لبنان
24 أيلول 2018, 10:15

القدّيس أنطونيوس البداونيّ يبارك بلدة ميروبا

رفعت بلدة ميروبا تمثالاً للقدّيس أنطونيوس البدوانيّ، يوم الجمعة، بالقرب من كنيسته الأثريّة، واحتفلت بتكريسه في اليوم التّالي بقدّاس إلهيّ ترأّسه النّائب البطريركيّ المارونيّ العامّ المطران حنّا علوان، في باحة الكنيسة، عاونه فيه خادم الرّعيّة الأب بيار سمعان، وسط حضور رسميّ وشعبيّ.

 

بعد الإنجيل، ألقى المطران علوان كلمة أشار فيها إلى مكانة بلدة ميروبا في قلبه فقال نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "أعتبر بلدة ميروبا بلدتي الثّانية، وأنا من الآباء المريميّين، وكنّا نصطاف في ميروبا ونعلّم أبناءها التّعليم المسيحيّ، بحيث كنّا نجمعهم في هذه الكنيسة، والآن أصبحوا كبارًا نتعرّف عليهم في هذا القدّاس.
ونحتفل اليوم بعيد القدّيس بادري بيو، لمناسبة العيد الخمسين على وفاته، ومئة سنة على ظهور الجروحات في يديه وعيد مار فوقا، وبقدّاس مار أنطونيوس وكلّ القدّيسين معنا هذه اللّيلة، والاحتفال بعيد ارتفاع الصّليب المقدّس، تفرض الكنيسة علينا التّأمّل في أناجيل النّهايات، أيّ نهاية العالم وقيام الموتى ومجيئه الثّاني والدّينونة الأخيرة.
اليوم في الأحد الثّاني بعد عيد ارتفاع الصّليب، نتأمّل في ما أعلنه السّيّد المسيح لتلاميذه عن نهاية العالم، عندما تنبّأ عن خراب الهيكل، وعن قدوم نصحاء دجّالين يدّعون أنّهم المسيح الحقيقيّ العائد من جديد لدينونة العالم، ويضلّلون الكثيرين ويبعدونهم عن الإيمان الصّحيح، بدل من أن يقودونهم إلى الحقيقة ويرشدونهم إلى خلاص نفوسهم، والمسيح ردًّا على سؤال لتلاميذه، في سؤال مزدوج حول زمان نهاية العالم وكيفيّتها، لم يحدّد لهم الزّمن، بل أخبرهم عن نتائج الحروب والقتل والتّعذيب والبغض والاضطهاد والفساد، وكلّ أنواع الخطايا ضدّ الله والنّاس.
كما يحذّر من النّصحاء الكذّابين الّذين يضلّلون الشّعب ويبعدون الكثيرين عن محبّة الله الّتي تتلاشى بسبب تلاشي المحبّة بين النّاس، ويطلب يسوع من تلاميذه التّمسّك بالإيمان والصّبر والثّبات في تلك المحنة على ما تعلّموه منه، وما أخذوه من إنجيله، كما يحثّهم على اليقظة، لئّلا يقعوا ضحيّة هذا التّضليل، ولأنّ من يصبر إلى المنتهى يخلص.
أكثر المضلّلين والمدّعين بالمعرفة والعلم، يضلّلون النّاس بكلّ الوسائل خاصّة في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وغيرها بهدف إبعاد المؤمنين عن الإيمان والتّعليم الصّحيح، واولئك الّذين ينتقدون الكنيسة والسّلطة الكنسيّة ويفترون عمدًا عليهما كما على السّلطات التّعليميّة الكنسيّة، بهدف تشويهها وضربها من الدّاخل، هؤلاء يندرجون أيضًا في باب النّصحاء الكذّابين الّذين حذّر منهم السّيّد المسيح، وهم يشكّكون إخوانهم المؤمنين، وقد قال عنهم ربّنا: إنّه خير لهم أن يعلّق في عنقهم رحم حمار، ويلقون في البحر، وإنّه خير لهم ألّا يبقوا على قيد الحياة.
لم تكن المرّة الأولى الّتي يتنبّأ فيها السّيّد المسيح عن خراب الهيكل، فقد تحدّث عن الهيكل سابقًا، مشيرًا إلى نفسه، مشبّهًا ذاته به عندما قال لليهود متنبّئًا عن موته وقيامته "إنقضوا هذا الهيكل وأنا أبنيه في ثلاثة أيّام"، وأوضح الإنجيليّ فيما بعد، أنّ يسوع كان يتحدّث عن نفسه كهيكل، وليس عن الهيكل المبنيّ من حجر، وكان يشير إلى موته وقيامته بعد ثلاثة أيّام، وقد أصبح الهيكل رمزًا للمسيح ورمزًا لجماعة المؤمنين، ويقول القدّيس بطرس: "نحن المعمّدين، حجارة حيّة في بناء جسد المسيح"، إذ يقول: "كونوا أنتم أيضًا مبنيّين كحجارة حيّة بيتًا روحيًّا كهنوتيًّا مقدّسًا، في تقديم ذبائح روحيّة مقبولة عند الله، بيسوع المسيح".
هذا ما نقوم به اليوم، في بناء هذا المزار المقدّس، فقد أتينا لنقيم الذّبيحة الإلهيّة على هذه التّلّة، ونباركها ونكرّس عليها تمثال القدّيس العظيم مار أنطونيوس البدوانيّ، الّذي له عبادة خاصّة في هذه البلدة، فنتوّج بذلك جهودًا كبيرة تضافرت بين أبناء بلدة ميروبا، وبلديّتها وأهلها وشبابها الّذين استدركوا خطر انهيار هذه التّلّة، فدعموها ورتّبوها ووضعوها تحت حماية مار أنطونيوس، القدّيس الّذي كان آباؤهم قد اختاروه شفيعًا للكنيسة القديمة الّتي شيّدوها على إسمه منذ حوالي مئتي سنة، وهي تابعة لوقفيّة دير سيّدة بقلوش الّتي أقامها مشايخ آل الخازن الكرام الّذين استفاضوا من مئات السّنين بإنشاء الوقفيّات، وبناء الكنائس والأديار، وتقديمها لمجد الله وخير الكنيسة المارونيّة في كلّ أنحاء لبنان، وخاصّة في هذه المنطقة العزيزة في كسروان".
وشكر المطران علوان الله على إتمام هذا المشروع "الّذي يعمّق التّعبّد للقدّيس الشّهير الّذي كرّس ذاته للتّبشير لكلمة الله، للوعظ والتّعليم، خاصّة لخدمة الفقراء ومحبّتهم"، متمنّيًا أن يبارك البلدة وأبناءها ويحفظهم من الشّرّ ويعمق فيهم الإيمان، "وأن يكون ارتفاع تمثال مار أنطونيوس منارة تذكّر كلّ من يراه بفضائله، وتحثّهم على التّشبّه به، فيصبح هذا المكان محجًّا للزّوّار، ومزارًا للصّلاة والتّعبّد".

وفي الختام، شكر باسم النّائب البطريركيّ العامّ لأبرشيّة جونية المارونيّة المطران أنطوان نبيل العنداري، جميع الّذين بذلوا جهودًا من أجل رفع تمثال مار أنطونيوس البداونيّ، وختم مقتبسًا عن القدّيس قوله: "القدّيسون كالنّجوم الّتي بوجود العناية الإلهيّة لا تظهر إلّا لتلبية نداء الله، فتراها تخرج من هدوء التّأمّل للقيام بأعمال الرّحمة فقط في الوقت الّذي يشاءه الله".