لبنان
31 تموز 2019, 05:53

القمّة الرّوحيّة المسيحيّة- الإسلاميّة: الوحدة الوطنيّة تشكّل الأساس والضّامن لبناء لبنان الغد

إلتأمت أمس القمّة الرّوحيّة المسيحيّة- الإسلاميّة، في دار طائفة الموحّدين الدّروز، بدعوة من شيخ عقل الطّائفة الشّيخ نعيم حسن، وبمشاركة البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة الرّاعي، مفتي الجمهوريّة الشّيخ عبد اللّطيف دريان، بطريرك الرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر، نائب رئيس المجلس الإسلاميّ الشّيعيّ الأعلى الشّيخ علي الخطيب ممثّلاً رئيس المجلس الشّيخ عبد الأمير قبلان، بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، بطريرك الأرمن الأرثوذكس الكاثوليكوس آرام الأوّل كشيشيان، بطريرك السّريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، بطريرك الأرمن الكاثوليك غريغوار بطرس العشرين، المطران ثاوفيلوس جورج صليبا ممثّلاً بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني، رئيس الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة في لبنان الأب رويس الأورشليميّ، رئيس المجمع الأعلى للطّائفة الإنجيليّة في سوريا ولبنان القسّ جوزف قصّاب، رئيس الطّائفة الكلدانيّة في لبنان المطران ميشال قصارجي ممثّلاً بالنّائب العامّ رافييل طرابلسي، نائب رئيس المجلس الإسلاميّ العلويّ الشّيخ محمّد خضر عصفور، النّائب الرّسوليّ للّاتين في لبنان المطران سيزار آسيان ممثّلا بالأب توفيق بو مرعي، المفتي الجعفريّ الممتاز الشّيخ أحمد قبلان، رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد السّاتر، رئيس الطّائفة الآشوريّة الأرثوذكسيّة في لبنان المتروبوليت ميليس زيّا ممثّلاً بالخوري كيفركيس يوحنّا . إضاقة إلى نائب رئيس المجلس الشّرعيّ الدّكتور عمر مسقاوي، الأمين العامّ لدار الفتوى الشّيخ أمين الكردي، الوزير السّابق خالد قبّاني، المعاون البطريركيّ جورج أسادوريان، القسّ رياض جرجورة، وأعضاء لجنة الحوار الإسلاميّ- المسيحيّ.

وصدر عن القمّة بيانًا جاء فيه نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام":
"بدعوة من سماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز الشّيخ نعيم حسن، انعقدت القمّة الإسلاميّة- المسيحيّة في دار الطّائفة بحضور المرجعيّات الدّينيّة المسيحيّة والإسلاميّة. وبعد تداول الشّؤون الوطنيّة والعربيّة العامّة صدر عن المجتمعين البيان الآتي:
"إيمانًا بلبنان الوطن السّيّد الواحد أرضًا وشعبًا ومؤسّسات، الّذي نحيّي قريبا مئويّته الأولى، والمنتظمة مبادئ قيامه وديمومته واستقلاله بالبنود الصّريحة الواضحة الواردة في مقدّمة دستوره وميثاقه الوطنيّ، والّذي نشأ على قاعدة تحترم الحرّيّات العامّة والخاصّة وتقوم على الشّراكة الوطنيّة والعيش الواحد للمواطنين اللّبنانيّين، باختلاف أديانهم وتوجّهاتهم.
وبعد ثبات صيغته الإنسانيّة الرّاقية وسط العواصف والأزمات الّتي تعرّض لها عبر تاريخه القديم والحديث، وبعد نهوضه من ويلات الحروب ومحنة التّطرّف والإرهاب وتصدّيه المستمرّ للعدوّ الاسرائيليّ بفعل تضحيات المؤسّسة العسكريّة ومقاومة شعبه، بقي متمسّكًا بثوابته الوطنيّة، محافظًا على وحدته، أمينًا لرسالته، ومحقّقًا التّضامن الوطنيّ.
وفي الوقت الّذي لا يزال لبنان يواجه تداعيات أزمات شائكة نتيجة التّقاطعات الضّاغطة على ساحته وتداعياتها المقلقة على أكثر من صعيد، خصوصًا في أمنه- وأشدّها خطرًا تهديدات العدوّ الصّهيونيّ- وفي اقتصاده الّذي بات موضع ترصّد دائم وتقييم دقيق من الدّول ذات الاهتمام، ومن المؤسّسات الاقتصاديّة الدّولية ذات الاختصاص، وفي وضعه الاجتماعيّ بتفاقم مشكلة النّازحين، وتراكم الأعباء المترتّبة عنها في مستويات عدةّ لاسيّما الاقتصاديّ والمعيشيّ منها.
وفي الوقت الّذي يواجه لبنان بتفان التّحدّيات نتيجة للموقف الوطنيّ الجامع برفض الّتوطين شكلاً ومضمونًا. فإنّ المجتمعين يرون أنّ المطلوب إزاء كلّ ذلك المزيد من الوعي والتّضامن الوطنيّ لتجاوز المخاطر الّتي تتضاعف في ضوء ما يحاك من مشاريع ومخطّطات معلنة وغير معلنة تستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة وفرض أمر واقع جديد على دولها وشعوبها، لاسيّما ما يخطّط لتهويد القدس وفلسطين التّاريخيّة.
إنّ الوحدة الوطنيّة الّتي نشأت بين العائلات الرّوحيّة اللّبنانيّة على قاعدة المواطنة والميثاقيّة والعيش المشترك والتّعّدديّة، والّتي أرسى ثوابتها اتّفاق الطّائف بتعديلاته الدّستوريّة، تشكّل الأساس والضّامن لبناء لبنان الغد.
وعلى هذا الأساس، فإنّ أيّ إساءة الى العيش المشترك في أيّ منطقة من لبنان وبخاصّة في الجبل، هي إساءة إلى لبنان الفكرة والرّسالة، تعرّض حاضره ومستقبله للأخطار والأزمات. وإنّ إطلاق وصف الـ"كنز" على مصالحة الجبل التّاريخيّة هو أبلغ تعبير عن أهمّيّتها في أبعادها الوطنيّة والمعنويّة والميثاقيّة والمستقبليّة، وهو كنز برسم الوطن من أقصاه الى أقصاه. ولا يسع الرّؤساء الرّوحيّون إلّا أن يعربوا عن ألمهم الشّديد لحادثة البساتين المؤسفة الّتي أدّت بنتائجها إلى تعطيل عمل الحكومة الّذي هو حاجة ماسّة للاستقرار السّياسيّ والأمنيّ وللنّهوض الاقتصاديّ، ويدعوا إلى إيجاد الحلّ المناسب والسّريع لكي تستعيد البلاد حياتها الطّبيعيّة.
من أجل ذلك، فإنّ القمّة الرّوحيّة المسيحيّة- الإسلاميّة إذ تؤكّد التّمسّك بهذه الثّوابت الّتي أرساها الدّستور وأجمع عليها اللّبنانيّون، تدعو المسؤولين في مواقعهم والقيادات السّياسيّة والمجتمع الأهليّ إلى حفظ هذه الثّوابت في هذه المرحلة التّاريخيّة الفاصلة ترسيخًا لوحدة لبنان وسلامته ورسالته في الأخوّة الإنسانيّة والعيش المشترك، والالتفاف حول المؤسّسات الرّسميّة الدّستوريّة والإداريّة والقضائيّة والأمنيّة، وتفعيل عملها ودورها، والاحتكام إليها في كلّ ما يعترّض الحياة الوطنيّة من أزمات، وإطلاق خطّة نهوض شاملة بالوطن ومحاربة الفساد بكلّ مستوياته وتأمين الحدّ الأدنى من متطلّبات المستقبل الأفضل الّذي ننشده لجميع أبنائنا.
ولمناسبة عيد الجيش وجّهت القمّة الرّوحيّة تحيّة إلى المؤسّسة الوطنيّة الجامعة الّتي يجسّدها الجيش اللّبنانيّ السّاهر دائمًا على سلامة الوطن وأمن شعبه.
وأكّدت القمّة المسيحيّة- الإسلاميّة أهمّيّة الأخلاق من حيث هي قيمة إنسانيّة سامية تشكّل العمود الفقريّ لقيام المجتمعات، ودعت إلى التّمسّك بمحمولها المعنويّ وتجنّب الابتذال نهجًا وعملاً في كلّ الأداء السّياسيّ والإعلاميّ والثّقافيّ والتّربويّ والأدبيّ والفنّيّ والاجتماعيّ لكي تبقى الحرّيّة في لبنان مصانة بمفهومها الحضاريّ الرّاقيّ.
إنّ القمّة الإسلاميّة- المسيحيّة تؤكّد أصالة الدّور الحيويّ الّذي تميّز به لبنان في إثراء الحوار بين أهل الأديان والثّقافات المختلفة خصوصًا بعد تحقيق استقلاله. وله في هذا المجال الحضاريّ مخزون بالغ القيمة والأهمّيّة، يؤهّله ليكون مركزًا دوليًّا للحوار لما يتماهى به من تعدّد دينيّ وثقافيّ وإيمان بالكرامة الإنسانيّة.
وأعرب أصحاب الغبطة والسّماحة والسّيادة والفضيلة عن رفضهم المطلق لما تتعرّض له مدينة القدس والشّعب الفلسطينيّ برمّته من انتهاكات لحرمة الأديان وكرامة الإنسان وحقوقه. وأكّدوا بقاء القدس مدينة الدّيانات السّماويّة، الّتي لن تنال منها الاعتداءات والانتهاكات والممارسات الجائرة من الاحتلال الغاصب، ولا الخطط المشبوهة على اختلاف أشكالها وتسمياتها الهادفة إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة، والّتي تقوّض كلّ فرص السّلام المنشود وتعرّض المنطقة لمزيد من العنف والحروب.
وأكّد المجتمعون الرّفض المطلق للقرار العنصريّ المسمّى "قانون يهوديّة الدّولة" الّذي يحمل في مضمونه وأهدافه خطرًا وجوديًّا على فلسطين التّاريخيّة وهويّتها العربيّة، وأدانوا التّدمير الممنهج للأحياء التّراثيّة ومنازل الفلسطينيّين في القدس بما هو إجراء عدوانيّ لا إنسانيّ، وأعربوا عن تضامنهم مع البطريركيّة الأرثوذكسيّة المقدّسة في سعيها إلى الحفاظ على ممتلكاتها، وعبّروا عن وقوفهم إلى جانبها في إدانة أيّ تصرّف إسرائيليّ بالأملاك الوقفيّة للكنيسة لمصلحة المحتلّ الإسرائيليّ، والمطالبة باسترجاع ما تمّ الاستيلاء عليه بطرق ملتوية وغير شرعيّة.
فالقدس بمكانتها الرّوحيّة المقدّسة، لا يجوز التّفرّد في تقرير مصيرها بقوّة الأمر الواقع ولا بقرارات أحاديّة جائرة، بل هي كانت وستبقى ملك الإيمان البشريّ المشترك وحقًّا تاريخيًّا للشّعب الفلسطينيّ عاصمة لفلسطين الدّولة المستقلّة، إلى جانب كلّ الحقوق الفلسطينيّة الأساسيّة في العودة وبقاء الأرض والحياة الكريمة.
وأدان المجتمعون القرار الأحاديّ المرفوض في إعلان سيادة مزعومة للكيان الغاصب على الجولان السّوريّ المحتلّ، مؤكّدين أنّ هذه الأرض العربيّة لن تتغيّر هويّتها مهما طال ليل الاحتلال.
إنّ المجتمعين بما يمثّلونه في مواقعهم، وبما يعبرون عنه من رمز لتضامن وتعاضد الأخْوة في المشترك الإنسانيّ النّبيل الجامع للقيم الرّوحيّة والمثل الأخلاقيّة والفضائل السّامية الّتي بها ترقى المجتمعات إلى أنبل الغايات، يدركون بإيمانهم ما يمكن لإله المحبّة والنّعم، الرّحمن الرّحيم، أن يمنّ به علينا جميعًا، وعلى شعبنا وشعوب المنطقة، بالفرج والمغـفرة والسّلام، وأن يسلك الجميع في العالم العربيّ والإسلاميّ وفي العالم أجمع نهج الحوار والتّفاهم ورفض الظّلم والعدوان، لتحقيق مبتغى الشّعوب وصون إنسانيّتها.
نسأله تعالى أن يحفظ لنا في قلوبنا نعم الهداية والاستقامة والفلاح، وأن يوفّقنا ويوفّق كلّ من في مواقع المسؤوليّة إلى نهْج التّعقّـل والرّشد والسّداد، وأن يلهمنا جميعًا إلى ما فيه الخيْر والحقّ والعدْل. إشملنا يا ربّ برحمتك ولطفك، إنّك أنت السّميع المجيب، الكريم الغفور".