سوريا
22 آب 2023, 10:10

العبسيّ: الطّريق إلى الكمال والخلاص أصبح المسيح نفسه

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ القدّاس الإلهيّ في "الأحد الثّاني عشر بعد العنصرة" في كاتدرائيّة سيّدة النّياح - حارة الزّيتون. وبعد الإنجيل المقدّس ألقى العبسي عظة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

إنّ الحادثة الإنجيليّة التي سردها الإنجيليّ متّى تنطوي على تعليم يجدر بنا أن نتوقّف عنده ونتأمّل فيه فنستنبط منه أمثولة نطبّقها في حياتنا.

يسأل شاب السّيّد المسيح: ماذا عليّ أن أعمل لأرث الحياة، لأدخل إلى الحياة الأبديّة؟ شاب مستقيم يخاف الله ويسعى على ما يبدو، إلى مرضاته تعالى، بتتميم الوصايا، وإلى "الحصول على السّماء"، كما اعتدنا أن نقول. فيجيبه السّيّد ببساطة: إن أردت فقط أن ترضي الله، وضميرك وأن تكون متمّمًا للشّريعة فاحفظ الوصايا. وإذا بالشّاب يردف قائلاً: لقد حفظت الوصايا كلّها منذ صباي.

إنّ السّامع أو الشّاهد لجواب الشّابّ يعتقد أنّ المسيح قد أُسقط في يده وأُفحم. فماذا عساه يردّ على شاب يحفظ ويتمّم الوصايا منذ صباه؟ وإذا بيسوع يتطلّع إليه بمحبّة، كما يلمح الإنجيليّ متّى ويقول: "إذا أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع مالك وأعطه للفقراء... وتعالَ اتبعني".

إنّ في جواب المسيح انتقالاً من درجة إلى درجة، ارتفاعًا إلى درجة أعلى من درجة حفظ الوصايا، وتتميمها، ارتقاء إلى درجة الكمال، طلب من الشّاب أن يرتفع معه إليها. وكان يسوع يقول للشّاب إنّ ما أنت عليه وما تصنعه جيّد وحسن، إنّما هناك شيء أرفع وأهمّ منه، بل لكأنّ السّيّد يقول للشّابّ إنّ ما تصنعه هو أمر بديهيّ، شيء عاديّ، شيء "مفروغ منه"، فيما المطلوب من الذي يريد أن يتبعني ويكون معي هو أن يكون كاملاً.

نستخلص من كلام المسيح أنّ الشّريعة، بما فيها من أوامر ونواهٍ، وبنماذجها الأخلاقيّة والمسلكيّة ما عادت كافيّة كطريق إلى الكمال، وبالتّالي إلى الخلاص، وهذا ما يصرح به بولس بقوله إلى العبرانيّين: "وهكذا قد أُبطلت الوصيّة السّابقة لضعفها وعدم نفعها، لأنّ النّاموس لم يبلغ بشيء إلى الكمال، وإنّما كانت (الوصيّة السّابقة) مدخلاً لرجاء أفضل به نقترب إلى الله" (عبرا: ۱۸-۱۹). إنّ الطّريق إلى الكمال والخلاص أصبح المسيح نفسه: "أنا الطّريق والحقّ والحياة"، وأصبح المسيح نفسه أنموذج الأخلاق: "تعلّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب"، وأصبحت حدود الإنسان هي الله نفسه: "كونوا كاملين كما أن أباكم السّماويّ هو كامل".

إنّ جواب المسيح للشّاب هو خطاب جديد غير معهود، يدلّ على نمط جديد من السّلوك يدعو إليه يسوع من أراد أن يتبعه. وهذا النّمط هو الاقتداء بالمسيح والتّشبّه به، وهذه هي الحياة المسيحيّة أن نقتدي ونتشبه بالمسيح. وبالتّالي فإنّ الجواب على السّؤال ماذا علي أن أعمل لأرث الحياة الأبديّة، هو: عليّ أن أقتدي بالمسيح. لذلك يدعونا القدّيس بولس إلى أن يكون عندنا من الاستعدادات والأفكار والأخلاق ما في المسيح يسوع، ويحثّنا على الاقتداء بيسوع، ويحرّضنا على أن نسعى إلى البلوغ إلى ملء قامة المسيح.

إنّ التّشبّه بالمسيح يتطلّب من الشّاب الغنيّ ليس فقط ألّا يسرق ولا يشتهي مال غيره، كما تنصّ الشّريعة بل أيضًا أن يبيع كل ما يملك ويوزّعه على الفقراء ويمشي خلف السّيّد المسيح. إنّ التّشبه بالمسيح ليس له حدّ ولا، مقياس فيه ينقصنا دومًا ذلك "الشّيء الواحد" الذي أعوز الشّاب وأعوز أيضًا مرتا، ذلك "الشّيء الواحد" الذي يجعلنا نسعى بلا كلل ولا توقّف إلى "العمق" حيث الصّيد الغزير، حيث المسيح، إنّ السّاعي الحقيقيّ إلى المسيح الذي يحبّ المسيح ويعلم خصوصًا بمحبّة المسيح له، يشعر دومًا أنّه مهما فعل فهو يبقى أبدًا مقصّرًا ودون المطلوب. إنّ السّاعي الحقيقيّ إلى المسيح لا يسعى إلى الحصول على سماء وحسب، بل إلى الحصول على سماء فيها "كنز"، وهذا الكنز هو المسيح."