العبسيّ: نصلي بعضنا مع بعض لكي نكون واحدًا في الرّبّ يسوع
وكانت كلمة للبطريرك العبسيّ قال فيها بحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام: "يطيب لي أن أشارك اليوم في افتتاح السّنة اليّوبيليّة الثّلاث مئة لبناء هذه الكنيسة على إسم القدّيس نيقولاوس وأشكر قدس الرّئيس العامّ إيلي معلوف والرّهبانيّة الباسيليّة الشّويريّة العزيزة على أنها أتاحت لي ذلك.
نحن هنا الآن بفضل أولئك الرّهبان الذين كرّسوا ذواتهم للصّلاة والتّأمل وخدمة الله تعالى وبنوا هذه الكنيسة وهذا الدّير لتمجيده. كان ذلك في العام 1719 قبل أن تنقسم كنيسة أنطاكيّة في بلادنا وما فكروا يومًا في حينه بأنّ هذا الانقسام سيحصل، ولا شك أنّهم تألموا حين حصل هذا الانقسام. ما كانوا يومًا ليفكروا بمنطقين إنّما بمنطق واحد هو منطق الإنجيل ومنطق الكنيسة الواحدة الجامعة المقدّسة الرّسوليّة. وهذا ما جعل هذه الرّهبانيّة تسير بحسب هذا المنطق منذ نشأتها إلى اليوم بالرّغم من أنّها صارت في الصّف الكاثوليكيّ. وها هي اليوم وفي هذه الذّكرى بالذّات تعبّر عن ذلك بأجلى تعبير بدعوتها كنائس مختلفة إلى الصّلاة معًا بفم واحد وقلب واحد إلى الرّوح القدس لتتحقق أمنية يسوع أن يكون الكلّ واحدًا.
نتكلم كثيرًا اليوم عن الحركة المسكونيّة وننظّم النّدوات ونقيم الصّلوات من أجل تحقيق وحدة المسيحيّين. ولا شكّ أن خطوات نوعيّة ومتقدّمة قد انجزت في هذا السّبيل إلّا أن الطّريق على ما يبدو ما زال طويلاً لأسباب متنوّعة لا مجال لذكرها الآن. أودّ في هذه الذّكرى أن أشير إلى أن من يعمل في موضوع الحوار المسكونيّ ويتعاطى هذا الشّأن عليه أنّ يتحلى بقداسة السّيرة. الوحدة المسيحيّة لم تتمّ ولن تتمّ إلّا على أيديّ أناس قدّيسين مشبعين من الإنجيل. لا تتمّ الوحدة المسيحيّة فقط على يدّ مفكّرين ومنظرين. هؤلاء قد يساعدون بتفكيرهم ويمهّدون الطّريق لكن القرار لا يستطيع أن يتخذه إلّا رعاة قدّيسون لذلك يلزمنا رؤساء ورعاة قدّيسون في الدّرجة الأولى. ونشكر الله تعالى الّذي ينعم على كنائسه برجال ورعاة قدّيسين لأنّهم أمل الوحدة المسيحيّة وضمانتها.
في السّنوات الأخيرة القريبة حصل شيء في بلادنا، في مشرقنا العربيّ، شيء أعتقد أنه يجب أن يكون موضع تفكيرنا بل متيقّظًا لضمائرنا فيما يتعلّق بموضوع الوحدة المسيحيّة. هذا الشّيء هو إستشهاد مسيحيّين من كنائس تختلف عن كنيستنا، كنائس لسنا في وحدة إيمانيّة كاملة معها. إستشهاد هؤلاء يجعلنا نتساءل: أين هي الحقيقة الّتي يدافع كلّ واحد منا عنها معتقدًا أنّه يملكها؟ على سبيل المثال، هذا الذي لا يعترف مثليّ بأن للمسيح طبيعتيّن إلّا أنّه مات مستشهدًا من أجل المسيح، هل أستطيع أن أقول عنه إنّه لا يملك الحقيقة لأنه ليس مني؟ أو أنّ المسيح لا يقبل شهادته؟ أين الحقيقة؟ أفي القول إنّ للمسيح طبيعتيّن أم في الاستشهاد من أجل المسيح؟ الاستشهاد من أجل المسيح واقع أراه وألمسه وأسمعه لكن البحث في الأمور النظريّة ليس ملموسًا. ألا يجعلني مثل هذا الاستشهاد أتساءل عن فائدة الاستمرار في البحث في المفاهيم النظّريّة المجردة؟ كذلك الأمر ينطبق على القدّيسين الذين ليسوا حكرُا على كنيسة واحدة بل تشمل شفاعتهم جميع المسيحيّين.
إذا كانت وحدة المسيحيّين تبنى على قداسة السّيرة وشهادة الحياة فهي بلا شكّ من صنع الرّوح القدس. لذلك على من يتعاطى الشّأن المسكونيّ أن يكون متواضعًا وأن يقرّ بأنّ كلّ مقاربة فكريّة لله تعالى وبالتّالي لمضمون إيماننا هي غير كاملة. لذلك لا يكفي أن نستمع بعضنا إلى بعض بل يجب أن نصغي كلنا معًا إلى الرّوح القدس، روح الحق الذي يعلمنا كلّ شيء.
نحن اليوم نتقبل في ما بيننا الماء الذي يرشح من جثمان القدّيس نيقولاوس الصّانع العجائب. نطلب إلى الله بشفاعته أن يصنع لنا معجزة وحدتنا. كثيرون يتساءلون إلى متى نصلّي من أجل وحدة المسيحيّين. ها قد مضى أكثر من مئة عام ونحن نصلّي بانتظام وبلا انقطاع. وماذا بعد؟ ماذا بعد هو أن نتابع الصّلاة وأن نقرن هذه الصّلاة بسيرة إنجيليّة ليضيء الرّبّ الإله قلوبنا بصافي نور معرفته الإلهيّة ويفتح عيون أذهاننا لنفهم تعاليمه الإنجيليّة. ومن أجل ذلك نحن هنا نصلي بعضنا مع بعض لكي نكون واحدًا في الرّبّ يسوع.
إنّ حضوركم ومشاركتكم اليوم في هذه الصّلاة أنتم الذين أتيتم من بعيد ومن كنائس متنوّعة هو دليل كبير على أنّكم ما زلتم تؤمنون بأنّ الصّلاة هي الدّرب إلى وحدة المسيحيّين. أشكركم على حضوركم وأؤكد لكم الآن، أنّنا، نحن الذين ها هنا، بمن نمثل، لن نتخلّى عن هذه الصّلاة ولن نكلّ عن متابعة مسيرة الحوار من أجل وحدتنا المسيحيّة موحدين بدماء شهدائنا ومعضودين بصلوات قدّيسينا.
أعود وأشكر الأبّ العامّ والرّهبانيّة على دعوتي وإشراكي في هذه الصّلاة فاتحة اليوبيل. وأتمنّى أن تكون الأيّام اليوبيليّة المقبلة ينبوع قداسة لكلّ الرّهبان وأن يمتزج عطر قداستهم بعطر قداسة أولئك الذي ابتدأوا هذا المشوار فيبقى هذا العطر فائحًا وتتحوّلون به أنتم إلى شذا عطر المسيح".