العنداري: لإعلام يبني ثقافة السّلام ويدعم حقوق الإنسان
بداية رحّب المطران العنداري بالحضور مقدّمًا الرّسالة وقال: "نحتفل في الأحد الأوّل بعد خميس الصّعود باليوم العالميّ التّاسع والخمسين لوسائل التّواصل الإجتماعيّ. وكعادته أصدر قداسة البابا فرسيس الرّاحل، بالمناسبة، رسالته السّنويّة بعنوان: "شاركوا بوداعة الرّجاء الّذي في قلوبكم" إنطلاقا من رسالة بطرس الأولى، وفي إطار السّنة اليوبيليّة سنة الرّجاء الّذي لا يخيب".
أضاف: "يدعو قداسة البابا العاملين في مجال الاتّصالات، في زمننا الّذي تتكاثر فيه موجات من المعلومات الخاطئة والتّطرّف والاستقطاب، إلى رفض منطق الخوف واليأس والتّحيّز والاستفزاز والاستياء والتّعصّب والكراهيّة. وأن يكونوا حاملين الرّجاء بشجاعة، ويجدّدوا رسالتهم بحسب روح الإنجيل، مستشهدًا بمن قال: "تجد النّزاعات جذورها في تشويه الوجوه. ويعرب عن حلمه بتواصل منسوج باللّطف والقرب، تواصل قادر على إعطاء أسباب الرّجاء. ويشعر قداسته بالقلق أيضًا في عصر شبكات التّواصل الاجتماعيّ إزاء تحويل الانتباه المبرمج من خلال الأنظمة الرّقميّة الّتي تؤثّر على العقل البشريّ وفقًا لمنطق السّوق والصّفقات."
وتابع: "من هنا تأتي الحاجة الّتي كرّرها الأب الأقدس مرارًا وتكرارًا، إلى نزع سلاح التّواصل وتطهيره من كلّ عدوانيّة. ويذكّر برسالة البابا الرّاحل بندكتوس السّادس عشر، "خلّصنا بالرّجاء"، لأنّ الرّجاء ليس تفاؤلًا سلبيًّا، بل هو فضيلة فعليّة قادرة على تغيير الحياة. ويضيف قداسته فضيلة خفيّة، مثابرة وصابرة. كما يذكّرنا بقول للكاتب الفرنسيّ جورج برنانوس "إنّ الرّجاء مخاطرة لا بدّ من خوضها بل هو مخاطرة للمخاطر". وبالإستناد إلى رسالة بطرس الأولى، يؤكّد البابا على رسائل ثلاثة يجب تذكّرها:
أوّلًا: إنّ رجاء المسيحيّين له وجه، وهو وجه الرّبّ القائم من بين الأموات.
ثانيًا: يجب أن نكون مستعدّين لإعطاء وصف الرّجاء الّذي فينا.
وثالثًا: يجب أن يكون التّواصل المسيحيّ منسوجًا باللّطف والقرب والوداعة".
وأردف: "ثمّ يسلّط قداسته الضّوء على الجمال والرّجاء. فهو يحلم بتواصل لا يبيع الأوهام أو المخاوف، بل تواصل قادر على التّحدّث إلى القلب وإثارة الالتزام والتّعاطف والاهتمام بالآخرين، والاعتراف بكرامة الإنسان. ويقتبس أيضًا من القسّ الأميركيّ مارتن لوثر كينغ: "إذا كان بإمكاني مساعدة شخص ما على طول الطّريق، وإذا كان بإمكاني مؤاساة شخص ما بكلمة أو أغنية…فإنّ حياتي لن تكون عبثًا".
وقال: "يشكّل الرّجاء دائمًا بالنّسبة للبابا فرنسيس "مشروعًا مجتمعيًّا"، لأنّنا ننطلق برحلة حجّ ونعبر الباب المقدّس معًا. ويذكّرنا بأنّ سنة اليوبيل سنة النّعمة الّتي تظهر لنا الحاجة إلى التّواصل اليقظ واللّطيف والمدروس، القادر على الإشارة إلى سبل الحوار. وينصح قداسة البابا العاملين في وسائل التّواصل الإجتماعيّ والمتواصلين بتوجيه اتّصالاتهم إلى شفاء جروحات الإنسانيّة. أيّ أن يكونوا شهودًا ومروّجين لتواصل غير عدائيّ، وعدم السّماح للرّدود الغرائزيّة، ونشر ثقافة الاهتمام، وبناء الجسور، وكسر الجدران المرئيّة وغير المرئيّة في عصرنا. أمّا الدّعوة الأخيرة فيختصرها بوصيّته المفضّلة: "لا تنسوا القلب". أرووا قصصًا من طيب القلب مليئة بالرّجاء، مهتمّين لمصيرنا المشترك، ولنكتب قصّة مستقبلنا معًا".
وتوجّه العنداري إلى الإعلاميّين والإعلاميّات قائلًا: "أنتم حجّاج الرّجاء في رسالتكم ألإعلاميّة، في أيّ موقع كنتم، إن في المرئيّ والمقروء والمسموع أو على شبكات التّواصل الإجتماعيّ. أنتم حجّاج الإعلام الإيجابيّ. فلتكن هذه السّنة اليوبيليّة دافعًا إلى مزيد من بناء ثقافة السّلام وتعزيز الدّور الإيجابيّ للإعلام. إعلام يدعم حقوق الإنسان وكرامته. إعلام حرّ غير مرتهن ومسؤول دون تهوّر أو تفلّت. إعلام أمين للحقيقة دون تشويه بعيدًا عن المغالات والشّائعات. إعلام يبني المواطنة ويحصّن المجتمع عبر تعزيز الأخلاق والقيم. إعلام يحترم الرّأي الآخر. إعلام يستخدم وسائل التّواصل الاجتماعيّ كرسالة للبناء والتّفاعل الإيجابيّ، لا للهدم والتّشهير والتّجريح. إعلام غنيّ يستخدم الذّكاء الاصطناعيّ بتقنية عالية وأخلاقيّة موصوفة، حيث تكون السّيطرة فيه للإنسان لا للآلة."
وختم: "أللّهم إحفظنا حجّاج رجاء في إعلامنا بإيجابيّة، لنكون في ورشة بناء مجتمعاتنا في إصغاء إلى إلهاماتك، نشارك بوداعة الرّجاء الّذي في قلوبنا."
بدوره قال أبو كسم: "بداية نتوجّه صبيحة هذا اليوم بالتّحيّة البنويّة إلى قداسة الحبر الأعظم البابا لاون الرّابع عشر، ونلتمس بركته لإحياء اليوم العالميّ التّاسع والخمسين لوسائل الإعلام، ونقدّم له الطّاعة، ونعده أن نبقى رسلًا وجسورًا للتّلاقي والحوار في قلب الكنيسة.
أضاف: "وبعد، تبقى الرّسالة الّتي وجّهها قداسة البابا الرّاحل فرنسيس بمناسبة اليوم العالميّ التّاسع والخمسين لوسائل الإعلام، بمثابة الوصيّة الأخيرة للإعلاميّين، بأن يتواصلوا بلطف الرّجاء الّذي في قلوبهم، بعيدين عن التّضليل والاستقطاب الإعلاميّ، ملتزمين بشجاعة بأن يكونوا ناقلين للرّجاء وفقًا لروح الإنجيل. وقد تمحورت هذه الرّسالة حول عناوين بارزة من شأنها أن تجعل وسائل التّواصل أدوات للرّجاء الّذي يركّز على الانفتاح والصّداقة، ويعترف بكرامة كلّ إنسان، ويساهم في التّحدّث إلى القلب. منها موضوع نزع سلاح الإعلام، والابتعاد عن الأخبار الكاذبة والمشوّهة والّتي تهدف إلى الإثارة والاستفزاز والإيذاء، بدءًا من المناظرات التّلفزيونيّة وصولًا إلى الحرب اللّفظيّة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وتحويل الانتباه المبرمج من خلال الأنظمة الرّقميّة الّتي تساهم في تعديل إدراكنا للواقع وفقًا لمنطق السّوق وليس لمنطق الحقيقة".
أضاف: "ومن أبرز العناوين أيضًا، اكتشاف الرّجاء الّذي فينا، الّذي يرتكز على وجه الرّبّ القائم من الموت، الّذي يسمح لنا أن نرجو ما لا يرجى، وأن ننسج تواصلًا ممزوجًا باللّطف والاحترام والوداعة، قادرًا على التّحدّث إلى القلب متميّزًا بالانفتاح والصّدقة، لا يبيع الأوهام أو المخاوف، ويساعدنا على أن نصبح حجّاجًا للرّجاء وفقًا لشعار اليوبيل."
وتابع: "في لقائنا الأخير مع قداسة الحبر الأعظم في 27 كانون الثّاني 2025 بمناسبة يوبيل الإعلاميّين، وهو من بين آخر اللّقاءات الّتي أجراها، أوصانا البابا فرنسيس بأن نستلهم الرّوح القدس في رسالتنا الإعلاميّة، ودعانا إلى عيش الرّحمة والحنان تجاه الّذين يعيشون على هامش المجتمع، وأن نواجه من يخالفوننا الرّأي بلطف ووداعة، وأن نواجه الشّرّ بالخير، وأن نكون صوت الضّعفاء، وأن يكون قلبنا مضطرمًا بمحبّة يسوع.
كما دعانا لنكون شهودًا ومروّجين للتّواصل غير العدائيّ، وبناة للجسور، وأن نهتمّ بحياتنا الدّاخليّة، ونتحدّث بلغة القلب لنصل إلى تواصل يمكنه أن يشفي جراح إنسانيّتنا.
شكرًا قداسة البابا فرنسيس على توجيهاتك الأخيرة الّتي تدخل في صميم قلب كلّ إعلاميّ، شكرًا لعاطفتك الّتي أظهرتها لنا يوم اللّقاء الأخير، شكرًا لمحبّتك للبنان. وبلغة الرّجاء نقول فليكن ذكرك مؤبّدًا."
ثمّ كانت كلمة لوزير الإعلام قال فيها: "إنّه اليوم العالميّ التّاسع والخمسون للتّواصل الاجتماعيّ، مالئ الدّنيا وشاغل النّاس. تأتي هذه المناسبة سنويًّا لتنتزع منّا السّؤال وتستحثّ التّفكير: هل ما نشهده اليوم هو حقًّا تواصل، أم انفصال وتفكّك؟".
أضاف: "يبدو السّؤال صادمًا، لكن الواقع يستدعي طرحه والتّفكّر مليًّا قبل الإجابة، في ضوء ما تحفل به وسائل التّواصل الاجتماعيّ، على تنوّعها وكثرتها. ولعلّ المقاربة الفضلى للموضوع تنطلق من دعوة رسالة قداسة البابا إلى "نزع سلاح" التّواصل وتطهيره من كلّ عدوانيّة. فإذا كان التّواصل سلاحًا، وهو كذلك، فالأجدى أن نستخدمه لمحاربة المواقف العدوانيّة ولصدّ خطاب الكراهيّة، عوض إشعال المعارك وتغذية الحروب الكلاميّة، والحرب أوّلها كلام."
وتابع: "وفي هذا المجال نجد أنفسنا معنيّين، من باب أولى، بالحديث عن الحرّيّة الّتي يساء استخدامها، فتجنح إلى الكلام الهدّام بدل التّبشير بالأمل، والحضّ على الرّجاء، والعمل للسّلام. لقد اصطلح على تسمية وسائل التّواصل الاجتماعيّ بالإعلام الجديد، أو البديل. بصرف النّظر عن صحّة هذه التّسمية، فلنعتمد الجانب الإيجابيّ منها، بمعنى أنّه إذا كان من جديد أو بديل أو حديث، فليكن ذا جودة ومحتوى وقيمة تليق بناقلها وبالمتلقّي في آن واحد".
وقال: "ودعونا عندما نقارب أيّ حدث أو موضوع أو نقاش عبر وسائل التّواصل، نضع هدفًا مثلّثًا أمامنا يحاكي رسالة قداسة البابا عن الأمل والرّجاء والقلب. فلنتواصل مع الآخر بأمل، والأمل، إذا أردنا تحديده، غالبًا ما نقول إنّه سلوك أرضيّ لصيق بالإنسان ومرتبط بتعامله مع من حوله وما حوله.
أمّا الرّجاء، فهو ربّانيّ، يدفعنا للنّظر إلى فوق، وخصوصًا إذ ينقطع خيط الأمل البشريّ. وهنا يتدخّل عمل القلب الّذي به نسمع، وله، فتأتي رسالتنا الإعلاميّة طبق إلهامات الرّوح الّذي يحيي، بدل الحرف الّذي يقتل!".
أضاف: "إنّها إشارات تبدو قليلة وبسيطة تضعها أمامنا رسالة قداسة البابا في اليوم العالميّ للتّواصل الاجتماعيّ، إلّا أنّها في الحقيقة عميقة جدًّا في دلالاتها وكثيفة في معانيها وبليغة في مفاعيلها وأبعادها. صحيح أنّ الإعلام مرآة الواقع، لكن المرآة تظهر الحقيقة كما هي، وتظهرها من دون زيادة ولا نقصان ولا تدخّل."
وختم: "عهدنا اليوم بوسائل التّواصل الاجتماعيّ أن تبقى أداة التقاء وحوار ونقاش إيجابيّ، فلا تنحرف إلى دور المشرذم والمحرّض والمفتن. ولهذه الغاية، يبدو الأمر في غاية البساطة. فلنقل الكلمة الحلوة سريعًا قبل أن تفقد حلاوتها، ولنحتفظ في المقابل بالكلمة المرّة ريثما تزول مرارتها… ولنتّخذ مثلّث الأمل والرّجاء والقلب دليلًا لعملنا التّواصليّ الإعلاميّ، فلا نحيد عن طريق الحقيقة الّتي بها وحدها نبني مجتمعًا سليمًا ومتّزنًا ومنفتحًا وقابلًا للحوار العقلانيّ."
بعد ذلك وقّع مرقص والحضور على قانون الإيمان للإعلاميّين.