لبنان
23 تموز 2020, 11:06

القمّة الرّوحيّة المسيحيّة إلى القيادات السّياسيّة في لبنان: للتّضامن قولاً وعملاً في ورشة الإنقاذ الوطنيّة

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار لقاءاتهم الدّوريّة لبّى دعوة البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي إلى الدّيمان: بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، بطريرك السّريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، وكاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك غريغوار بيدروس العشرون، والمطرانان شاهية بانوسيان ومكاريوس أشقريان ممثّلين كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل كيشيشيان، بحضور المطارنة الموارنة سمير مظلوم، بولس صيّاح وجوزف نفّاع؛ وعقدوا اجتماعًا تناولوا فيه الأوضاع الرّاهنة في البلاد بانعكاساتها الاقتصاديّة والمعيشيّة، كما ناقشوا خطط الإغاثة المعتمدة من قبل كنائسهم، الهادفة إلى توفير الأمن الغذائيّ والصّحّيّ ودعم القطاعين الزّراعيّ والمهنيّ، وكيفيّة تنسيق الجهود لمضاعفة المساعدات وحسن الإفادة منها. وفي هذا الإطار كان عرض لمشروع لجنة الإغاثة للمساعدة والتّعاضد "الكرمة"، المستوحى من آية يوحنّا الإنجيليّ: "أنا الكرمة وأنتم الاغصان".

وركّز الآباء بصورة خاصّة على ضرورة تلبية حاجات قطاعات الشّبيبة من خلال المشاريع التّنمويّة، الّتي توفّر فرص العمل لهم، وتحدّ من هجرتيهم الدّاخليّة والخارجيّة. وسجّلوا تقديرهم لكلّ مبادرات التّضامن الّتي يطلقها اللّبنانيّون من المقيمين والمنتشرين في مواجهة الأزمة الرّاهنة.

وفي هذا السّياق من مقاربة الأزمة المعيشيّة الرّاهنة، يتطلّع الآباء إلى دور حكوميّ أكثر فعاليّة لجهة الإصلاحات والتّدابير الكفيلة برفع حدّة الأزمة والإسهام في استعادة دورة الحياة الاقتصاديّة واستقطاب قدرات الدّعم المحلّيّة والخارجيّة، ويناشدون جميع القيادات اللّبنانيّة التّرفّع عن الحسابات السّياسيّة وتجاوز الخلافات الفئويّة والتّضامن قولاً وعملاً مع المؤسّسات الدّستوريّة في ورشة الإنقاذ الوطنيّة.

وإستمع الآباء إلى العرض الّذي قدّمه الكاردينال الرّاعي حول "نظام الحياد"، وردّات الفعل عليه، وهو نظام ينبع من رسالة لبنان الحضاريّة، وقد تلازَمَ مع نشوء الكيان اللُّبنانيّ كمطلبٍ ملائم "لموقع جبل لبنان وطبيعة أهاليه الموالفة للحرّيّة والاستقلاليّة منذ القدم ممّا استلزم استقلاله وحياده السِّياسيّ"، كما جاء في مذكّرة مجلس إدارة متصرّفيّة جبل لبنان في 10 تمّوز 1920.

لقد اعتمد لبنان، منذ إقرار ميثاق 1943، سياسة الحياد وعدم الانحياز على قاعدة أنّ "لا وصاية، ولا حماية، ولا امتياز، ولا مركز ممتاز لأيّ دولة من الدّول الشّرقيَّة والغربيَّة، بل يكون وطنًا سيّدًا حرًّا باستقلالٍ ناجز". هذه كانت سياسة دولة لبنان الخارجيَّة المتكرّرة في البيانات الوزاريَّة منذ الحكومة الأولى برئاسة رياض الصّلح سنة 1943 حتّى الحكومة الثّالثة والخمسين برئاسة شفيق الوزَّان سنة 1980. وظلَّت الحكومات المتتالية تؤكِّد نهجَ الحياد وعدم الانحياز على أساس أنَّ لبنان جزءٌ لا يتجزَّأ من العالم العربيّ، يُقاسِم إخوانَه العرب سرَّاءهم وضرَّاءهم، ويعمل دائمًا على شدّ أواصر الأخوّة وتوثيق عرى المحبَّة بينه وبينهم؛ وأنَّه منفتحٌ على الدُّنيا بأسرها، وغير منحازٍ إلى أيِّ تكتُّلات وأحلاف سياسيَّة أو عسكريَّة، ويستند في كلّ حال إلى شرعة الأمم المتَّحدة. وعادت الدَّولة اللُّبنانيَّة لتؤكِّد في "إعلان بعبدا" بتاريخ 11 حزيران 2012 : "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصِّراعات الإقليميَّة والدَّوليَّة وتجنيبه الانعكاسات السَّلبيَّة للتَّوتُّرات والأزمات الإقليميَّة، وذلك حرصًا على مصلحته العُليا ووحدته الوطنيَّة وسِلمِه الأهليّ، باستثناء ما يتعلَّق بواجب التزام قرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة وبخاصّة المتّصل منها بالأراضي اللّبنانيّة الّتي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، والإجماع العربيّ والقضيَّة الفلسطينيَّة المحقَّة، بما في ذلك حقُّ اللَّاجئين الفلسطينيّين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم".

إنَّ طرح مشروع نظام الحياد بعيدٌ كلّيًّا عن أيِّ تفكيرٍ طائفيٍّ أو سياسيٍّ أو فئويٍّ، بل هو طرحٌ وطنيٌّ جامعٌ ولمصلحةِ كلِّ اللُّبنانيّين من جهةِ، ولمحيطِ لبنان المشرقيِّ- العربيِّ من جهة أخرى. فحيادُ لبنان هو مشروعُ سلامٍ لا مشروعُ حرب، وهو مشروعُ اتّفاق لا مشروعُ صراع. إنَّ لبنانَ غيرُ قادرٍ على البقاء رهينةَ التّجاذبات والمشاريع الخارجيّة. لقد حان الوقتُ للخروجِ، يدًا بيدٍ، من التّدهور والانهيارِ، ومن الأزماتِ المتتاليةِ. فكلّنا للبنان ولبنان لنا جميعًا".