لبنان
03 شباط 2023, 07:30

العبسيّ من زحلة: نحتاج الى علامة رجاء تؤسّس إلى نهضة الوطن

تيلي لوميار/ نورسات
أكّد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ الحاجة الماسّة إلى علامة رجاء تقصّي الخوف واليأس وتؤسّس إلى نهوض الوطن .

وقال في كلمة ألقاها في إطلاق فاعليّات شهر التّسوّق في زحلة برعاية وزارة الاقتصاد: "لست خبيرًا في الأمور الاقتصاديّة والماليّة لأتكلّم أمامكم في موضوعها. إنّما كمسؤول في الكنيسة أرغب في هذه المناسبة في أن أقدّم لكم باختصار وجهًا سمعتم وقرأتم عنه، أعني القدّيس بولس الرّسول، عمل في صناعة وتجارة الخيم وصار في الوقت عينه قدّيسًا، لنسمع منه كيف مارس هذه المهنة وكان في الوقت عينه رسولًا ليسوع وشاهدًا للإنجيل، لنرى ما هي المبادئ الّتي كان يهتدي بها في عمله لعلّ في ذلك ما يوحي لكلّ واحد منّا ما يستطيع أن يستخلص منها لحياته وعمله، ولا ريب أنّ هذه المبادئ مشتركة ومطبّقة في نواحٍ كثيرة بينه وبينكم.  

المبدأ الأوّل: القدوة في سلوك بولس الشّخصيّ

فمن حيث السّلوك الشّخصيّ نلاحظ أنّ الرّسول بولس كان يعيش ما يدعو إليه ويبشّر به ويعطي بذلك المثل الصّالح والحيّ للمؤمنين. وكان بذلك حقًّا بالقول والفعل متضامنًا مع المحتاجين.

فلقد كان أوّلاً يعمل بيديه، في مهنة كان يتقنها وهي حياكة الخيم، ويكدّ ليلاً ونهارًا رافضًا أن يكون عالة على الّذين يحمل إليهم بشرى الإنجيل، كما قال لأهل كورنثس: "نتعب عاملين بأيدينا" "وإذ كنت عندكم واحتجت لم أثقل عليكم، وذلك بالرّغم من اعتقاده بأنّ خادم الهيكل يجب أن يأكل من الهيكل".

كما قال: "إن كنّا نحن قد زرعنا لكم الرّوحيّات أفيكون أمرًا عظيمًا أن نحصد منكم الجسديّات؟... أوّلاً تعلمون أنّ الذين يتولّون الأعمال الكهنوتيّة يأكلون من الهيكل، والّذين يلازمون المذبح يقاسمون المذبح؟" وقد أراد بكلّ ذلك أن يبرهن على مجّانيّة الإنجيل. وإن حدث له أن طلب مساعدة فلغيّره من المحتاجين، وليس لنفسه، كما نراه يفعل مع أهل رومة إذ يقول لهم: "أُبذلوا للقدّيسين في حاجاتهم واعكفوا على ضيافة الغرباء".

لقد كان بولس من الّذين يكتفون بالضّروريّ من متاع هذه الحياة. فإن توفّرت له اللّقمة والكساء اعتبر نفسه مكتفيًا وشكر الله على ذلك. هكذا نراه يوصي تلميذه تيموثاوس قائلاً: "إنّا لم ندخل العالم بشيء ولن نستطيع أن نخرج منه بشيء، ومن ثمّ إذا ما كان لنا القوت والكسوة فلنقتنع بها .

وإلى ذلك كان بولس من الّذين يعرفون أن يتكيّفوا مع ظروف الحياة ويتحمّلها من دون تذمّر. فإن توفّرت له وسائل العيش أخذ بها، وإن لم تتوفّر يرضى شاكرًا. في هذا نسمعه يقول "قد تعلّمت أن أكون قنوعًا في كلّ  حال، فأعرفُ أن أعيش في العوز وأعرف أن أعيش في السَّعة. لقد روّضت نفسي في جميع الأحوال وفي كلٍّ منها، على الشِّبَع وعلى الجوع، على الرّفاهة وعلى الفاقة. إنّي أستطيع كلّ شيء في الّذي يقوّيني".

المبدأ الثّاني هو العناية بالفقراء فكم مرّة أذلّ بولس نفسه في طلب المعونة لفقراء الكنيسة، لا بل كلّف نفسه عناء نقلها إلى أصحابها بنفسه أو بواسطة معاونيه.  ويفتخر بأنّه عرف دومًا أن يتواضع لكي يوفّر للفقراء  لقمة العيش فيطلبها لهم من الأغنياء. ها هو يقول لأهل كورنثس: "رأيت من اللّازم أن أطلب من الإخوة أن يسبقونا إليكم ويعدّوا مِن قبلُ مبرّتكم الموعودَ بها" وأيضًا: "ينبغي أن تفيضوا أيضًا في هذا العمل الخيريّ، ولست أقول هذا على سبيل الأمر، ولكن لأختبر باجتهادِ.  

كان بولس يدعو دومًا المؤمنين إلى نبذ الكسل وإلى العمل من أجل سدّ حاجات المؤمنين. يقول لأهل تسالونيكي: "قد بلغنا أنّ فيكم قومًا يسلكون في الكسل فلا يشتغلون بل يتشاغلون بما لا طائل فيه. فنوصي أمثال هؤلاء ونناشدهم بالرّبّ يسوع المسيح أن يشتغلوا في سكينة". ويقول لهم أيضًا: "نحرّضكم أيّها الإخوة...أن تشتغلوا بأيديكم كما أوصيناكم... ولا تكون بكم حاجة إلى أحد. بل إنّه قال لهم في أحد الأيّام "إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل". لا بل ذهب في تفكيره إلى القول إنّه يجب على كلّ واحد أن يعمل ليس فقط لكي يؤّمن معيشته هو، بل لكي يسدّ عوز المحتاجين. يقول: "من كان سارقًا فلا يسرق بعد، بل بالحريّ فليكدّ عاملاً بيديه ما هو صالح حتّى يكون له ما يشرك فيه المحتاج". وإنّ في هذه النّظرة ما فيها من انتباه إلى الآخرين وعناية بهم. فأنا أعمل ليس لي ولحاجاتي فقط بل للمحتاج وحاجاته أيضًا.

وتطرق الى المساواة بين المؤمنين بحيث لا يكون في ما بينهم فقير. فمساعدة الغنيّ للفقير في نظره لا تؤثّر في غنى الغنيّ بحيث تجعله أقلّ غنًى، لكنّها تساعد الفقير على أن يتخلّص من عوزه. يقول لأهل كورنثس الأغنياء: "لست أريد أن تكونوا أنتم على ضيق لكي يكون غيركم في سَعة، بل أن تكون مساواة... على ما هو مكتوب: الـمُكنِز لم يفضُل له والمُقِلّ لم ينقُص عنه".  

إنّ ما كان بولس يدعو إليه من مساواة وتضامن وتكافل، على أساس أنّ المسيحيّين يؤلّفون جسدًا واحدًا، نراه مطبّقًا في الجماعة المسيحيّة الأولى بشعور طبيعيّ  وبشكل بديهيّ. فإنّ كتاب أعمال الرّسل يخبرنا أنّ المسيحيّين كانوا بطريقة تلقائيّة يتشاركون في ما يملكون. على هذا النّحو  يبدو تكافل المسيحيّين في الأمور المادّيّة أمرًا طبيعيًّا يشعر بالحاجة إليه كلّ من ينتمي إلى جسد المسيح انتماء واعيًا ملتزمًا. لكنّ الكنيسة تدعو أيضًا بإلحاح وتعمل بكلّ ما أوتيت من إمكانات ووسائل لكي يشمل هذا التّكافل النّاس أجمعين، أفرادًا وجماعات ودولًا، من دون تفريق في الدّين أو العرق أو الثّقافة أو في أيّ شيء آخر لأنّنا نحن البشر جميعًا إخوة.  

أهنّئكم من قلبي، ولاسيّما رئيس هذه الجمعيّة السّيّد زياد سعادة ومن معه، متمنّيًا لكم المزيد من النّجاح والازدهار لخدمة أبناء زحلة وجميع المواطنين. نهوض لبنان يحصل بنهوض الأفراد فيه والمؤسّسات والجماعات. شاء الله أن تكون هذه الجمعيّة لُبنة متينة في هذا النّهوض الّذي نتوق إليه ونسعى إلى حصوله بالرّغم من كلّ ما يُعيق ذلك في هذه الأيّام العسيرة. لقاؤكم اليوم يعطي رجاء للبنان مقصيًا الخوف واليأس، في وقت كاد الرّجاء يُفقَد واليأس يوجِع والخوف يَقتل. نحن في حاجة إلى علامة رجاء. كونوا هذه العلامة بأن تكونوا قدوة في عملكم. والله وليّ التّوفيق."