سوريا
13 تشرين الثاني 2023, 09:45

العبسيّ: لنصلّي اليوم أيضًا من أجل السّلام في غزّة وفي جميع بلداننا

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ اللّيتورجيّا الإلهيّة المقدّسة وصلاة النّياحة راحةً لأنفس الشّهداء الّذين سقطوا جرّاء العدوان الغاشم على مدينة غزّة، في كاتدرائيّة سيّدة حارة الزّيتون، بمشاركة النّائب البطريركيّ العامّ في دمشق المتروبوليت نيقولاوس أنتيبا، ورئيس أساقفة هنغاريا المتروبوليت فيلبّس، ومطران يبرود وحمص وحماة وتوابعها المطران يوحنّا عبده عربش، ومطران بصرى وحوران وجبل العرب المتروبوليت الياس الدّبعي، والسّفير البابويّ في سوريا الكاردينال ماريو زيناري، ورؤساء الطّوائف الكاثوليكيّة في دمشق ولفيف من كهنة الأبرشيّة، وبحضور حشد من المؤمنين وعدد من الشّخصيّات السّياسيّة والمدنيّة والعسكريّة.

وفي عظته، قال العبسيّ بحسب إعلام البطريركيّة: "إجتمعنا في هذا المساء لنرفع الصّلاة إلى الله تعالى من أجل إخوتنا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا الّذين استُشهدوا في غزّة وانتقلوا إلى الأخدار السّماويّة، إلى جنّات النّعيم، الّذين أُصيبوا وابتُلوا بكلّ أنواع الإصابات والبلايا. الّذين تشرّدوا، الّذين يعانون الجوع والعطش، الّذين يفتقرون إلى المأوى والدّواء والطّبابة. نصلّي  من أجل إخوتنا وإخواتنا وأبنائنا وبناتنا هؤلاءِ جميعًا الّذين تلاحقهم وتسحقهم وتبيدهم إبادة جماعيّة

الأيدي الآثمة للعدوّ الإسرائيليّ الّذي لا يقيم للقوانين والقرارات والمواثيق والمعاهدات الدّوليّة وزنًا ولا احترامًا بل استخفافًا وتجاهلًا، يبطش ويقتل ويشرّد منذ خمسة وسبعين عامًا وما من وازع ولا رادع، على مرأى ومسمع كثيرين من قادة الدّول ورؤسائها ومتنفّذيها الّذين يشيحون بأنظارهم عمّا يجري في غزّة اليوم وكأنّهم فقدوا كلّ إحساس بشريّ وكلّ ضمير إنسانيّ، تتملّكهم الأنانيّة والجشع وتسيطر عليهم القساوة، يتكلّمون بحقوق الإنسان والعدالة والإنسانيّة وهم أوّل من يخالفها وينقضها ما عندهم من وسائل الإقناع سوى التّهديد والعنف والسّلاح والقتل وفرض العقوبات.

إجتمعنا في هذا المساء لنصلّي لأنّنا نؤمن بأنّ للصّلاة قوّةً ومفعولًا عند المؤمن، لنصلّي اليوم أيضًا من أجل السّلام في غزّة وفي جميع بلداننا، من أجل السّلام الّذي طالما افتقدناه وطالما حلُمنا به والّذي يستطيع وحده أن يمهّد الطّريق إلى الازدهار والسّعادة. نصلّي من أجل السّلام الّذي اتّضح للجميع أنّ المحتلّ لا يريده، أو قد يريده لنفسه من دون سواه إنّما في خصومة مع سواه. هذا النّوع من السّلام مزيّف خدّاع ومستحيل إذا لم يكن سلامًا شاملًا للجميع يتنعّم به الجميع. السّلام الحقيقيّ هو عطيّة من الله تعالى يُنال بقدر ما نتقرّب من الله. لذلك نحن نطلب في صلواتنا كلّها إلى الله أن يمنحنا السّلام واجتمعنا نصلّي اليوم. وقد سبق السّيّد المسيح وأعطانا هذا السّلام في ليلة آلامه وموته قائلًا: "سلامي أعطيكم، لا كما يعطيه العالم". لكن على النّاس أن يجعلوا هذا السّلام يحلّ في قلوبهم يعني أن لا يأتي السّلام من الخارج بمنع النّاس من الاحتكاك بعضهم ببعض، أو باتّفاقيّة بين النّاس وحسب لا يعتدي فيها أحد على أحد، أو بتبادل وتوازن الحقوق والواجبات والمصالح المشتركة أو بفرض توازن القوى المختلفة. السّلام الّذي يعطيه الرّبّ يسوع هو سلام نابع من القلب، من توبة الإنسان إلى الله، من تغيير ذواتنا بالتّغلّب لا على الغير بل على أهوائنا وميولنا الفكريّة والجسديّة السّيّئة، السّلام النّابع من قناعتنا بأنّنا جميعًا واحد في المسيح يسوع (روم 12: 5)، السّلام القائم على أن يعتبر كلُّ واحد الآخرين خيرًا منه (روم 12: 10)، المبنيّ على قول بولس أن لا ننغلب للشّرّ بل أن نغلب الشّرّ بالخير (روم 12: 21). السّلام الّذي سمّاه البابا الرّاحل بندكتوس السّادس عشر سلام الحبّ.

هذا السّلام بين البشر شرطه الأوّل والأساسيّ العدالة. لا سلام من دون عدالة. ليس من سلام بين غنيّ وفقير، بين قويّ وضعيف، بين محتلّ لبلد ومحتلّ بلدُه. لا يمكن للسّلام أن يحلّ في فلسطين إذا ما ظلّ يتنعّم محتلّون ويتجبّرون ويضطهدون شعبًا مقهورًا معدمًا. يستحيل أن يحلّ السّلام في فلسطين أو في غير فلسطين إذا لم تقس الأمور بميزان واحد، إذا كانت العقوبات تفرض هنا ولا تفرض هناك. من غير المقبول أن تقيّد يد هنا وتطلق يد هناك. من حقّ الجميع أن ينعموا بالسّلام، بالفرح، بالطّمأنينة، بالكرامة، بالحرّيّة... وإلّا فإنّ العنف سوف يستمرّ ويتكرّر والحربَ والقتل. هذا ما نشهده منذ خمسة وسبعين عامًا. المشهد عينه يتكرّر. لنتذكّر حصار غزّة في العام ألفين وتسعة عشر. إنّها المأساة عينها تتكرّر. وما قلنا في ذلك العام يصلح لأن يقال اليوم: "إنّ كنيسة الرّوم الملكيّين الكاثوليك في دمشق، رعاةً ومؤمنين، تستنكر المجازر الّتي تفوق التّصوّر، لا يرضى بها ضمير إنسان، تُرتكب في غزّة، على أرض السّلام، ويذهب ضحيّتها الأبرياء من إخوتنا الفلسطينيّين على مرأى ومسمع من عالم معظمه صامت وبعضه متآمر. منذ ألفي سنة قُتل أطفال بيت لحم واليوم يُقتل أطفال غزّة، وغدًا أطفالٌ غيرهم هنا وهناك من بلدات فلسطين، والمأساة تتكرّر وليس من وازع ولا رادع. أليس من حقّ هؤلاء الأطفال والشّباب والنّساء والشّيوخ أن يدافعوا عن لقمة العيش وشربة الماء وعن النّور والهواء؟ كيف نحرمهم منها ولا نغصّ، كيف نحرمهم منها ونحن متخمون؟ إنّنا نهيب بالأمم المتّحدة والمنظّمات الدّوليّة والحكومات لمنع ما يقع في غزّة. لا يكفي ولا يسكّن الضّمير أن ندفن الموتى وأن نسعف الجرحى، بل الواجب أن نمنع القتل والأذى... السّلام هو حقّ لنا مثلما هو حقّ لجميع الشّعوب". وإذ نتضامن اليوم مرّة أخرى مع أبنائنا وإخوتنا في غزّة قد أرجأنا إلى تاريخ آخر القدّاس الّذي كنّا سنقيمه البارحة في مئويّتنا الثّالثة واستبدلنا به صلاةً اليوم على نيّة شهدائنا وأهلنا في غزّة.

نشكر جميع الّذين أرادوا أن يشاركونا في هذه الصّلاة لاسيّما السّيّد رئيس مجلس الوزراء ممثّلًا بسيادة وزير الإعلام بطرس حلّاق، والسّادة السّفراء والسّادة المطارنة والكهنة والرّهبان والرّاهبات.  

رحم الله جميع شهدائنا وأمواتنا ولطف بنا ويسّر حياتنا، إنّه السّميع المجيب ذو الكرامة والعزّة إلى دهر الدّاهرين. آمين".