العبسي في تخرّج طلّاب الكلّيّة الشرقيّة: "تزويد الطالب بتربية إنسانيّة شاملة"
ألقى البطريرك يوسف العبسي، في مناسبة تخرّج طلّاب الكلّيّة الشرقيّة الباسيليّة كلمةً أشار فيها إلى دور الشباب في بناء الأوطان ودور المدارس في التربية والتنشئة الوطنيّة والأخلاقيّة إلى جانب الأهل الذين يشكّلون المدرسة الأولى في حياة كلّ منّا وبدأها بالتعبير عن سعادة مشاركة الحضور الطلّابَ في شعورهم الذي هو "مزيج من رضًى وراحة وانشراح وفرح وبداية لرسم تصوّر لمستقبل يحلمون ببنائه"، وقال: "تكوين الطالب في المدرسة يقوم بلا شكّ على أن نزوّده بالعلوم والمعلومات ليكسب رزقه في المستقبل ويسهم في تطوير العلوم والاكتشافات العلميّة وما إلى ذلك. إنّما تكوين الطالب في المدرسة يقوم أيضًا على تزويده بتربية أخلاقيّة ومجتمعيّة ووطنيّة، على تربيته الإنسانيّة ككلّ. المدرسة لا تعلّم فقط بل تربّي أيضًا. العلم والتربية لا ينفصلان. المدرسة لا تربّي أفرادًا سوف يعيشون وحيدين أو جنبًا إلى جنب في المستقبل بل أشخاصًا سوف يعيشون في عائلة، في مجتمع، في وطن".
تابع البطريرك كلمته، قال: "التربية الشاملة تأخذ بعين الاعتبار هذه كلّها، وإلّا تكون تكتفي ببناء ربوتات وذكاءات اصطناعيّة. التربية الشاملة لا تكوّن روبوتات علميّة. إنّها تكوّن الإنسان في كلّ أبعاده، العلميّة والعاطفيّة والمجتمعيّة والفيزيائيّة والروحيّة. في وسع الذكاء الاصطناعيّ من اليومَ فصاعدًا، من الناحية العلميّة، أن يكون خزّانًا من العلوم والمعلومات العلميّة...على الرغم من ذلك، ما زالت التربية ضروريّة في حياتنا لأنّنا لا نعطي معلومات وعلومًا فقط بل نكوّن إنسانًا...الطلّاب ليسوا أرقامًا بل أشخاص، والطالب لا يقاس بعلاماته فقط بل بشخصيّته كلّها: كيف يفكّر وكيف يشعر وكيف يتعاطى مع الآخرين وما هي مقدرته على العمل الجماعيّ، إلخ... وإلّا ما الفرق بينه وبين الروبوت أو الذكاء الاصطناعيّ؟"
أكمل البطريرك كلامه على الفرديّة قال: "الفرديّة التي نعيش في لبنان، أن يتدبّر كلُّ واحد منّا أموره بنفسه، أكان على مستوى الفرد أم على مستوى الجماعة، هي نتيجة حتميّة لانعدام الرؤية الكلّيّة والتربية الشاملة. كذلك القول عن انعدام النظام وتعاظم الفوضى وإهمال المصلحة العامّة في كلّ المجالات، ومنها مع الأسف الطائفيّة نفسها التي تستولي على تفكيرنا والتي ليست في الواقع سوى فرديّة جماعيّة، ليست سوى فرديّة منقولة إلى مجموعة لا يُعتدّ بها لبناء وطن.
الرؤية الكلّيّة والتربية الشاملة اللتان الكلامُ عليهما، تقعان على ثلاثة: أوّلًا الأسرة التي هي المدرسة الأولى لتعلّم الطفل، حيث يتعلّم الطفل أمثولات الحياة الأولى ويعيش الحبّ والانضباط والمسؤوليّة والقيم التي يؤمن بها الأهل. وثانيًا المدرسة التي هي أكثر من مكان للتعلّم، التي هي بيئة منتظمة حيث يتمكّن الطلّاب من أن ينموا شخصيًّا ومجتمعيًّا، بالتعاون بين المدرّسين والأهل وبتطوير الكفاءات المجتمعيّة وبالتعلّم بالاختبار وبالمساندة الشخصيّة الفرديّة. وثالثًا المجتمع، مكان الفرص المتاحة والتحدّيات القائمة، حيث يتعلّم الطالب أن يكون له دور في الجماعة وأن ينخرط في الحياة المدنيّة وأن يعيش التنوّعيّة وقبول الآخر".
تطرّق البطريرك إلى دور كلٍّ من هذه العناصر الثلاثة بما يمكن اختصاره بـ: الأهل، والمدرسة، والمجتمع سلسلة مترابطة إن عملت حلقاتها بسلاسة، أعطت ثمارًا شهيّة ولا يسع أيّ حلقة منها أن تتلكّأ على الأخرى.
ثمّ انتقل البطريرك العبسي إلى تهنئة الطلّاب المتخرّجين وأهلهم، وإلى الشكر الذي وجّهه إلى الأب الد. شربل أوبا، رئيس المدرسة الكلّيّة الشرقيّة والطاقم المدرسيّ كلّه فردًا فردًا والرهبانيّة الباسيليّة الشويريّة التي سعت، "منذ التأسيس إلى أن يكون للكلّيّة الشرقيّة الرؤيةُ الكلّيّة والتربية الشاملة".
واستسمح الحضور قبول فكرةٍ روحيّةٍ صغيرةٍ منه يضعها أمانةً لديه: في سعينا إلى البلوغ إلى إنسانيّة راقية وسامية قد نيأس ونتعب ونفشل. فلنتذكّر عندئذ أنّ يسوع قادر أن ينتشلنا من فشلنا ورسوبنا إن اقتربنا منه أو تركنا له مجالًا للاقتراب منّا...إن نحن عشنا معه نسمع كلامه ونعمل بما أوصانا أن نعمل به...السيّد المسيح ينجح في كلّ ما يعمل وكذلك الذي يعيش مع السيّد المسيح ينجح في كلّ ما يعمل، إن لم يكن في الساعة عينها ففي ساعة أخرى، فالنجاح آت وإن تأخّر ومهما تأخّر. المطلوب والمهمّ أن تكون ثقتنا كبيرة وراهنة وقويّة، متذكّرين دومًا قول يسوع لنا "ثقوا"، "لاتخافوا"، "تقدّموا إلى العُرض وألقُوا شباككم". وليكن شعارنا: إنسانيّة من دون الله إنسانيّة فاشلة، وإنسانيّة مع الله إنسانيّة ناجحة".