القدّيس منصور دو بول... عملاق المحبّة
في زمن فُتحت أمامه أبواب الثّروات والمراكز الرّفيعة، ناشد المصلوب ليمدّه بالنّور والإلهام والقوّة ليختار خدمة المحرومين والمتألّمين. لم يتزعزع إيمانه لا في إيّام الفرج ولا في وقت الأسر والعبوديّة، بل تمسّك بمعونة الله وشفاعة مريم العذراء.
ما غرّه مال ولا جاه بل كان كلّما حصل على حفنة نقود أو ثروة من المال يهبها إلى المحتاجين متذكّرًا قول المسيح: "إذا أردتَ أن تكون كاملاً، فاذهب وبعْ ما تملكه ووزّع ثمنه على الفقراء، فيكون لك كنز في السّماوات وتعالَ اتبعني" (متّى 19/21).
نما منصور بالقداسة رويدًا رويدًا، وشهدت على ذلك أعمال الرّحمة والمحبّة الّتي كان يقوم بها: قام بإصلاحات دينيّة ونهض بالنّفوس من الجهل الّذي كان منتشرًا، رمّم المدارس وأسّس أخرى مجّانيّة، درّس التّعليم المسيحيّ، كافح إلى جانب الفقراء، تنقّل من منزل إلى آخر، لا بل من بلدة إلى أخرى، متفقّدًا المرضى مبلسمًا آلامهم الجسديّة والرّوحيّة مؤسّسًا في كلّ بلدة وطأتها قدماه "أخويّة المحبّة" لخدمة المرضى الفقراء، أسّس جمعيّة المحبّة الّتي راحت تنتشر في العالم وعُرف أبناؤها بالآباء اللّعازريّين نسبة إلى دير القدّيس لعازر الّذي تأسّس في باريس، وأنشأ مراكز خاصّة للرّياضات الرّوحيّة والتّأمّل والصّلاة.
عُيّن الأب منصور مرشدًا روحيًّا للسّفن الحربيّة، وهناك كان صورة للمسيح إذ بفضله عاين أحد المجذّفين المحكومين على متن السّفينة نور المسيح فرأى فيه يسوع الّذي حمل خطيئته وخلّصه عندما حلّ مكانه لينفّذ الحكم، في حين أكّد له القدّيس أنّه "أخ" وجد فيه "سمات المسيح المتألّم". وخلال تلك الفترة ذاق الأب منصور أمرّ العذابات مدّة ثلاثة أشهر حتّى أصبح هيكلاً عظميًّا.
إذًا، بتلك الرّوح حمل القدّيس منصور دو بول مشعل المحبّة وراية البرّ والصّلاح إلى أن غاب عملاق المحبّة في 27 أيلول/ سبتمبر عام 1660، بعد ثمانين سنة خطّها بأفعال السّماء على الأرض.