لبنان
15 تموز 2024, 09:30

العبسي في لقاء شبيبة بعلبك: "أنتم مستقبل الكنيسة وقلبها ولستم من الأطراف"

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك الليترجيا الإلهيّة إبّان لقاء شبيبة أبرشيّة بعلبك بمشاركة مطارنة السينودوس الدائم: جاورجيوس حدّاد، وإبراهيم إبراهيم، وإدوار ضاهر مدبّر أبرشيّة بعلبك، ونائبه الأرشمندرت يوسف شاهين ولفيف من كهنة الأبرشيّة والجوار، بالإضافة إلى عدد كبير من الشباب والمؤمنين .

 

كانت للبطريرك العبسي، كلمةٌ بعد القراءات، ركّز فيها على دور الشباب والأجيال الصاعدة في بناء الأوطان وخدمة المجتمع وتحصينه ضدّ الآفات الاجتماعيّة. بعد التعبير عن فرح لقاء أبناء أبرشيّة بعلبك وبخاصّة شبيبتها، في البيت العائليّ، مع راعيهم وآبائهم، وبعضهم البعض...توجّه البطريرك العبسي إلى الحضور بكلمةٍ أبويّةٍ تشجيعيّة قال: "اليوم، يرى كلّ واحد منكم أنّه ليس وحده بل له إخوة وأخوات كثيرون يحبّونه...مستعدّون ليقدّموا له كلّ مساعدة تُسعده وتنجّحه وتفتح له آفاقًا جديدة".

أضاف البطريرك: "اليوم، تشعرون بأنّكم لستم أفرادًا بل أنّكم عائلة قويّة ومتلاحمة، متنوّعةُ المواهب والإمكانات، عائلةٌ تشبه العائلة التي ألّفها يسوع من الرسل المتنوّعين الذين جمعهم حوله من أماكن مختلفة من بلدهم. اليوم تعرفون مَن تستطيعون أن تستندوا إليهم لتحقّقوا أحلامكم بعضكم مع بعض.

أيّها الأحبّاء لا يخطرنّ على بال أحد منكم أنّكم متروكون وحدكم. نحن عائلة واحدة، عائلة الربّ يسوع. إنْ كنتم في الأطراف على الجغرافيا اللبنانيّة، كما يقولون، فأنتم في قلب كنيستكم لا على أطرافها، وقد أردنا أن نعبّر لكم عن ذلك بحضور عدد من المطارنة بينكم اليوم".  

تابع البطريرك قال: "أنتم في داخل الكنيسة. أنتم الكنيسة. أنتم أغصان الربّ يسوع. لقد غرسكم الربّ في هذه الأرض، فإن أردتم أن تكونوا ثابتين فيها، كونوا ثابتين في يسوع المسيح.  كونوا قريبين بعضكم من بعض، منفتحين بعضكم على بعض، متقبّلين بعضكم لبعض. كونوا أغصانًا في كنيسة تستقبل كلّ من يضعه الربّ على طريقها، كنيسةٍ ترى في الاختلاف والتنوّع غنًى وجمالًا ونعمة من الله، كنيسةٍ لا تحدّ نفسها أو تطوّق ذاتها بمساحة واحدة، كنيسةٍ تريد أن تثبت في المسيح لا أن نثبّت وجودَها بإزاء غيرها. الثبات في المسيح ينجم عنه فرح وسلام ووداعة أمّا إثبات الوجود فيخلق القلاقل والخلافات. فلنَثبت في المسيح قبل كلّ شيء، لنعش في صداقة مع المسيح، في قرب منه لئلّا نجفّ ونيبس ولا يعود لوجودنا معنى".

تكلّم السيّد المسيح في إنجيل اليوم على الثبات فيه. وجاء الرسل من بعده يوضحون بكتاباتهم وبسيرة حياتهم كيف يكون الثبات عمليًّا: أن نكون ثابتين في الرجاء والإيمان والمحبّة، الثوابتِ الإنجيليّة التي توجّه حياتنا على الأرض كمسيحيّين. هذه الثوابت حفظها آباؤنا وأجدادنا وحافظوا عليها وشهدوا عليها ومنهم من مات من أجلها ونقلوها إلينا لقناعتهم بها، لقناعتهم بأنّها تجلب لنا السعادة والسلام والراحة.

لا شكّ في أنّ صعوباتٍ كثيرةً قاسيةً وتحدّياتٍ جمّةً قويّة تجابهكم، قد تشوّش بل تعطّل الرسوخ في هذه الثوابت. نذكر خصوصًا عدمَ الاستقرار الذي نعيشه في هذه الأيّام وهو حاجة ضروريّة، عنصر من عناصر الثبات الذي تسعون إليه لأنّه يسمح لكم بأن تؤمّنوا لأنفسكم مستقبلًا قابلًا للاستمرار. من حقّكم كمواطنين أن تنعموا باستقرار لا يتعرّض للهزّات كلّما هبّت ريح. من حقّكم أن لا تنظروا إلى غير لبنان.  لذلك عليكم أنتم الشباب أن تسعوا إلى زرع فكرة الثبات، روحِ الثبات، أن تبحثوا عن عناصر الثبات هنا حيث دعاكم الربّ".  

أكمل البطريرك بالقول: "بين أيديكم أنتم شبابَ اليوم وسائل كثيرة متنوّعة ومتطوّرة، طرقُ استعمالها ووجهاتُ استعمالها لا تحصى. أنتم اليوم بإزاء معطيات وخيارات كثيرة تفتح لكم آفاقًا واسعة تستطيعون أن تسلكوها، منها ما يقود إلى ثباتكم ومنها ما يقود إلى زعزعتكم. أنتم كشباب مسيحيّ مدعوّون إلى أن تنظروا إلى هذه الأمور من وجهة نظر يسوع الذي وضعتم فيهم ثقتكم. الثبات في يسوع وفي المبادئ الإنجيليّة التي تركها لنا يجب أن يكون حاضرًا وفاعلًا في استعمال كلّ ما لدينا من أدوات تواصل واستكشاف واطّلاع ومعرفة. لا يمكن لأدواتِ التواصل الاجتماعيّة ولا يجب أن تجعلكم تنفصلون عن يسوع، تسقطون عن الثبات فيه فتسقطُ عندكم مفاهيم العدالة والسلام والمساواة والأخوّة وكرامة الإنسان وما إليها. لا يجب أن تجعلكم هذه الوسائل التي ما عاد عنها غنىً، تبتعدون عمّا يدعونا يسوع إلى أن نعيشه في حياتنا في كلّ مناحيها، في البيت والمدرسة والعمل والمجتمع. التحدّيات والتجارب كثيرة والضغوطات قويّة، إنّما ثباتكم في الربّ يسوع، ثباتكم في الإيمان والرجاء والمحبّة يجعلكم تتغلّبون عليها كما تغلّب آباؤكم وبقوا سراجًا يضيء للجميع على السواء".

أضاف البطريرك قائلًا: "الثبات في المحبّة والثبات في الإيمان وأيضًا الثبات في الرجاء، الرجاء الذي لا يستطيع المسيحيّ أن يتخلّى عنه حتّى ولو كان علينا أن نرجو على خلاف كلّ رجاء كما يقول بولس الرسول، الرجاءُ الذي لولاه لما وجدت لحياتنا المسيحيّة غايةٌ أو على الأقلّ قاعدةٌ نقف عليها. أشياء كثيرة في حياة اليومَ تجعل اليأس والخوف والقلق تدِبّ في قلوبنا وتكاد تجعل منّا أناسًا تعساء: الحالات الاقتصاديّة والسياسيّة والمجتمعيّة، وحالات أخرى، إلّا أنّ المسيح يدعونا إلى ألّا نخاف، لا بل إلى أن نثق به، إلى أن نؤمن بأنّ الانتصار هو في النهاية للخير والجمال والعدل والسلام والحقّ والحرّيّة. الانتصار هو لكم لأنّكم أنتم الرجاء وليس غيرُكم. هذا لا يعني أنّ العيش في الرجاء هو تأجيل ما يمكن تحقيقه من هذه الأمنيات إلى الغد، ولا أن ننتظر عالمًا أفضل حتّى نحقّق ما نصبو إليه، ولا أن يأتي أحد ويعطيَنا ما نطمح إليه. الرجاء هو أن تبدأوا أنتم اليوم، أن تلتزموا أنتم اليوم. الرجاء يُباشر في الحاضر ويُعاش فيه ولو بالقليل. لذلك لا أقول لكم أنتم مستقبل الكنيسة فقط. بل أنتم أيضًا حاضر الكنيسة. مستقبل الكنيسة في حاضرها. لبّوا دعوة السيّد المسيح: ]أثبتوا فيّ[.