والأردن وتضمّ 6 أقاليم: الجنوب، البقاع، بيروت، المتن الجنوبي، المتن الشماليّ، الأردن.
ومقاطعة لبنان الشماليّ الغربيّ وأرمينيا وإيران وتضمّ 9 أقاليم: إيران، ارمينيا، المتن، المتن العالي، المتن الساحليّ، كسروان العالي، الفتوح كسروان، سيّدة البحار جبيل، بشرّي. يضمّ لبنان حوالى 76 جماعة.
4. رحّب البطريرك الراعي أيضًا بعائلة الراحل سجعان قزّي الذي "كان بالنسبة إلينا شخصيًّا مستشارًا ثقافيًّا وسياسيًّا غنيًّا بالمعرفة والاطّلاع والوضوح في الرؤية". وقد صلّى الجميع لراحة نفسه.
كما وجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة الشهيد باسكال سليمان، منسّق القوّات اللبنانيّة في جبيل والذي سقط منذ شهر وصلّى الحضور كلّهم لراحة نفسه.
5. "وفي هذا الأحد"، ذكّر البطريرك الراعي، "تحيي الكنيسة اليوم العالميّ الثامن والخمسين لوسائل التواصل الإجتماعيّ. وقد أسّسه القدّيس البابا بولس السادس سنة 1966. إعتاد البابوات على توجيه رسالة للمناسبة. وقد وجّه قداسة البابا فرنسيس كالعادة رسالة لهذه السنة بموضوع: "الذكاء الاصطناعيّ وحكمة القلب للتواصل البشريّ الكامل"، تحت عنوان كلمة من سفر الأمثال "فإنّ الحكمة تدخل قلبك" (أمثال 2: 10)."
6. وأوجز البطريرك الكردينال الراعي أبرز ما جاء في الرسالة
7. "]مجد الله الإنسان الحيّ[. نقرأ كلمة القديّس إيريناوس هذه، على ضوء إنجيل اليوم، وتمجيد بشريّة يسوع ومعها الإنسان في عيد الصعود. إنّها مسؤوليّة مشتركة بين العائلة والمجتمع والكنيسة والدولة لمساعدة كلّ شخص بشريّ للنموّ روحيًّا وأخلاقيًّا وماديًّا وكرامةً وحريّةً محبّةً لله.
إنّ محور العمل السياسيّ هو هذا الشخص البشريّ. من أجله تتكوّن السلطة المنظَّمة في الدولة، لتكون دولة الحقّ والعدالة التي تؤمِّن للمواطنين حقوقهم الأساسيّة، وتطالبهم بواجباتهم. ومن أجله ينتظم الاقتصاد ليعيش المواطنون بكفاية. ومن أجله يشرّع المجلس النيابيّ ويحاسب ويسائل الحكومة المسؤولة عن السلطة الإجرائيّة."
من هذا المنطلق تطرّق البطريرك الماروني، الكردينال بشارة بطرس الراعي إلى موضوعين رئيسين، هما ضرورة انتخاب رأس للدولة اللبنانيّة أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، في هذه الأوقات الحرجة والتي تضع البلاد على المحكّ، وقضيّة النزوح السوريّ والموجودين غير شرعيًّا على أرض لبنان وعودتهم الآمنة، وأسف الراعي "لعدم تعاون الدول الأروبيّة والدوليّة مع لبنان لحلّ مشكلة النازحين وعودتهم إلى وطنهم..."
في الختام، رفع البطريرك دعاء إلى الله، طلب منه تعالى أن يجنّب لبنان المخاطر.