لبنان
07 آب 2023, 12:30

العبسيّ في ختام الأيّام العالميّة للشّبيبة في سوريا: تحدَّوا العالم بالمسيح الّذي تؤمنون به

تيلي لوميار/ نورسات
تزامنًا مع الأيّام العالميّة للشّبيبة في لشبونة، ترأّس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ اللّيتورجيا الإلهيّة في ختام الأيّام العالميّة للشّبيبة الكاثوليكيّة في سوريا، في مقام القدّيس الياس البطريركيّ- معرّة صيدنايا، بمشاركة مجلس رؤساء الطّوائف الكاثوليكيّة في سوريا ولفيف من الكهنة والرّهبان والرّاهبات من جميع أنحاء سوريا.

وتخلّلت القدّاس عظة للبطريرك العبسيّ توجّه فيها إلى الشّبيبة المسحيّة، وقال: "أيّها الأبناء المحبوبون الشّبّانُ والشّابّات السّلام لكم. بهذه التّحيّة الإنجيليّة الّتي حيّا بها الملاك جبرائيل السّيّدة العذراء مريم قبل أن تنطلق مسرعة إلى نسيبتها أليصابات نحيّيكم، أنا وإخوتي السّادة المطارنة وأبنائي الكهنة والرّهبان والرّاهبات المشاركون، نحيّيكم في هذا المقام المقدّس، مقام النّبيّ إلياس بمعرّة صيدنايا، في هذا اللّقاء الشّبابيّ الّذي أتيتم إليه بشوق وفرح مسرعين من كلّ أنحاء سورية لتقضوا بعضكم مع بعض وقتًا مميّزًا، وقتًا مقدّسًا، وقتًا ليس كغيره من الأوقات، حول السّيّد المسيح وأمّه العذراء، لتتعارفوا وتختبروا وتصلّوا وتفرحوا وتدرسوا وتخطّطوا ومن ثمّ تنطلقوا إلى أفق تكونون رسمتموه وأشرعتم إليه مراكبكم مع شباب العالم المجتمع اليوم للغاية نفسها في الضّفّة المقابلة في مدينة لِشبونة في البرتغال.

لم يتسنَّ لنا الذّهابُ إلى هناك كما تسنّى لشباب العالم. وجع في القلب. إنّما بمجيئكم إلى هنا ذهبتم إلى أبعدَ من لِشبونة. ذهبتم إلى العالم كلّه الّذي يشاهدكم وحدكم ويسمعكم وحدكم في هذه اللّحظات. بمجيئكم إلى هنا أردتم أن تقولوا للعالم نحن شبابَ سورية لا يستطيع أحد أن يمنعنا من لقاء السّيّد المسيح وأمّه السّيّدة العذراء. إنّه هو، السّيّد المسيح، مِحجّتنا وليس المكان الفلانيّ أو البلد الفلانيّ. وهو الآن معنا. بمجيئكم إلى هنا أردتم أن تقولوا للعالم لا يستطيع أحد أن ينسانا أو يغيّبنا. ظروفنا قاسية لكنّ إيماننا كبير وعزيمتنا ماضية. نحن أيضًا لنا الحقّ كما لشباب العالم كلّه في أن ننعم بما ينعمون به اليوم، باللّقاء، بالفرح، بالأخوّة، بالتّضامن، وبالصّلاة خصوصًا. نحن الشّباب لم يتسنّ لنا أن نذهب إلى لِشبونة لنشارك قداسة البابا فرنسيس وشباب العالم لكنّ قداسة البابا ومعه شباب العالم قدموا إلينا بالرّسالة الّتي بعث بها قداسته إلينا والّتي تعبّر عن قربه منّا وتعاطفه معنا وصلاته من أجلنا. نشكره جزيل الشّكر ونصلّي من أجله وندعو له بالصّحّة التّامّة وطول العمر ونعده بأنّنا لن نيأس ولن نألو جهدًا من أجل أن نلتقي يومًا، ولمَ لا يكون اللّقاء في سورية فيأتيَ ويرى شبابها على أرضها. لم يتسنّ لنا الذّهاب إلى لِشبونة لكنّ أناسًا كثيرين في العالم قلبُهم علينا، يشعرون في أعماقهم أنّهم إخوان لنا، يصلّون من أجلنا يتعاطفون معنا يحبّوننا ويريدون لنا الخير والسّلام والازدهار، وقد سارعوا إلينا اليوم، نظير مريم الّتي سارعت إلى أليصابات في أيّام تعبها لتخدمها، وساعدونا على أن نجري هذا اللّقاء، ومنهم على الأخصّ "غوث الكنيسة المتألّمة" و "مبرّة الشّرق". فنحيّيهم ونشكرهم ونبادلهم المحبّة والوفاء. والشّكر الخاصّ للسّيّدة ريجينا على الرّسالة المصوّرة الرّائعة الّتي بعثت بها إلينا والّتي نعبّر أصدق تعبير عن المحبّة المسيحيّة الّتي لا تعرف حدودًا والّتي ترفعنا إلى أسمى درجات الفرح والسّلام والطّمأنينة. لن يتسنّى لنا زيارة العذراء في فاطمة لكن عندنا هنا أقدمُ وأعرق من فاطمة، عندنا دير سيّدة صيدنايا ومقام مار إلياس. لم يتسنّ لنا الذّهاب إلى لِشبونة لكنّنا نقلنا لِشبونة إلى المعرّة وإلى صيدنايا. فمن هنا نحيّي الشّباب الّذين في لِشبونة ونضمّ صلاتنا إلى صلاتهم سائلين السّيّدة العذراء أن يحلّ السّلام في العالم كلّه لكي تنتهي الحروب وتتلاقى الشّعوب على الخير والجمال والكرامة والازدهار للجميع.

أيّها الأبناء الشّبّان والشّابّات المحبوبون، في عالم اليوم تحدّياتٌ كثيرة متنوّعة ما عادت خفيّة قد تضعفون أمامها، قد تجرّكم إلى ما لا تريدون، قد تنال منكم، قد تشوّه صورتكم، قد تقضي عليكم. لا تنغلّبوا لهذه التّحدّيات، لا تدعوها تستجرّكم إلى ما لا تريدون. تحدَّوا أنتم العالم بالمسيح الّذي تؤمنون به، بالإنجيل الّذي تقرؤونه، بالأخلاق الحميدة الّتي تربّيتم عليها، بالقيم والمثل الكبرى الّتي تشرّبتموها، بالمحبّة، بالخدمة، بأن تكونوا مواطنين صالحين، بقيمة الإنسان العظمى الرّائعة على أنّه صورة الله، على أنّه ابن الله. لا تدعوا أحدًا يسلبكم يسوع المسيح. يحاولون أن يخرجوه من حياتنا، أن يخرجوا الله، أن يقتلوا الله ويرموا به في مطاوي التّاريخ. يتحدّون الجميع بفعلهم هذا وقد نجحوا في أماكن من العالم. أمّا نحن فنتحدّاهم بهذا الّذي نبذوه وتخلّوا عنه، بيسوع الّذي يزعجهم كما أزعج الكثيرين في حياته فقتلوه. قوموا كما قامت مريم وهبّوا لمساعدة العالم على أن يرى أين حرّيّته، أين سعادته، أين حبّه، أين نوره، أين قوّته، أين خلاصه.

قامت مريم وانطلقت مسرعة للقاء قريبتها أليصابات. اللّقاء أمر جوهريّ في حياتنا. إنجيلنا إنجيل اللّقاء يروي لنا لقاء يسوع بنا، بكلّ واحد بمفرده. على مثال يسوع نذهب نحن أيضًا إلى الآخر أيًّا كان رافضين الانكماش والانقباض والانعزال، رافضين أن نعيش في غيتو. أنتم اليوم على مثال السّيّدة العذراء قد أسرعتم بعضكم إلى بعض، تلاقيتم، تحاورتم، تقابستم ما عندكم وكان السّيّد المسيح في وسَطكم على ما وعد حين قال لنا: "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسَطهم". ليكن الرّبّ يسوع هو الجامعَ والرّابط بينكم، هو القائد، هو الّذي ينير دربكم ويقدّس حياتكم. إذهبوا وقولوا للنّاس كم اللّقاء جميل وبهيج، كونوا النّور، كونوا الملح، كونوا الخميرة، كونوا الفرح في مجتمعاتكم، لا تتقاعسوا ولا تقعدوا، كونوا أبناء القيامة ورسل القيامة بالرّغم من كلّ ما يصدّكم عن ذلك.

في سفر الرّؤيا، في آخر ما ترك لنا يسوع من وصايا، نراه واقفًا على الباب يقرع، على باب كلّ واحد منّا يقرع سائلًا أن يدخل. فلنذهب نحن أيضًا مثل يسوع ونقرع الأبواب. فلنخرج من علّيّة خوفنا. مريم قامت مسرعة وراحت تدقّ باب أليصابات. النّاس في حاجة إلى من يقرع بابهم ويدخل ويرى ويسمع ما في بيتهم، ما في قلبهم، ما في حياتهم. لا تنتظروا أن يدقّ النّاس أبوابكم أنتم الشّباب بل انطلقوا واقرعوا أنتم أوّلًا أبوابهم. قولوا لهم إنّكم تحبّونهم، إنّكم في خدمتهم، قولوا لهم إنّ الحياة جميلة. علّموهم أن يفرحوا، أن يكونوا متفائلين طموحين. لا تتعجّبوا أنتم من العالم بل خلّوا العالم يتعجّب منكم.

حين انطلقت مريم إلى أليصابات تغرّبت عن أهلها وبيتها وبلدها، لكنّها ما لبثت أن عادت. نشهد في هذه السّنوات غربة عن الوطن كثيفة مؤلمة دامية، نرجو أن يتوقّف نزيفها ونرجع نحن أيضًا إلى الوطن. لكنّ هناك غربةً أقسى وأمرّ وأخطر. إنّها الغربة عن الذّات، عن الهوّيّة، عن القيم، عن المبادئ. هذه الغربة تحصل لنا ونحن حيث نحن. كما أنّ لنا وطنًا وأهلًا فإنّ لنا ما تربّينا عليه وما بنيناه على الصّخرة الّتي هي المسيح. أنتم اليوم هنا لتؤكّدوا أنّ مثل هذه الغربة لن تحصل، لتؤكّدوا انتماءكم إلى السّيّد المسيح، إلى الكنيسة، إلى الوطن. لا تفقدوا هذا الانتماء، إنّه الطّريق إلى سلامكم وسعادتكم.

غالبًا ما نسأل أنفسنا ماذا نريد من الكنيسة، ماذا نريد من الرّبّ يسوع، وقد تكونون فعلتم هذا في لقاءاتكم في هذه الأيّام. لكن هل تساءلنا ماذا يريد الرّبّ يسوع منّا، ماذا تريد الكنيسة منّا؟ التّجربة أن نضع الرّبّ يسوع والكنيسة في خدمتنا بدل أن نضع أنفسنا في خدمة الرّبّ يسوع والكنيسة. قبل أن تنهض السّيّدة العذراء وتنطلق إلى أليصابات قالت للملاك جبرائيل: "ها أنذا أمة للرّبّ فليكن لي بحسب قولك". وعندما ظهر السّيّد المسيح لبولس على طريق دمشق قال له بولس "ماذا عليّ أن أصنع"؟ وفي الماضي قال صموئيل للرّبّ: "تكلّم يا ربّ فإنّ عبدك يسمع". وكثيرون ممّن صادفوا يسوع انتهوا بأن قالوا له ماذا عليّ أن أفعل؟ هذا السّؤال قد طرحتموه في هذه الأيّام ولا شكّ أنّ يسوع سوف يجيب كلّ واحد منكم. القلق الّذي ينتاب الكثيرين في علاقتهم مع الرّبّ يسوع هو تأرجحهم بين هذا السّؤال وذاك السّؤال. السّؤال الصّحيح هو ماذا تريد منّي يا يسوع. في علاقتنا مع الرّبّ يسوع، في حياتنا المسيحيّة، إن لم نبلغ إلى القول مع بطرس "إلى من نذهب يا ربّ فإنّ كلام الحياة عندك"، إن لم نبلغ مع بولس إلى القول: "من يفصلني عن محبّة المسيح"، لن نشعر بالسّعادة مع يسوع، بالفرح بالطّمأنينة بالرّاحة، بالقوّة. سعادة مريم العذراء أنّها قالت للملاك "ها أنذا أمة للرّبّ فليكن لي بحسب قولك"، سعادة مريم أنّ الرّبّ نظر إليها: "تعظّم نفسي الرّبّ فقد ابتهج روحي بالله مخلّصي لأنّه نظر إلى ضعة أمته".

فالشكر لله تعالى الّذي أتاح لنا بل أنعم علينا وفرّحنا بهذا اللّقاء الّذي جمعنا نحن شبابَ سوريا من كلّ أنحائها ومن كلّ كنائسها. نشكره على هذا اللّقاء الّذي هو عنصرة جديدة لأنّ الرّوح القدس هبّ على لقائنا وحرّك قلوبنا وأنار عقولنا وبعث فينا القوّة والشّجاعة وطرد منّا الخوف لنشهد للرّبّ يسوع. نشكر الله تعالى على أنّه أعطانا روحه القدّوس كما أعطى أمّنا مريم العذراء إذ بشّرها بابنها يسوع لننطلقَ إلى الخدمة كما انطلقت هي، متذكّرين وصيّة بولس: "كونوا خدّامًا بعضكم لبعض بالمحبّة".

الشّكر لإخوتي السّادة الأساقفة الّذين باركوا هذا اللّقاء وشجّعوا عليه وواكبوه بمحبّتهم ولهفتهم وغيرتهم وأبوّتهم. أدام الله رئاستهم بالصّحّة التّامّة والسّعادة لسنين كثيرة. والشّكر لأبنائي الكهنة والرّهبان والرّاهبات الّذين أعطوا مثالًا صالحًا بمشاركتهم الفاعلة الحماسيّة وانفتاحهم وأخوّتهم وصداقتهم، بارك الله حياتهم.

الشّكر للأديار الّتي استقبلتنا بصدر رحب وترحاب كبير وتحمّلت معنا المسؤوليّة والتّعب بحبّ وفرح ورضى. جعلها الله عامرة مقدّسة ومنارة هادية. الشّكر لمؤسّسة "غوث الكنيسة المتألّمة" ومؤسّسة "مبرّة الشّرق" على الدّعم الماليّ والدّعم المعنويّ اللّذين قدّماهما لنا فاستطعنا بفضلهما إتمام هذا اللّقاء.

الشّكر للشّبّان والشّابّات الّذين تعبوا وسهروا وضحّوا وتحمّلوا عاملين ليلَ نهارَ لتهيئة هذا اللّقاء وأنجحوه، على رأسهم حضرةُ الأب رأفت أبو النّصر الّذي كان في أساس اللّقاء وواكبه وتابعه بمحبّة وتفان وصبر وغيرة وشغف مع فريق عمله. كان التّحدّي كبيرًا لكنّكم، أيّها الأحبّاء، تغلّبتم عليه وأظهرتم مقدرةَ الشّباب على العمل في الكنيسة وأعطيتم مثالًا في أن لا نضع نحن الشّبابَ أنفسنا بإزاء الكنيسة ولا نعتبرَ أنفسنا غرباء عنها بل على العكس برهَنتم أنّكم أنتم، أيّها الشّبّان والشّابّات، في الكنيسة، أنتم أبناء الكنيسة، أنتم الكنيسة. لقد جعلتمونا نرى كيف أنّنا حين نضع أيدينا بعضِنا مع بعض نبني الكنيسة ونبني الوطن ونصنع من الأحلام حقيقة ومن المستحيل مستطاعًا ومن الصّعب سهلًا. بارك الله عليكم.

الشّكر للدّولة السّوريّة بمختلف وزاراتها وإداراتها وأجهزتها المدنيّة والأمنيّة والتّقنيّة، وعلى رأسها سيادة الرّئيس بشّار الأسد، الّتي يسّرت هذا اللّقاء وقدّمت كلّ الخدمات والإمكانات اللّازمة لإنجاحه. والشّكر الخاصّ للإعلام الوطنيّ السّوريّ ولتلفزيون تيلي لوميار- نورسات ولإذاعة راديو ماريّا ولجميع وسائل التّواصل الاجتماعيّ الّتي أوصلت كلمتنا ووجهنا إلى العالم.  

الشّكر لكم أيّها الشّبّان والشّابّات المحبوبون على أنّكم أردتم هذا اللّقاء وصنعتموه وشاركتم فيه معطين للعالم شهادة في الالتزام الإنجيليّ وفي فرح اللّقاء مع الرّبّ يسوع وبعضُكم مع بعض. تكبّدتم عناء السّفر ومشقّة التّنقّل وخشونة الإقامة لتقولوا للعالم إنّكم هنا، إنّكم جزء من شباب الكنيسة والعالم. لن تبقى الأمور كما هي الآن. سوف نشارك في الأيّام القادمة مع شباب العالم ومثل شباب العالم مهما طال الزّمان. نحن أيضًا عندنا غنًى وعندنا ما نعطيه وما نقوله لشباب العالم ولنا مطرح ودور ولن نتركهما لأحد غيرِنا. أنتم لا تمثّلون أنفسكم وحسب بل تمثّلون شباب سورية، قوّتها، عنفوانها، طموحاتها، أحلامها، سورية الّتي سوف تقوم كلّها هي أيضًا وتنطلق كما انطلقت مريم لتقدّم خدماتها للعالم وتسهم في إحلال السّلام والعدالة.

"في تلك الأيّام قامت مريم وذهبت مسرعة". في هذه الأيّام مَن يقوم ويذهب مسرعًا؟ مَن يقوم مسرعًا إن لم يكن أنتم أيّها الأبناء الشّبّان والشّابّات المحبوبون؟ السّيّد المسيح يناديكم ويقول لكلّ واحد منكم "قم"، "أسرع". فلا تتردّدوا. قوموا، أسرعوا. العالم في حاجة إليكم. الكنيسة في حاجة إليكم. الوطن في حاجة إليكم. وكما أنّ العذراء ابتهجت كذلك أنتم سوف تبتهجون. وكما أنّ الله صنع بها عظائم سيصنع كذلك العظائم بكم. فلكم كلّ الحبّ وأجمل البركة وأطيب التّحيّة. آمين."