سوريا
03 أيار 2022, 07:50

العبسيّ: الصّلاة الجماعيّة اللّيتورجيّة هي رباط من رباطات الوحدة في الكنيسة

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام الأمسية الرّوحيّة البيزنطيّة الفصحيّة الّتي أقيمت في كاتدرائيّة سيّدة النّياح- دمشق أدّت خلالها جوقتا القدّيس استفانوس المنشئ البطريركيّة والكلّيّة القداسة بمشاركة مرنّمين من أبرشيّة دمشق باقة من التّرانيم، ألقى بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ كلمة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"تحاوروا في ما بينكم بمزاميرَ وتسابيح وأناشيد روحيّة؛ رنّموا وأشيدوا للرّبّ بكلّ قلوبكم؛ وفي كلّ وقت وعلى كلّ حال أشكروا الله الآب، باسم ربّنا يسوع المسيح" (أف 5، 19). وجّه القدّيس بولس هذه الكلماتِ إلى أهل أفسس واضعًا لهم طريقةً لحياة الجماعة تقوم على التّعاضد والتّكامل وعلى الشّكر لله، ومعتبرًا أنّ أسمى أشكال التّعاضد والتّكامل هو التّحاور بالمزامير تُتلى مرنّمةً وبالتّسابيح والأناشيد الرّوحيّة، وفي مخيّلته ما سمعه ورآه النّبيُّ أشعيا في السّماء: الملائكةُ يسبّحون الله ويرنّمون ويصرخون الواحد نحو الآخر بأصوات متّفقة كأنّما بفم واحد: "قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الصّباؤوت".

الصّلاة الجماعيّة اللّيتورجيّة هي القلب الحيّ الّذي ينبض بنبضات حياتنا الرّوحيّة. وأرفع أشكال الصّلاة اللّيتورجيّة الجماعيّة هو تسبيح الجماعة بصوت واحد ونغم واحد يعكس الرّوح الواحد والقلب الواحد. أتينا من أماكن مختلفة ونحمل أفكارًا وآراءَ متنوّعة ولكلّ واحد منّا ما يخصّه، لكنّ التّرنيم جمعنا في هذه اللّيلة وجعلنا واحدًا. التّرنيم الجماعيّ، حيث يحرص المرنّمُ على أن يَسمع المرنّمَ الّذي بجانبه، ويحرصُ على أن لا يخرج عن النّغم والإيقاع وأن يُبقي بصره مشدودًا إلى قائد الجوقة، يمثّل المؤمنَ الّذي يحرص على أخيه المؤمن ويسهر عليه ويتعاون معه مثبّتًا نظره على السّيّد المسيح ليصل إلى الوحدة معه. الصّلاة الجماعيّة اللّيتورجيّة هي رباط من رباطات الوحدة في الكنيسة.

في طقسنا البيزنطيّ الكنسيّ نعتبر التّرنيم مكوِّنًا أساسيًّا من مكوّنات صلواتنا الطّقسيّة. ونرى أنّ التّرنيم الجماعيّ يعبّر عن البعد الكنسيّ العلائقيّ. هو بالتّأكيد أصعب من التّرنيم الفرديّ. هدفه أن يعكس وحدة المؤمنين على مثال وحدة الملائكة. بالتّرنيم نتّحد كذلك مع آبائنا الّذين رنّموا وسبّحوا الله في هذه الكنيسة وفي كلّ الكنائس لأنّ صدى ترنيمهم لا يزال يتردّد بين جدرانها وحناياها منضمًّا إلى صوتنا.

في هذه الأمسية الفصحيّة الرّوحيّة، رفعَنا جوقُ المرنّمين إلى عالم روحيّ سامٍ وجعلنا نشعر بالوحدة فيما بيننا ومع الملائكة الّذين يحيطون بالله ويرنّمون له ويسبّحونه في كلّ حين. لقد لمسنا وسمعنا كيف يرتّل المرنّمون وكأنّهم صوت واحد عاكسين بذلك الوحدة الّتي تجمع المؤمنين. لا شكّ أنّهم تعبوا وسهروا كثيرًا ليصلوا إلى هذا المستوى الرّفيع من الأداء والجودة. في تعبهم وسهرهم دعوة لكلّ واحد منّا أن يتعب ويسهر من أجل وحدة الكنيسة.

أتوجّه بالشّكر الجزيل لأبنائي أعضاء الجوقتين وللمرنّمين من أبناء أبرشيّتنا المباركة الّذين شاركوا في هذه الأمسية ومن بينهم كهنة ورهبان. جعلوننا نعيش وقتًا فصحيًّا من الوقت الّذي لا مساء له والّذي أدخلنا إليه السّيّد المسيح بقيامته من بين الأموات. أشكر بشكل خاصّ الأبناء الّذين أتوا من لبنان وقد كرّسوا ساعات طوالًا من وقتهم للتّدريب وتحمّلوا مشقّات السّفر لكي نعيش كلّنا معًا هذا الاختبار الرّوحيّ المميّز. هذه الأمسية شهادة إنجيليّة ناصعة منهم ورسالة واضحة ترينا كيف يكون المسيحيّ ذلك الإنسان الجديد القائم المتحرّر الّذي يأبى أن توضع له حدود أيًّا كان نوعها وأن يبقى مغلقًا عليه بباب القبر. أشكر بشكل خاصّ حضرة الأب المدير رومانوس الأوسطة على كلّ ما قدّمه ويقدّمه في خدمة كنيستنا بتعليم الموسيقى البيزنطيّة والسّعيِ لنشرها بين أبنائنا الشّبّان والشّابّات. كلّنا أمل أن تكون هذه الأمسية سابقة لغيرها من الأمسيات وعلى مستواها الرّفيع في الأداء والتّحضير والتّعاون بين المرنّمين. وكلّنا أمل أن نزرع في قلب شبابنا وأطفالنا المعرفة الصّحيحة للموسيقى البيزنطيّة التّراثيّة وأن نعلّمهم محبّتها ونشجّعهم على دراستها والتّمرّسِ فيها وإتقانها لتكون لهم مدخلًا إلى حياة الصّلاة وحياة التّأمّل. أشكر أيضًا كلّ الّذين تعبوا في تحضير هذه الأمسية وإنجاحها وبشكل خاصّ قناةَ تيلي لوميار الّتي تنقل هذه الأمسية مباشرة، وأبنائي في استوديو سمير الّذين يصوّرون كلّ نشاطات البطريركيّة، والسّيّدَ الياس عيسى الّذي قدّم التّجهيزات الصّوتيّة والضّوئيّة، والكشّافَ وتلامذة مدرستنا الموسيقيّة الدّمشقيّة على مساعدتهم في التّنظيم. أستمطر بركة الرّبّ يسوع القائم عليهم وعليكم أيّها الأحبّاء الحاضرون وعلى الّذين يتابعون عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، داعيًا الجميع، الجوق والحضور، إلى أن نرنّم معًا بعضنا مع بعض ترنيمة القيامة ونختتمَ بها أمسيتنا الرّوحيّة."