لبنان
16 آب 2019, 05:53

العبسيّ من سيّدة النّجاة- زحلة: العيد هو دعوة لنا لأن نكون أبناء الله وحاملين له معًا نظير العذراء

ترأّس بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- زحلة، القدّاس الإلهيّ في عيد انتقال السّيّدة العذراء وعيد أبرشيّة الفزرل وزحلة والبقاع، بمشاركة راعيها المطران عصام يوحنّا درويش والمطران إدوار جاورجيوس ضاهر، بحضور المطارنة: جوزف معوّض، أنطونيوس الصّوريّ، نيفن صيقلي وبولس سفر.كما حضرت شخصيّات سياسيّة وعسكريّة واجتماعيّة ودينيّة وحشد من المؤمنين.

 

بعد الإنجيل ألقى البطريرك العبسيّ عظة قال فيها: "يحتفل العالم المسيحيّ اليوم بعيد رقاد السّيّدة العذراء أو انتقالها بالنّفس والجسد إلى السّماء. نشأ هذا العيد في أورشليم في القرن الخامس وعمّ الإمبراطوريّة البيزنطيّة بين عامَي 588 و602. وفي القرن السّابع أدخله البابا ثيوذورس الأوّل (642 -649) إلى كنيسة رومة وانتشر من ثمّ في العالم كلّه. وإنّ وقوع هذا العيد في شهر آب يجعل من هذا الشّهر المريميّ الحقيقيّ في الطّقس البيزنطيّ. ونسمّيه عيد رُقاد العذراء، أو انتقال العذراء وكِلا التّعبيرين يعني أنّ العذراء لم تمت بل نُقلت من حياة إلى حياة كما تقول الصّلوات.

جاء عيد رقاد العذراء متأخّرًا ولكنّ فحواه اللّاهوتيّ كان ممّا يؤمن به المسيحيّون منذ القديم وهو أنّ العذراء لم تمت، بل، على مثال ابنها المسيح، انتقلت فورًا إلى السّماء لتلاقيه بنفسها وجسمها. وهذا الإيمان نابع من أنّ من كانت أمّ الله لا يمكن إلّا أن تكون على مثال الله طاهرة بلا عيب ولا خطيئة، وإلّا لما استطاعت أن تلد الله المنزّه عن الخطيئة.
إنّ كون العذراء أمّ الله لم يحصل من طرف واحد، من طرف الله وحده أو من طرف الإنسان وحده. فالعذراء صارت أمًّا أوّلاً لأنّ الله اختارها لذلك "إفرحي أيّتها المنعم عليها"، وثانيًا لأنّها رضيت بأن تكون كذلك: "ليكن لي بحسب ما تقول". ولئنْ كان اختيار الله للعذراء نعمة لا فضل لها فيها، إلاّ أنّ رضاها هو منها وقد تمَّ بإرادتها. وهي عندما قبلت نعمة الله عملت على أن تتجاوب معها، أيّ إنّها حملت مسؤوليّتها وعملت بمقتضى دور أمّ الله الّذي أوكل إليها ورضيت به. فإنّ نجاحها كأمّ هو من تلاقي نعمة الله وإرادتها.
لذلك تدعونا الكنيسة في صلوات هذا العيد إلى تطويب العذراء أمّ الله وإلى تمجيدها. والنّاس، كما يشهد الإنجيل، قد طوّبوا مريم لأنّها أنجبت ابنًا مثل يسوع المسيح: "طوبى للبطن الّذي حملك وللثّديين اللّذين رضعتهما". فإكرامنا للعذراء إذن نابع من علاقتها بالمسيح، بالله. بمقدار ما تكون هذه العلاقة وثيقة يزيد الإكرام. وهل أقرب إلى الولد من الأمّ؟ كلاّ. لكنّ المسيح أجاب على من طوّبوا أمّه: "بل طوبى للّذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها". فهؤلاء لهم الطّوبى وعليهم السّلام نظير العذراء.
وفي الواقع صارت العذراء أمًّا عندما آمنت بما قيل لها من قِبَل الملاك، وسمعت كلام الله، وحفظت كلّ شيء في قلبها، وعندما عملت على أن تكون تلك الأمّ بأعمالها وأقوالها: بالطّاعة لكلمة الله والتّواضع والخدمة والتّضحية. وكذلك نحن نصير حالمين لله وأقرباء لله بمقدار ما نسمع كلام الله ونحفظه ونعمل به. وهذا أيضًا ما أعلنه المسيح حين قيل له: إنّ إخوتك وأقاربك في الخارج يطلبونك، فأجاب: إنّ إخوتي وأقاربي هم الّذين يعملون مشيئة أبي الّذي في السّماوات (متّى 12: 3).
أيّها الأحبّة، إنّ الله يدعو كلّ مسيحيّ ليكون قريبًا إليه، ليكون حاملاً ليسوع المسيح؛ إنّ الله ينعم بهذه النّعمة على كلّ مسيحيّ. وإنّما المطلوب أن يتحمّل المسيحيّ مسؤوليّته كالعذراء، أن يعمل بمقتضى مسيحيّته، بمقتضى التزامه المسيحيّ.
قد نكون نحن اليوم شعبًا لا يسمع، أو بالحريّ يسمع ولا يفهم: لنا آذان ولا نسمع... ويأتي عيد انتقال العذراء ويدعونا إلى أن نكون مثل العذراء سامعين لكلام الله، حافظين له في قلوبنا وعاملين به في حياتنا فنصير قريبين من السّيّد المسيح. وعندئذٍ يسعنا أن نعيّد هذا العيد وأن نبارك ونهنّئ العذراء بعيدها.
عيد انتقال العذراء هو دعوة لنا لأن نكون أبناء الله وحاملين له معًا نظير العذراء، لأن نكون أبناء النّور وواهبين له معًا. إنّ صورة الله الّتي فينا يجب أن نسلّمها لمن بعدنا صافية سليمة. عندئذٍ نرتقي مثل العذراء إلى السّماء وندخل الأخدار السّماويّة، ننتقل نظيرها من الحياة إلى الحياة، ويوم نموت نكون فقط قد رقدنا، قد انتقلنا.

أشكر أخي صاحب السّيادة المطران عصام يوحنّا درويش راعي الأبرشيّة الموقّر على دعوته لي لأشاركه في هذه اللّيتورجية الإلهيّة في عيد أبرشيّته وعيد أبرشيّتكم، العزيز على قلب كلّ ملكيّ. في هذه المدينة، مدينة زحلة، عاصمة الكثلكة، في دخولي الأوّل إليكم أحبّائي قلت إنّنا عندما نقول زحلة عاصمة الكثلكة، نضع على كواهلنا مسؤوليّة كبيرة، هل نحن نعي هذه المسؤوليّة؟ اليوم في عيد العذراء أرجو ان نعود إلى ذواتنا، أن نعود إلى قلوبنا، أن نعود إلى بعضنا البعض لكي نفرح مع العذراء. فرح العذراء أن نكون ملتفّين من حولها، ولا يتمّ فرح البيت إلّا بجميع أبنائه. أرجو أن تكون زحلة هذا البيت المثال الّذي إذا أراد أحد أن يكون فرحًا وسعيدًا يقصده، يقرع بابه ويجد من يفتح له الباب.

أهنّئكم وأعايدكم جميعًا ولاسيّما اللّواتي يحملن اسم مريم وماري، طالبًا لنا جميعًا شفاعة أمّنا مريم العذراء وحمايتها. آمين."

تلا القدّاس تدشين الطّابق الثّاني في مطرانيّة سيّدة النّجاة بعد تجديده، وقد شكر درويش للمناسبة كلّ من عمل وساهم في إتمام المشروع. وبعد قصّ شريط الافتتاح بارك العبسيّ المكان بالماء المقدّس.