لبنان
13 كانون الثاني 2025, 09:45

العبسيّ من الرّبوة: نعلن دعمنا لفخامة الرّئيس الجديد العماد جوزيف عون واستعدادنا لمساندتنا له

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ قدّاس الشّكر الإلهيّ على عطيّة العام الجديد، في كنيسة القدّيسة حنّة في المقرّ البطريركيّ في الرّبوة، عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنة والإكليروس، بحضور فعاليّة وزاريّة ونيابيّة وقضائيّة واجتماعيّة ودبلوماسيّة واقتصاديّة، وحشد من المؤمنين.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى العبسيّ عظة جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "أيّها الأحبّاء، يسرّنا أن نجتمع معًا في بدايات العام الجديد، ونحن لا نزال في عيد الظّهور الإلهيّ وعمادِ السّيّد المسيح في نهر الأردنّ، لنحتفل باللّيتورجيا الإلهيّة، بسرّ الإفخارستيّا، سرّ الشّكر، لنشكر الله على عطيّة العام الجديد الّتي منّ بها علينا والّتي يدعونا بها في الوقت عينه لنجعل من الزّمن الحاضر الّذي نعيش فيه زمنًا مقدّسًا، وقتًا للرّبّ كما تعلّمنا صلواتُنا اللّيتورجيّة، أعني زمنًا ووقتًا ممهورينِ بالفرح والسّلام والأخوّة الإنسانيّة، نسعى فيهما نحن البشرَ إلى الارتقاء إلى الله، لإيماننا بأنّ الزّمن، الوقتَ، ليس سلسلة من الأيّام واللّيالي بل هو عطيّة ثمينة من الله  لنفرح بها ووديعة أيضًا سوف نُسأل عنها.

ويَزيد سرورَنا سرورًا أنّنا، إذ نحتفل بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، نحتفل أيضًا برؤية رئيس جديد للبنان، فخامةِ الرّئيسِ جوزف عون، جاء بعد انتظار دام طويلًا، يحمل إلينا رجاءات وأمنيات وأحلامًا وخصوصًا رغبة في التّعافي وإرادة في الوحدة وعزمًا على النّهوض والانطلاق والعيش بكرامة على كلّ شبر من أرض لبنان من شماله إلى جنوبه ومن بحره ِإلى بقاعه، وداعيًا إيّانا على الأخصّ وفي الوقت عينه إلى أن نحدّد ونرسم أيّ لبنان نريد وإلى أين نسير في تحقيق هذا اللّبنان لنزيل عن النّاس عناء التّعب المزمنِ الّذي أرهق كواهلنا من شدّة الانتظار والتّرقّب وأرق راحتنا حتّى كاد يقتل الرّجاء فينا. أيُّ لبنان نريد؟ من الإجابة الّصريحة على هذا السّؤال ينطلق الحلّ ويُسَمح للفجر الجديد الّذي بزغ اليوم أن يبدِّد الظّلامَ والبرد اللّذين خيّما على لبنانَ سنوات وأن يستمرّ ضوؤه ويتّسع.

إجتمعنا اليوم هنا في هذه الدّار البطريركيّة لنعبّر عن تضامننا بعضنا مع بعض وعن التزامنا بعضنا ببعض وعن تضامننا مع مواطنينا والتزامنا بوطننا، معلنين دعمنا لفخامة الرّئيس الجديد العماد جوزيف عون واستعدادنا لمساندتنا له في إنجاز المستقبل الّذي رسمه في خطاب القسم، وراجين أن تستقيم الأمور والأوضاع في عهده وأن تكون المواطنة هي معيار التّعامل قائمةً على التّشارك وليس على التّحاصص، وعلى الواجبات فلا تُهمَل وعلى الحقوق فلا تُهضَمُ بل تعطى لأصحابها، أفرادًا كانوا أم جماعات أم طوائف، بِلا منّيّة أو استعلاء أو ابتزاز وكأنّ الحقوق يجب استجداؤها في كلّ مرّة. هذا ما نرجوه في هذه المرحلة الجديدة الواعدة.

إنّ ما يذكي الرّجاء هذا فينا دعوة قداسة البابا فرنسيس إلى التّسلّح بالرّجاء في هذا العام 2025 الّذي كرّسه وخصّصه سنةً يوبيليّة تستذكر فيها الكنيسة المجمع المسكونيّ الّذي عقدته في العام 325، أيّ منذ 1700 سنة، في مدينة نيقية بآسيا الصّغرى، بمشاركة 218 مطرانًا قدموا من المسكونة كلّها على دعوة من الامبراطور قسطنطين الكبير. في هذا المجمع حدّدت الكنيسة ألوهيّة السّيّد المسيح ووحّدت الإيمان بها على حدّ ما نقول في قانون إيماننا: "نؤمن بربّ واحد يسوع المسيح ابنِ الله الوحيد المولودِ من الآب قبل كلّ الدّهور، نور من نور إله حقّ من إله حقّ". وفي هذا المجمع المسكونيّ عينه وحّدت الكنيسة أيضًا تاريخ عيد الفصح وحدّدته في الأحد الّذي يلي بدر الرّبيع الأوّل.

وحدة الإيمان المسيحيّ مع رمزها الكبير وحدةِ تاريخ عيد الفصح هي أمنية المسيحيّين بل رغبتهم أجمعين حتّى يلبّوا إرادة السّيّد المسيح نفسه بأن يكونوا واحدًا كما هو والآب واحد، نصلّي من أجل تحقيقها كلّ يوم قائلين "لنسأل الوحدة في الإيمان"، وقد جرى المسيحيّون في العالم أجمع على الصّلاة معًا من أجل تحقيقها أيضًا في هذا الشّهر الجاري من كلّ سنة من الثّامن عشر إلى الخامس والعشرين منه. لا شكّ أنّ الوحدة المسيحيّة هي عطيّة من الله نصلّي من أجل إحلالها إنّما علينا أيضًا أن نسعى إليها بكلّ قوانا وكلّ جوارحنا وأن نتربّى عليها منذ نعومة أظافرنا وأن نزرع فينا حبّها ونظهر أهمّيّتها وأولويّتها.

ما يقال عن وحدة المسيحيّين فيما بينهم يقال عن وحدة اللّبنانيّين. على كلّ مواطن أن يسعى إلى القضاء على كلّ ما من شأنه أن يجعل مجتمعنا يتفسّخ، أن يسعى إلى القضاء على التّخاصم والتّعادي والانقسام على الذّات حتّى نتمكّن من بناء بلدنا من جديد ونسير كلّنا معًا نحو المستقبل من دون هيمنة أو فرض رأي بل معتمدين خصوصًا الهوّيّة الثّقافيّة المنسوجة من عناصر ومقوّمات وأدبيّات وأخلاق يستطيع الجميع أن يسهموا فيها. ونحن كنيسةَ الرّوم الملكيّين الكاثوليك نملك ما نسهم به في هذا المجال، ونريد أن نسهم في هذه المرحلة الجديدة مع جميع أصحاب النّيّات الحسنة الطّيّبة، أن نسهم في صنع تاريخ بلدنا كما فعلنا ونفعل على الدّوام على مدى هذا التّاريخ، أن نسهم في بناء وطن، سائرين في الطّريق الّتي نتميّز بها: أن نجمع ونوفّق ونتعالى عن كلّ ما من شأنه أن يُبعِد ويَعزل ويفرّق ويزرع الرّيبة والقلق والخوف.

ما يحدونا على ذلك هو نظرتنا إلى الوطن والمواطنة، نظرةٌ ليست نظرة مدنيّة علمانيّةً وحسب بل نظرةٌ يطبعها الإيمان ويقوّيها. نحن، كما أسلفت، ما زلنا في أجواء عيد الظّهور الإلهيّ، ظهورِ الله في ثلاثة أقانيم، آبٍ وابنٍ وروحٍ قدسٍ، وظهورِ الابنِ بالجسد في شخص يسوع المسيح القادمِ إلى يوحنّا المعمدان ليعتمد منه في نهر الأردنّ. في هذا الظّهور الإلهيّ لم يظهرِ الله بلاهوته فقط بل ظهر أيضًا بصلاحه ورضاه، ظهر بلطفه ورضاه: "هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت". إنّ يسوع، بما أنّه إنسان، يمثّل البشريّة الّتي نالت رضى الله وتصالحت معه. "إنّ الله قد صالحنا مع نفسه في ابنه يسوع المسيح"، يقول بولس.  هذا ما بشّر به الملائكة في يوم الميلاد بقولهم: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام للنّاس الّذين بهم المسرّة". وقد تجلّى رضى الله وصلاحه ولطفه بأن حلّ الله، في شخص يسوع، في الأرض وسكن بيننا، فما عاد من خوف على الإنسان ولا على الكون. لقد صار الإنسان في قلب الله، وبات الله يرعاه بعنايته وأبوّته. بات الإنسان مطمئنًّا إلى مصيره إذ إنّ الله نفسه قد ارتبط به ارتباطًا أبديًّا، متيحًا له برضاه أن يحصل على الخلاص على حدّ ما قال القدّيس بولس: "اليوم ظهرت نعمة الله المخلّصة جميع النّاس".  

اليوم السّيّد المسيح بتواضعه وبنزوله واعتماده في مياه نهر الأردنّ قد دفن خطايانا، دفن الإنسان القديم السّاكنَ فينا، دفن آدم السّاقط الخاطئ، ثمّ صعد من المياه مجدّدًا الخليقة كلّها وفي طليعتها الإنسانَ، كلَّ واحد منّا. نحن الّذين بالمسيح اعتمدنا والمسيحَ قد لبسنا تدعونا الكنيسة إلى أن ندفِن نحن أيضًا مع يسوع إنساننا القديم، قلّةَ محبّتنا وضعفها، فلندفِن كبرياءنا وعَنجهيّتنا وخصاماتنا ومماحكاتنا. تدعونا الكنيسة إلى أن نُخلِيَ ذواتِنا ونُطِيعَ الله على مثال يسوع حتّى يقيمنا الله ويرفعنا كما أقامه ورفعه، مجدّدين أنفسنا كما في يوم معموديّتنا ولابسين ثوب النّعمة الظّاهرة، ثوبَ المسيح، فنرى الرّوح القدس حالًّا علينا ونسمعَ صوت الآب يقول لكلّ واحد منّا: "هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت". وإذا ما كان الله قد صالحنا مع ذاته فكم بالحريّ يليق بنا نحن أن نتصالح بعضنا مع بعض وأن نرضى بعضنا عن بعض وأن نلطُف بعضنا ببعض؟ لبنان الجديد يتطلّب أن يكون كلّ واحد منّا جديدًا "طارحين عنّا الخمير العتيق لنكون عجينًا جديدًا" كما يطلب القدّيس بولس (1كور 5: 7).

على هذا الرّجاء أدعوكم إلى أن نزرع السّنة الجديدة ببذار الخير والسّلام والتّضامن والوحدة. عملنا في هذه السّنة بنوع خاصّ أن نكون بناة جسور سواء أكان في العائلة أم في المجتمع أم في الوطن فنكونَ بذلك شهودًا على أنّ الخير يغلب دائمًا الشّرّ والجمالُ البشاعةَ.

باسمي وباسم إخوتي السّادة الأساقفة المشاركين وأبنائي الكهنة أشكركم على حضوركم ومشاركتكم في هذا اللّقاء الرّوحيّ حول السّيّد المسيح القائم من بين الأموات والحاضر في سرّ القربان المقدّس، هذا اللّقاء الّذي نأخذ منه زادًا لسنتنا الجديدة 2025. وإذ نصلّي من أجل أن تسير الأمور على ما بدأت به وأن تتكلّل عاجلًا بتحرير كلّ نقطة من أرض لبنان وبعودة كلّ مواطن إلى بيته وعمله وبسيادة الجيش اللّبنانيّ على كامل الأرض اللّبنانيّة وبتأليف حكومة تنالُ رضى اللّبنانيّين وتحقّق لهم ما يحتاجون إليه على جميع الصّعد، نهنّئ بعضنا بعضًا بحلول عام جديد وبانتخاب رئيس جديد وبشروق لبنان جديد وبانبثاق فكر جديد يعمّ وينير النّاس أجمعين. آمين."