العنداري من رشميا: نحتاج إلى إعلام لا يؤجّج الحقد والاستفزاز ويعتمد لغة القلب في قول الحقيقة
حضر القدّاس ممثّلة وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري مستشارته إليسار ندّاف جعجع، النّائبان راجي السّعد وسيزار أبي خليل، ممثّل النّائب نزيه متّى مدير مكتبه مرشد الهبر، المدير العامّ للجمارك بدري ضاهر، رئيس الهيئة الاتّهاميّة في جبل لبنان القاضي بيار فرنسيس، مسؤول مجالس الأقضية في "التّيّار الوطنيّ الحرّ" بول نجم، منسّق "القوّات اللّبنانيّة" في منطقة عاليه طوني بدر، المدير العامّ لـ"تيلي لوميار" جاك كلّاسي، رئيس المجلس العامّ المارونيّ ميشال متّى، الإعلاميّة دنيز رحمة فخري، رئيس بلديّة رشميا منصور مبارك على رأس وفد من المجلس البلديّ، مختارا رشميا جمال كنعان ودياب حبيقة، رئيس رابطة الشّبيبة الرّشماويّة سليم أبي ضاهر، رئيسة جهاز المرأة في "القوّات اللّبنانيّة" سينتيا أسمر، الإعلاميّ بشارة خير الله، وأعضاء اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام: ربيكا أبو ناضر، حبيب شلوق، مايك بسوس، سعد الياس وإيلي تنّوري.
إستهلّ القدّاس بكلمة لأبو كسم جاء فيها: "نحتفل هذا الأحد بيوم الإعلام العالميّ السّابع والخمسين، في إحدى كنائس الجبل العريقة إيمانًا منّا بأهمّيّة حضور الكنيسة في هذا الجبل الّذي شهد مصالحة تاريخيّة طوت رواسب الماضي برعاية المثلّث الرّحمات البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ومعالي الأستاذ وليد جنبلاط.. يشرّفنا أن نحتفل مع هذه النّخبة من الوجوه السّياسيّة والإعلاميّة والاجتماعيّة بهذا القدّاس السّنويّ الّذي تقيمه اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام برئاسة صاحب السّيادة المطران أنطوان نبيل العنداري في كنيسة مار قرياقوس في رشميا، هذه البلدة الّتي تميّزت برجالاتها والّتي لها بصمات في تاريخ لبنان. وإنّنا إذ نشكر لكم حضوركم ومشاركتكم أصحاب السّعادة نوّاب هذه المنطقة والزّملاء الإعلاميّين والآباء الأجلّاء نخصّ بالذّكر كاهن الرّعيّة الأب المحترم أنطوان بدر، كما نشكر تلفزيون تيلي لوميار نورسات ونور القدّاس الّذي ينقل وقائع هذا القدّاس مباشرة وكلّ وسائل الإعلام، كما نشكر كلّ من ساهم بإنجاح هذا الاحتفال من أبناء الرّعيّة ونخصّ بالذّكر زميلنا الأستاذ سعد الياس ورئيس البلديّة والمجلس البلديّ والاختياريّ سائلين الله أن يبارككم جميعًا ويحفظ عيالكم وينقذ وطننا لبنان من حالة الانهيار ويمنحنا الحكمة والقوّة لنتخاطب بلغة المحبّة من القلب إلى القلب".
ثمّ ألقى العنداري عظة تحت عنوان "التّكلّم من القلب للحقّ بالمحبّة"، استهلّها بتوجيه التّحيّة لبلدة رشميا على استقبالها الذّبيحة الإلهيّة، وقال: "يدعونا قداسة البابا فرنسيس في رسالته الّتي أصدرها هذه السّنة، بمناسبة اليوم العالميّ السّابع والخمسين لوسائل الإعلام، إلى التّواصل "والتّكلّم من القلب للحقّ والمحبّة"، بحسب تعبير الفصل الرّابع من رسالة القدّيس بولس إلى أفسس".
أضاف: "في سياق مرحلة تاريخيّة مطبوعة بالاستقطابات والمعارضات والنّزاعات في العالم، الّتي تسمّم القلوب والعلاقات، نحن بحاجة إلى إعلام لا يؤجّج الحقد والاستفزاز، ولا يولّد الغضب ويغذّي العدوانيّة والمصادمة، بل إلى تواصل يساعد على التّفكير بهدوء وفهم الواقع ويقود إلى الحوار. تأمّلنا في السّنوات الماضية في الأفعال: "هلمّ وانظر" سنة 2021، "والإصغاء بأذن القلب" سنة 2022. يدعو قداسة البابا هذه السّنة إلى "التّكلّم من القلب". القلب الّذي يدفعنا لكي نذهب وننظر ونصغي. القلب الّذي يحرّكنا لكي نتواصل بشكل منفتح وندخل في ديناميكيّة القبول والحوار والمشاركة. فإن أصغينا إلى الآخر بقلب نقيّ، يمكننا أن نتكلّم بحسب الحقّ بالمحبّة".
وتابع: "يجب ألّا نخشى إعلان الحقيقة، حتّى لو كانت مزعجة في بعض الأحيان، ولكن لا يجب إعلانها بدون محبّة أو من دون قلب. لأنّ برنامج المسيحيّ، كما كتب البابا الرّاحل بندكتوس السّادس عشر، هو قلب يرى، قلب يكشف بنبضاته حقيقة كياننا، وهذا أمر يحملنا على أن نصغي، ونكون في تناغم على الموجة نفسها، ويكون اللّقاء ممكنًا، ونقبل نقاط الضّعف المتبادلة باحترام بدل أن نحكم بناء على الإشاعات، فنزرع الفتنة والانقسامات. فالإنسان الصّالح من قلبه الصّالح يخرج الصّلاح، والإنسان الشّرّير من كنز قلبه الشّرّير يخرج الشّرّ، فإنّه من فيض القلب يتكلّم اللّسان" (لوقا 6: 44). في بعض الأحيان، يفتح الكلام اللّطيف ثغرة حتّى في أكثر القلوب قساوة. يقول سفر الأمثال: "اللّسان اللّيّن يكسر العظام" (امثال 25: 5). فالتّكلّم من القلب ضروريّ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى من أجل تعزيز ثقافة السّلام حيث توجد النّزاعات والحروب. ومن أجل فتح مسارات تسمح بالحوار والمصالحة حيث تتفشّى الكراهيّة والعداوة. من الملحّ أن ننشر إعلامًا وتواصلاً غير عدائيّ. ومن الضّروريّ أن نتغلّب على عادة تشويه سمعة الخصم بسرعة. أجل، يجب أن نرفض كلّ شكل من أشكال الدّعاية الّتي تتلاعب بالحقيقة وتشوّهها لأغراض إيديولوجيّة. علينا، على عكس ذلك، أن نعزّز، على جميع المستويات، تواصلاً يساعد على خلق الظّروف من أجل حلّ النّزاعات بين الشّعوب".
وأردف: "يشكّل القدّيس فرنسيس السّالسيّ François De Sales، معلّم الكنيسة وشفيع الصّحافيّين الكاثوليك، خير الأمثلة المنيرة الّتي لا تزال تجتذبنا اليوم في "التّكلّم من القلب". قال فيه قداسة البابا فرنسيس مؤخّرًا، في رسالة رسوليّة حول الذّكرى المئويّة الرّابعة لوفاته: "كلّ شيء يعود إلى الحبّ". من عبارات هذا القدّيس الشّهيرة "ألقلب يخاطب القلب. بإختصار، يمكننا القول مع سفر يشوع بن سيراخ: "الفم العذب يكثر الأصدقاء واللّسان اللّطيف يكثر المؤانسات" (سيراخ 6: 5)".
وقال: "أيّها الإعلاميّون والإعلاميّات، ويا أيّها النّاشطون والنّاشطات على وسائل التّواصل الاجتماعيّ الأعزّاء، لن يسود سلام بين النّاس، إن لم يسد أوّلاً في القلب. كم نحن في حاجة إلى أن تكون حياتنا ولغتنا في التّواصل لغة القلب. نشهد للحقّ بالمحبّة. لو كانت عندنا لغة القلب، لما كنّا رأينا ونرى ما يجري في أيّامنا من انتفاء لمخافة الله في قلوب الكثيرين، فاستباحوا ما لا يستباح من تفرقة. لقد جعل الإعلام ووسائل التّواصل الجديدة من العالم، كما هو معلوم، قرية كبيرة. فما من أمر يحدث إلّا كان له تاثيره على العالم أجمع. لذلك إنّ لغة القلب وثقافة السّلام يقتضي لها جهدًا فرديًّا وجماعيًّا لتظهير شفافيّة القلب وأخلاقيّة النّزاهة وتوطيد قواعد المحبّة والحقّ والسّلام. إنّ وجهًا من وجوه الصّدق في التّعاطي الإعلاميّ، والتّخاطب بلغة القلب، يقتضي الوفاء لقيم الحقيقة والأخوّة الإنسانيّة، وسبل مواجهة التّناقض الفاضح في التّعليقات اللّامسؤولة والتّجريح لتجنّب النّزاعات. ولا شكّ أنّكم تعرفون أنّ ما نعيشه في الواقع اللّبنانيّ من انقسامات وخلافات يتجلّى في التّخلّف والظّلم والأزمات المتلاحقة والتّقهقر في التّضامن بين الأفرقاء والأجيال. فلتكن لدينا الشّجاعة والجدّيّة والمصداقيّة في إرادة التّواصل لنشرّع أبواب قلوبنا لإعلام يعتمد لغة القلب في قول الحقيقة، لنشعر في وطننا أنّنا مواطنون، متواصلون على أهداف خيّرة لبناء مجتمعنا، وتعزيز أخوّتنا، حرّاس بعضنا لبعض، بعيدًا عن صراع الأخوة الأعداء. وليكن فينا من الأفكار والأخلاق ما في المسيح يسوع دون سواه- آمين!".
ثمّ كانت كلمة شكر من خادم رعيّة مار قرياقوس الأب بدر توجّه فيها بالتّرحيب والشّكر الخاصّ للمطران العنداري على ترؤّسه القدّاس في رشميا، كما شكر مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام والنّوّاب والفاعليّات على حضورهم، موجّهًا تحيّة خاصّة لشاشة تيلي لوميار "الّتي تجسّد شهادة كنسيّة عالية في هذا المشرق والعالم".
وقال: "إنّ رشميا الضّاربة في عمق التّاريخ والمعرفة ببلدة الرّؤساء والمطران اغنياطيوس مبارك مع كلّ أعلامها ومفكّريها وتراثها الغنيّ ستظلّ تذكر هذا اليوم وهذا الحدث الجلل يا صاحب السّيادة وحضرات الهيئات والوجوه الإعلاميّة كتّابًا ومحلّلين وشاشات وناشطين الّذين شرّفوا بلدتنا الحبيبة. أجل إنّ رشميا بشخص رئيس البلديّة منصور مبارك وأعضاء المجلس البلديّ وبشخص المختارة جمال كنعان وأعضاء الهيئة الاختياريّة مع أبناء رشميا وكافّة الأحبّاء والزّوّار من أيّ بلدة أو منطقة أتوا يتمنّون لكم المزيد من التّألّق والنّجاح لكي يبقى الاعلام رسالة حرّيّة وحقّ في هذا الزّمن. نشكر بإسمكم من تعب في إعداد هذا الاحتفال على المستويات كافّة الأستاذ سعد الياس المتألّق إعلاميًّا والمتعلّق بأرضه وبلدته وكنيسته، كما نشكر جوقة الشّبيبة الأنطونيّة بإدارة الأخت رولا فغالي ومن خلالها دير الرّاهبات الأنطونيّات في رشميا، وعزف رودي فهد والتّرنيم المنفرد ربيكا يوسف".
وإختتم بدر: "صلاتنا وأمنيتنا أن يبقى اليوم العالميّ للإعلام حدثًا ووقفة أمام ذواتنا، فنصوّب عملنا الإعلاميّ لخير الإنسان وقيم الحياة وترقّي الشّعوب يومًا بعد يوم، ونكون جنودًا للسّلام والخلاص والحرّيّة المسؤولة في رحاب وطننا والعالم. ولنردّد مع الرّبّ "إذهبوا في الأرض كلّها وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين".
وفي الختام توجّه العنداري وأبو كسم وأعضاء اللّجنة الأسقفيّة برفقة رئيس بلديّة رشميا إلى دير مار يوحنّا المعمدان الّذي يعتبر أوّل أديار الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، واطّلعوا على أوضاعه وألقوا التّحيّة على الرّئيس العامّ الأسبق للرّهبانيّة المارونيّة الأباتي باسيل الهاشم."