لبنان
13 حزيران 2022, 08:45

العنداري في اليوم العالميّ للإعلام: الوطن الفاقد للصّدق والحقيقة يسير في طريق التّفتّت

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران أنطوان نبيل العنداري قدّاس يوم الإعلام العالميّ السّادس والخمسين في كنيسة مار تقلا- جلّ الديب، على نيّة وسائل الإعلام والإعلاميّين في لبنان، عاونه فيه نائب رئيس اللّجنة الرّئيس العامّ للرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة الأرشمندريت أنطوان ديب، مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الأب عبده أبو كسم وكاهن الرّعيّة الأب فالنتينو الغول.

شارك في القدّاس وفي افتتاح قاعة "المطران رولان أبو جودة" في المركز الكاثوليكيّ للإعلام الّذي تلاه، مدير "الوكالة الوطنيّة للإعلام" زياد حرفوش ممثّلاً وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، نقيب المحرّرين جوزف القصّيفي، المستشار الرّئاسيّ مدير الإعلام في رئاسة الجمهوريّة رفيق شلالا، رئيس المجلس العامّ الماروني ميشال متّى، مدير عامّ تيلي لوميار ورئيس مجلس إدارة نورسات السّيّد جاك كلّاسي، ممثّل رئيس رابطة كاريتاس لبنان نقولا حجّار، ممثّل الأمين العامّ لمجلس كنائس الشّرق الأوسط إيلي نصرالله، الأمين العامّ لجمعيّة الكتاب المقدّس مايك بسوس، أعضاء اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام وعدد من الإعلاميّين من مختلف الوسائل الإعلاميّة.

وألقى العنداري عظة بعد الإنجيل بعنوان "الإصغاء بأذن القلب". وقال: "نودّ أن نشكر الله أوّلاً الّذي قيّض لنا أن نحتفل معًا باليوم العالميّ لوسائل الإعلام، ونشكر رعيّة مار تقلا- جلّ الدّيب- الّتي تستضيفنا عبر خادمها الخوري فالنتين الغول وأبناء وبنات الرّعيّة على اختلاف مواقعهم. ولا يسعنا، في هذه المناسبة وفي هذه الكنيسة، إلّا أن نستذكر المثلّث الرّحمات المطران رولان أبو جوده الّذي تبقى ذكراه حيّة في القلوب على مدى الأيّام والسّنين.

عندما لمسنا في السّنة الماضية الحاجة إلى اكتشاف الواقع، وتأمّلنا على ضوء رسالة الإنجيليّ يوحنّا الأولى: "تعال وانظر"، يدعونا قداسة البابا فرنسيس، في هذا اليوم العالميّ السّادس والخمسين، إلى "الإصغاء بأذن القلب". لماذا؟ لأنّنا بدأنا نفقد القدرة على الإصغاء إلى الشّخص الّذي أمامنا، سواء في النّسيج الطّبيعيّ للعلاقات اليوميّة، أو في المناقشات حول أهمّ قضايا الحياة المدنيّة. ومعلوم أنّنا بتنا نشهد في الإصغاء تطوّرًا جديدًا مهمًّا في مجال الاتّصالات والمعلومات. لقد أصابت جائحة كورونا العالم بأسره، واضطرّ الإنسان إلى الحجر المنزليّ والصّحّيّ، وشعر بضرورة التّواصل مع من يصغي إليه لتشجيعه ومؤاساته. فالإصغاء أمر أساسيّ من أجل خبر وإعلام جيّد. وهذا أمر مسلّم به من أجل الشّهادة عبر وسائل الإعلام والاتّصال. فكلّ حوار يبدأ بالإصغاء. ولذلك، بهدف التّطوّر الإعلاميّ، يجب تعلّم الإصغاء جيّدًا من جديد. لقد طلب منّا الرّبّ يسوع الانتباه إلى طريقة إصغائنا بقوله حسب إنجيل القدّيس لوقا: "تنبهوا كيف تسمعون" (لو8: 18). وهذا ما يتطلّب منّا شجاعة وقلبًا حرًّا ومنفتحًا دون أحكام مسبقة، خاصّة في هذه الأيّام حيث الكنيسة مدعوّة إلى التّدرّب على الإصغاء من أجل كنيسة سينودسيّة. نحن مدعوّون، إذًا، إلى إعادة اكتشاف الإصغاء كأمر أساسيً لتواصل وإعلام جيّد.

سئل طبيب مشهور يومًا اعتاد مداواة جراح الرّوح، عن أعظم حاجة للإنسان، فأجاب: "الرّغبة اللّامحدودة في أن يتمّ الإصغاء إليه". إنّها رغبة تسائل أيّ شخص مدعوّ ليكون مربّيًا أو يلعب دورًا في التّواصل والعاملين في مجال الإعلام. نتعلّم من صفحات الكتاب المقدّس أنّ الإصغاء لا يملك معنى الإدراك الصّوتيّ، ولكنّه يرتبط بشكل أساسيّ بعلاقة الحوار بين الله والبشريّة. إنّ المبادرة في الحقيقة هي من الله الّذي يخاطبنا، فنجيب عليه بإصغائنا إليه. ويأتي هذا الإصغاء أوّلاً وآخرًا من نعمته. إنّ الإصغاء في حقيقته بعد من أبعاد الحبّ. فإذا انتبهنا إلى من نصغي إليه، وكيف نصغي إليه، يمكننا أن نتقدّم في فنّ التّواصل وهو في جوهره ليس نظريّة ولا طريقة تقنيّة، بل بحسب تعبير فرح الإنجيل: "قدرة القلب الّتي تجعل القرب بين النّاس ممكنًا". فالإصغاء في الواقع لا يتعلّق فقط بحاسة السّمع، وإنّما بالشّخص بأكمله. إنّ مركز الإصغاء الحقيقيّ هو القلب. من أقوال القدّيس أغوسطينس: "لا تكن قلوبكم في آذانكم بل لتكن آذانكم في قلوبكم"، ويحثّ القدّيس فرنسيس الأسيزيّ إخوته لكي: "يصغوا بآذان القلب".

أجل، إنّ الإصغاء شرط للتّواصل الجيّد. لا يوجد، في العديد من الحوارات بيننا، تواصل جيّد. إنّنا ننتظر أن ينتهي الآخر من الكلام كي نفرض وجهة نظرنا. يقول أحد الفلاسفة في هذا المجال: "يصبح الحوار خطابين منفردين". في التّواصل الحقيقيّ يكون "الأنا" والـ"أنت" منفتحين نحو الآخر. لا يمكن أن نتواصل مع الآخرين إن لم نصغ أوّلاً. ولا يمكن أن يمارس العمل الصّحفيّ الجيّد بدون القدرة على الإصغاء كي ننقل حدثًا ما أو نصف واقعًا في تقرير ما. ينبغي أن نعرف كيف نصغي وأن نكون مستعدّين لتغيير فكرنا ولتعديل الفرضيّات المكوّنة مسبقًا فينا. يذكّرنا أحد اللّاهوتيّين الكبار "بأنّ الخدمة الأولى الّتي ينبغي أن نقدّمها للآخرين في إطار الشّركة هي الإصغاء. ومن لا يعرف أن يصغي إلى أخيه، سيفقد سريعًا المقدرة على الإصغاء إلى الله".

وتوجه إلى الإعلاميّين والإعلاميّات والى النّاشطين والنّاشطات على مواقع التّواصل الاجتماعيّ بالقول: "إذا ما انحدر الخطاب السّياسيّ عندنا كثيرًا، وأصبحت الشّتيمة أمرًا مألوفًا، وتبادل التّهم لا يثير حفيظة، فهذا من معالم الانحطاط في المجتمعات والأوطان. وهذا جنوح يجب لجمه، والعودة عنه، لسلوك طريق الحكمة والاحترام. ألم يقل بولس الرّسول: "ليكن فيكم من الأفكار والأخلاق ما هو في المسيح يسوع؟"، مضيفًا "لا بدّ من التّذكير بالثّوابت الإنسانيّة والوطنيّة والكنسيّة مثل الحفاظ على الإيمان بالله، والحرّيّة، والدّفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه، واحترام الآخر، وسيادة الوطن، والابتعاد عن التّضليل والتّزوير والكذب. من أقوال قداسة البابا بيوس الثّاني عشر: "إنّ العالم في حاجة إلى الحقيقة الّتي هي العدالة، وإلى هذه العدالة الّتي هي الحقيقة". أجل، لا بدّ للضّمير أن يظهر الحقّ ولا يسلك الخداع. ومن ليس صادقًا مع الله، لا يمكنه أن يكون صادقًا مع نفسه ومع النّاس. وعندما يرتدي الإنسان قناعًا ليظهر للنّاس حقيقة غير حقيقته، فهذا يعتبر خداعًا لا يلبث أن يظهر ليجلب على صاحبه الخزي والعار".

وأكّد أنّ "الصّدق في القول، بعد الإصغاء بأذن القلب، هو القاعدة المرجوّة والمألوفة. والخروج عن هذه القاعدة إفساد للمجتمع، وزرع للبلبلة. والوطن الّذي يفتقد إلى الصّدق والحقيقة يسير في طريق التّفتّت والانحلال. لا نريد أن نتوسّع في ما يعاني وطننا من تجاوزات وانتهاكات، لكن الّذين يجعلون الأسود أبيض لقاء إكراميّات دون أن يطرف لهم جفن، أو يوخزهم ضمير، ويكون التّكاذب أحيانًا وسيلة للإرضاء، فهذه الانتهاكات للحقيقة مدعاة إلى الضّيم. إنّ رسالة الإعلام الشّريفة هي في الإضاءة بصدق على هذه الأمور وإبراز شعلة الحقيقة كمن يضيء السّراج ويضعه على المنارة ليرى الدّاخلون نوره.

إننا ننتهز هذه المناسبة لنوجّه تحيّة التّقدير إلى الإعلاميّين والإعلاميّات والمؤسّسات الإعلاميّة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ الّذين يسهرون، عبر رسالتهم، على الإصغاء، وعلى أمانتهم في خدمة الحقيقة. ألا بارككم الله وحفظكم من كلّ قمع ومكروه".

وقبيل افتتاح قاعة "المطران رولان أبو جودة للمؤتمرات الصّحافيّة"، قال الأب أبو كسم: "كما كنت تحبّ أن نلتقي، عائلة واحدة تجمع في كنفها كلّ الأشخاص الّذين عملوا معك، من عمّال السّاعة الأولى وصولاً إلى عمّال الظهيرة. جعلت من لجنة الإعلام واحة جميلة، تجمع في كنفها عائلتك الصّغيرة، من بيت خالك المرحوم حفيظ، إلى مقرّ اللّجنة حيث أخوك المرحوم رياض، كما تجمع من عاونوك من مدراء وموظّفين وأعضاء وأصدقاء، كانوا يتحلّقون حولك في عيد الإعلام، وها هم اليوم موجودون ليلتقوا ويكرّمونك، ولا ننسى من أصبح منهم إلى جوارك، هي العائلة ذاتها تجتمع بالرّوح والجسد".

أضاف: "لقد حملت مشعل الإعلام المسيحي من لبنان إلى كل العالم حتى طفنا معك في أنحائه، نشارك في المؤتمرات الدولية، وفي كل مرة كنا نحمل معنا لبنان وكنيسته. جعلت من المركز الكاثوليكي للإعلام منبرا حرا يعلن الحقيقة دون مواربة، وجعلت منه واحة للحوار والتلاقي يوم اشتدت الأزمات. نستذكر اليوم مع أعضاء اللجنة الأوفياء لك يا سيدي، والأوفياء للكنيسة ورسالتها الإعلاميّة.

أمّا أنا، وقد خدمت معك منذ انطلاقتي الإعلاميّة، نهلت من خبرتك العميقة والحكيمة في آن، أحمل على أكتافي ثوبك المعطّر برائحة البخور، وفي قلبي لك كلّ الوفاء والحبّ الّذي حملته أيضًا لمن خلفك من أصحاب السّيادة في رئاسة اللّجنة.

أشكر الله أوّلاً على عنايته بهذا المركز وأشكر كلّ من يدعمنا، كما أشكر بإسم رئيس اللّجنة سيادة المطران أنطوان نبيل العنداري وأعضائها كلّ من ساهم في تجهيز هذه القاعة، وأسأل الله أن يمنّ علينا بكهنة وأحبار قدّيسين".

بدوره قال المطران العنداري: "يطيب لنا اليوم أن نلتقي وإيّاكم في مناسبة كريمة وعزيزة علينا في آن، لنستذكر هامة كبيرة، وحبرًا جليلاً من أحبار كنيستنا المارونيّة قدّم للكنيسة والوطن أعمالاً وأفعالاً طبعت بإسمه، وما زالت بصماتها محفورة هنا في هذا المركز الكاثوليكيّ للإعلام، وفي مؤسّسات كنسيّة أخرى، والأهمّ، في ذاكرة هذا الوطن ونفوس محبّيه.

نخاطب اليوم روحك الطّاهرة لنقول لك بلغة الوفاء والأمانة، وقد تشاركنا سويّة في رسالتنا الكهنوتيّة وخدمتنا الأسقفيّة، في الإكليركيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير وفي النّيابة البطريركيّة في بكركي، وتلمّسنا منكم الدّيبلوماسيّة في التّعاطي، واللّطافة في المعشر، والإخلاص في الخدمة والتّضحية في العطاء.

وقد شاءت العناية الإلهيّة أن أكون من بين الّذين خلفوك في رئاسة اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام الّتي أسّستموها وخدمتموها على مدى 30 عامًا، واكبتم فيها التّطوّر بشرًا وحجرًا، وخصّصتم هذا المكان ملكيّة لها، وجعلتم منها مؤسّسة كاملة الأوصاف. وقد شاء سيادة أخينا المطران بولس مطر الّذي خلف غبطة أبينا السّيّد البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، الّذي تسلّم رئاسة اللّجنة منكم يوم كان مطران جبيل، أن يخصّص قاعة بإسمكم تخليدًا لذكراكم الطّيّبة، ووفاء لعطاءاتكم الإعلاميّة على صعيد لبنان والعالم.

ونحن، بعد تسلّمنا رئاسة اللّجنة، تبنّينا بدورنا هذا القرار وجهّزنا هذه القاعة بهمّة مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام حضرة الخوري عبده أبو كسم، وبمساهمة من عائلة المطران الكريمة وبعض المحبّين من أصدقائه. وها نحن اليوم، وبفرح، نطلق رسميًّا على قاعة المؤتمرات الصّحفيّة إسم "قاعة المطران رولان أبو جودة" في المركز الكاثوليكيّ للإعلام. فليكن ذكره مؤبّدًا".