العبسي: الموائد الرّمضانيّة في لبنان ما عادت شأنًا إسلاميًّا بل أخذت طابعًا وطنيًّا
وبحسب الوكالة الوطنية، تحدث البطريرك العبسي قائلاً: "أشكر سيادة الأخ المطران إيلي بشارة الحداد رئيس أساقفة صيدا ودير القمر، الجزيل الاحترام، على الاستقبال الأخويّ الكبير الدافئ، الّذي خصّني به، وأتاح لي أن ألتقي هذه الوجوه النّبيلة من أبناء صيدا والجنوب اللّبنانيّ، والّتي تمثّل العائلة اللّبنانيّة الكبيرة الجميلة بكلّ ألوانها. أشكره على كلمته القلبيّة، التي تفوّه بها. أشكره باسم كنيستنا بنوع خاصّ على المشاريع الإنمائيّة والاجتماعيّة، الّتي يصنعها لأبنائه ولغير أبنائه من أجل أن يعود الذين غادروا، وأنّ يبقى الّذين بقوا حتى يسهموا مع إخوتهم في الوطن، في بناء هذه المنطقة، ويشهدوا لرسالة لبنان في العيش معًا في بيئة متنوّعة غنيّة.
ولا يسعنا نحن، إلّا أنّ نؤازر أخانا المطران إيلي في عمله هذا، الّذي يشجّع أبناءنا على العودة إلى قراهم وبلداتهم.
إنّ النموذج الذي نشهده الآن في هذا اللّقاء، هو النّموذج الذي نعتقد به ونتمسك به ونسعى إلى ترسيخه، ليس لأنّنا وجدنا أنفسنا فيه، وليس لأنّه قدر حتّم علينا، بل لأنّه من صلب الإنجيل الذي يعلّمنا أنّ السّيّد المسيح، بذل نفسه من أجل كلّ إنسان، وأنّ كلّ إنسان هو قريب، وأنّ القريب هو ذاك، الذي تذهب أنت إليه وتجعل منه قريبًا.
أشكر سماحة المفتي سليم سوسن على الكلمة الرّقيقة، التي ألقاها باسم اللّقاء الرّوحيّ، وأشكر أعضاء اللّقاء جميعًا في شخصه الكريم. ما أجمل اللّقاء. وما أجمل لقاءنا في هذا اليوم المشهود من شهر رمضان الفضيل. وما أجمل وما أكثر وما أعمق ما نلتقي عليه، نحن المسيحيّين والمسلمين من أمور في موضوع إيماننا بالله عزّ وجل. يكفي أن نتوقف قليلًا، في هذه المناسبة السّعيدة، على ما يقوم به إخوتنا المسلمون من عبادة في زمن صيامهم، وما نقوم به نحن المسيحيّين في زمن صيامنا أيضًا، حتى نتيقّن ذلك.
في رمضان يقوم المسلمون بفرائض الصّوم والصّلاة والزّكاة، التي هي الأركان الأساسيّة من الأركان الخمسة في الإسلام. ويقوم المسيحيّون كذلك بهذه الأركان عينها بنوع خاصّ أيضًا في زمن صيامهم، وقد أوردها يسوع نفسه في الإنجيل مذكّرًا بأهميتها. يقول في الإنجيل بحسب متى (6: 1-18): "أمّا أنت فمتى صمت فطيب رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للنّاس صائما". "أما أنت فمتى صليت فادخل حجرتك وأوصد الباب وصل إلى أبيك الذي في الخفية". "أما أنت فإن تصدقت فلا تعلم شمالك ما تصنع يمينك". ثلاثة أركان نلتقي عليها جميعًا ونعيشها في زمن الصّيام. هذا اللّقاء الرّوحيّ، وغيره الكثير من اللّقاءات المماثلة، هو الذي يجدر بنا كلنا أن نسعى إليه وننادي إليه، نحن جميع الذين يعبدون الإله الواحد الصّمد، في وجه ما نشهده من تراجع في الدّين وغزو للالحاد بشتّى مظاهره.
شكري الخالص لحضرة الأب طلال تعلب المخلّصيّ، المسؤول عن دار العناية لاستضافته لنا في هذا المكان، الذي صار منارة للمنطقة وللبنان كله في العمل الاجتماعيّ والإنسانيّ والإنمائيّ، يرتاده أولادنا من كلّ الفئات، وينهلون منه العلوم والمهن والفضائل. لبنان كلّه يدين لهذه المؤسّسة بفضل ما تخرّج منها من طلاب أسهموا في نهضته وبنائه في مجالات شتّى، وأسهموا خصوصًا بتعزيز الفكر التّعايشيّ فيه، ذلك الفكر الذي تنشأوا عليه هنا، وتشرّبوه على أيدي المؤسّسين غبطة السّيّد البطريرك غريغوريوس لحّام والمطرانين سليم غزال وجورج كويتر وعلى أيدي من لحقوهم، ذلك الفكر الذي يجمع بين الانتماء إلى الوطن والانتماء إلى الكنيسة أو المسجد، الذي يحفظ لبنان والذي يمتاز به أهل صيدا والجنوب بنوع خاصّ.
الشّكر الموصول للرّهبانيّة الباسيليّة المخلصيّة أمّ هذه الدار، وكم لها من الأيادي البيضاء في هذه المنطقة على الأخصّ، وكم لها من الأثر الطّيب في نفوس الكثيرين، وكم لها من الشّهادة الإنجيليّة الخالصة الصّافية النّاصعة. كافأها الله وأجزل عطاياه عليها. وإن ننس لا ننسى الأصدقاء والمحسنين الكثر. بفضل سخائهم وعطائهم، سواء إلى الأبرشيّة أو إلى الدّار، تمكّن الكثير من أبناء هذه المنطقة من أن يبنوا حياة كريمة سعيدة لهم ولغيرهم. إنّ تضامنهم مع القريب المحتاج أو الضّعيف أو المهمل أو المهمّش أو المنبوذ، أيًّا كان، يقوّي الرّوابط الاجتماعيّة وينقذ الكرامة الإنسانيّة. عوّض الله عليهم أضعاف ما يقدمون.
الموائد الرّمضانيّة في لبنان، ما عادت شأنًا إسلاميًّا، بل أخذت طابعًا وطنيًا. بالأمس كنّا على إفطار في القصر الجمهوريّ جمع لبنان كله. واليوم نحن على إفطار يجمع الجنوب كله. موائد رمضان موائد الإلفة والمودّة. أشكركم جميعًا على تلبية دعوتنا إلى هذا الإفطار. أشكركم على محبّتكم واستقبالكم وحضوركم. تحيتي الصّادقة لكم وتهاني وأدعيتي بهذا الشّهر الصّياميّ الكريم. والشّكر في الفاتحة وفي الخاتمة لله تعالى، الذي يجمع إليه عياله. له المجد والعزّة والإكرام إلى دهر الدّاهرين. كل عام وأنتم بخير".
ثم قدّم طلاب الدّار درعًا تقديريّة للبطريرك العبسي، عبارة عن الشّعار البطريركيّ، كما قدّم ممثّل النائبة الحريري له وللمطران الحداد كتابًا عن صيدا القديمة.