لبنان
24 تموز 2019, 06:30

العبسيّ ترأّس الصّلاة لراحة نفس مطران نيوتن في جون

ترأس بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، الثّلاثاء، في كنيسة دير المخلّص- جون، الصّلاة لراحة نفس رئيس أساقفة نيوتن السّابق للرّوم الكاثوليك المطران جان عادل إيليّا، عاونه فيها راعي أبرشيّة زحلة والفرزل للكاثوليك عصام درويش، ومطران صيدا ودير القمر لطائفة الرّوم الكاثوليك إيلي بشارة الحدّاد، والرّئيس العامّ للرّهبانية المخلّصيّة الأرشمندريت أنطوان ديب، ورئيس دير المخلّص الأرشمندريت نبيل واكيم، وعدد من المدبّرين والكهنة.

 

وشارك في الصّلاة كلّ من: راعي أبرشيّة صيدا ودير القمر للطّائفة المارونيّة المطران مارون العمّار ممثّلاً البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، المطران جورج أسادوريان ممثّلاً بطريرك الأرمن الكاثوليك غريغوار بطرس غبرويان، والمونسينيور إيفان سانتوس ممثّلاً السّفير البابويّ المطران جوزيف سبيتيري، رئيس أساقفة الولايات المتّحدة المطران نقولا السّمرا، المطارنة: جورج بخعوني والياس كفوري وميخائيا أبرص ونيقولاأانتيبا، الرّئيسة العامّة للرّاهبات المخلّصيّات الأمّ تريز روكز والرّئيسة السّابقة منى وازن، ولفيف من المطارنة والإكليروس من الكنائس كافّة؛ إضافة إلى حضور رسميّ بارز.

بعد تلاوة الإنجيل المقدّس والصّلاة، ألقى الأرشمندريت ديب كلمة ترحيبية بالحضور، تحدّث بعدها البطريرك العبسيّ فقال نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "إجتمعنا في هذه اللّحظات الخاشعة لنرافق بالصّلاة إلى المثوى الأخير أخانا المطران جان عادل إيليّا، الّذي ناداه الله تعالى إليه منذ أيّام عن واحد وتسعين عامًا. اجتمعنا لنضع بين يدي الخالق هذا الرّاهب والكاهن والمطران الّذي خدم الرّبّ بأمانة فاستحقّ أن يسمع منه هذه الكلمات العذبة: "لقد كنت أمينًا في القليل وأنا أقيمك على الكثير فادخل إلى فرح ربّك.
نداء الله لأخينا المطران جان عادل اليوم تتويج بإكليل البرّ لنداء أوّل سمعه مذ كان في الثّانية عشرة من عمره فلم يتردّد حينذاك بل انطلق إلى دير المخلّص ليترهّب فيه وينذر نفسه لله، ليعمّق النّداء ويحفره في قلبه وفكره حتّى أوصال الجسد. فتمّ له ما ابتغاه وقبل للنّذور البسيطة في عام 1945 وللنّذور الاحتفاليّة في عام 1949 ورسم من ثمّ كاهنًا عام 1952 فصار هكذا على استعداد للانطلاق إلى العمل في حقل الرّبّ. عطاءات الرّبّ الكثيرة المتنوّعة الّتي نالها الرّاهب الكاهن عادل، من توقّد الذّهن والجدّيّة ودماثة الأخلاق وطيب المعشر والرّصانة والالتزام والحكمة والفطنة وغيرها الكثير، قابلها بعطاء ذاته لله بشكل كلّيّ كامل لا تراجع عنه ولا تردّد فيه، فانكبّ على نهل الفضيلة والعلم يسلّح ذاته بكلّ ما يؤهّله ليكون على قدر النّداء الّذي سمعه، ممّا جعل رؤساءه يتوسّمون فيه خيرًا كبيرًا فأرسلوه في عام 1948 إلى روما لتحصيل المزيد من العلوم والثّقافة الدّينيّة. فكان لهم ما أرادوا في عام 1952.
ومن ثمّ عاد الكاهن الشّابّ للعمل في حقل الرّبّ فتنقل، بين العامين 1952 و1986، بين مراكز ورعايا وأديار كثيرة متنوّعة في لبنان والأردنّ والولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا، منها الرّفيع ومنها المتواضع، بين الإدارة والتّعليم والخدمة الرّعويّة، على حسب ما كان يرى رؤساؤه، وكان في كلّ منها الخادم الأمين الّذي يعمل كمن سيؤدّي حسابًا على حسب قول القدّيس بولس. لا شكّ أنّ تلك الأعمال الكثيرة المتنوّعة الّتي أسندها إليه رؤساؤه تدلّ على طاقات الكاهن عادل الفكريّة والإنسانيّة، إلّا أنّها تدلّ أوّلاً على فضيلة الطّاعة الّتي تحلّى بها والّتي مارسها بتواضع وثقة ورضى وفرح، تلك الفضيلة الّتي هي في نظر الكنيسة من أسس الحياة الرّهبانيّة والكنسيّة. أن يرى الرّاهب دومًا في مشيئة الرّؤساء وتدبيرهم مشيئة الله وتدبيره ليس دومًا بإلهين، فقد تشوب إرادة الرّؤساء أشياء تجعلنا نشكّ بأن تكون إرادة الله. وبالرّغم من ذلك فإنّنا نعمل بها. هذه الطّاعة من علامات القداسة وفي أساسها المحبّة. فلكي تطيع يجب قبلاً أن تحبّ. هذا ما علّمنا إيّاه القدّيس بولس حين قال: "إن محبّة المسيح تحثّنا". في طاعة أخينا المنتقل جان عادل محبّة. لكن طاعة الرّاهب عادل لم تكن طاعة للرّؤساء وحسب، بل امتدّت إلى طاعة للقوانين والأنظمة والتّقاليد الرّهبانيّة والكنسيّة. فكان لها في كلّ مراحل حياته وفي كلّ أعماله الرّاهب الكاهن المحترم ليقينه بأنّها تساعد على أن يقدّس بها ذاته ويقدّس الآخرين. ولم تكن روح الدّعابة الجميلة النّاعمة الّتي كان يتحلّى بها لتصدّه عن ذلك.
كان رجل الواجب. ففي جماعته الرّهبانيّة كان الرّاهب الحاضر دومًا يزرع فيها حياة وفرحًا واندفاعًا وأخوّة، والكاهن المواظب على صلاة الفرض والاحتفال باللّيتورجيا الإلهيّة يوميًّا. وكان في الخدمة الرّعويّة الرّاعي الصّالح الّذي يقوم بواجبه وبكلّ ما تطلبه منه هذه الخدمة من صلوات ونشاطات وزيارات على تنوّعها. هكذا نال محبّة الجميع وتقديرهم واحترامهم، في الدّاخل وفي الخارج.
في اليوبيل الكهنوتيّ الخمسينيّ الّذي أقيم له في عام 2002 في الولايات المتّحدة، وقد كان حينها مطرانًا، عدّد له المؤمنون خمسين حسنة اتّصف بها سيادته. من هذه الحسنات ما قد يناله المرء بالفطرة أو حتّى بالتّعلّم، إلّا أنّها بالنّسبة إلى الرّاهب والكاهن تأتي خصوصًا من مصادقة للرّبّ يسوع. الحياة الرّهبانيّة في الأصل اختيار الصّداقة مع الرّبّ يسوع، اختيار العيش معه في الملكوت منذ اليوم وعلى الأرض. والرّاحل الكبير كان من الّذين اختاروا الحياة الرّهبانيّة وسيلة لمصادقة السّيّد، اختار أن يكون من أخصّائه ومن مساريه. فانعكست تلك الحياة مع السّيّد إلى فرح ورضى داخليّين توطنّا فيه وطبعا حياته كلّها من ناحية، وانعكست أيضًا تلك الحياة مع السّيّد إلى علاقة حلوة طيّبة مع الآخرين، علاقة سمّتها خصوصًا الوداعة واللّطف والاحترام والودّ والتّواضع والنّقاوة وغيرها من السّمات الّتي نرى فيها ثمارًا من ثمار الرّوح القدس.
كان أخونا المنتقل المطران جان عادل شخصيّة غنيّة بما امتلك وبما عمل. وما كانت الأيّام لتضعف غناه بل لتزيده. وقد أثبت ذلك حين صار مطرانًا. لسنا نسرد سيرة ذاتيّة. إنّما يجدر بنا أن ننوّه بيسير من حياته الأسقفيّة. فقد كان قبل كلّ شيء راعيًا بكلّ معنى الكلمة على مثال السّيّد المسيح الرّاعي الصّالح. فقد عرف عنه قبل كلّ شيء، وفي جميع أنحاء الأبرشيّة، أنّه دائمًا في تصرّف إكليروسه وأبناء أبرشيّته بحيث كان يمكنهم الوصول إليه في أيّ وقت، نهارًا أو ليلاً، عبر الهاتف أو البريد الإلكترونيّ، شعاره في ذلك قول القدّيس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "لقد جعلت نفسي خادمًا للجميع، لكي أربح الجميع. شهد له ثانيًا أنّه كان يتفقّد بانتظام أبنائه حيثما أقاموا، على مساحة الولايات المتّحدة الأميركيّة الشّاسعة، ولو كان عددهم قليلاً، مطمئنًا إلى أحوالهم، مرشدًا وواعظًا ومشدّدًا ومحتفلاً بالقداديس والطّقوس، لاسيّما في الأزمنة الطّقسيّة الكبيرة.
بإنتقال أخينا المطران جان عادل إيليّا تفقد كنيستنا حبرًا جليلاً ترك بصمة فيها، خصوصًا في كنيستنا الّتي في الولايات المتّحدة الأميركيّة الّتي ستبقى تذكّره بأعطر الذّكر. ويفقد سينودسنا أخًا وزميلاً وصديقًا قضينا معه أوقاتًا مقدّسة معطّرة بالرّوح الطّيّبة الّتي كان معروفًا بها، وكان له في ما بيننا آراء وأفكار أغنت تلك الّتي لإخوته المطارنة، يدليها بتجرّد الرّاهب وحماسة المرسل ومحبّة الراعي. وتفقد الرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة ابنًا بارًّا تفتخر بانتمائه إليها وتفرح بانضمامه اليوم إلى تلك الكوكبة من الرّهبان الّذين سبقوه إلى منازل الآب السّماويّ. وتفقد بلدة مغدوشة الّتي أبصر فيها النّور وعاش سنوات الطّفولة أيضًا ابنا حمل اسمها ورفع رأسها حيثما حلّ. وتفقد أبرشيّة نيوتن في الولايات المتّحدة الأميركيّة راعيًا صالحًا وصانعًا من صنّاع تاريخها. 
بهذه التّعزية الإلهيّة أتقدّم من غبطة البطريرك غريغوريوس ومن السّادة المطارنة أعضاء السّينودس المقدّس، ومن أبرشيّة نيوتن في الولايات المتّحدة الأميركيّة ولاسيّما راعيها سيادة المطران نقولا، ومن الرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة، ومن أهالي مغدوشة، ومن أقرباء المنتقل وممّن كان له صديقًا وعارفًا، ومنكم جميعًا أيّها الأحبّاء. ومع الكنيسة نهتف كلّنا بصوت واحد وقلب واحد إلى من وعد بالحياة: "أيّها المسيح، هذا الّذي خدمك على الأرض بغيرة وعبادة مستقيمة وتجرّد واتّضاع، مجّده يا مخلّص في السّماوات".
ثمّ كانت كلمة بإسم مجمع الكنائس الشّرقيّة، تلا بعدها المونسنيور إيفان سانتوس كلمة البابا فرنسيس، ورُفع بعدها جثمان الرّاحل إلى مثواه الأخير في الدّير، تبعته لقمة رحمة فتقبّل للتّعازي في صالون الدّير.