لبنان
26 شباط 2018, 10:14

الصّوم تطهير للنّفس وللجسد

لا يكفي صوم الخبز بل صون القلب، يقول كتاب القدّاس المارونيّ صفحة 233: لا يكفي صوم الخبز بل صون القلب عن كلّ شرّ، "للعقل الصّوم نور، للجسم قهر، للنّفس طهر، للقلب البرّ سور ضدّ الأهواء...

 

في هذا الصّوم المقدّس تنتفي ضمائرنا وتطهر قلوبنا ونسير نحو فصحك وقيامتك السّير الحسن.

يسوع صام وعلّمنا ​الصّيام​

الصّوم هو عودة الخاطئ إلى الحبّ والرّحمة الإلهيّة، هو الرّجوع إلى أحضان الآب والتّوبة وطلب المسامحة والغفران.

الصّوم هو الدّرع الواقي والدّواء الشّافي لمعطوبيّتنا وذهابنا بعيدًا عن البيت الوالديّ كما فعل الابن الضّال أو الابن الشّاطر. يسوع علّمنا بصيامه غاية الحياة وجوهرها ومعنى الوجود، فتليّن قساوة قلوبنا وغلاظة رقابنا وعماء قلوبنا وثورة شهواتنا وغرائزنا والخروج من صحراء فريستنا ومظاهرنا الكاذبة.

الصّوم ترافقه الصّلاة وأعمال الرّحمة فبالصّوم والصّلاة "تطهر النّفوس وتعتق الأجساد، ويسطع نور المسيح على الصّائمين والمصلّين، بالصّوم والصّلاة تعلو الرّوح وتنتفي الأهواء وتفيض الرّحمة الّتي خلقت لتكون مسكن الله"(كتاب القدّاس صفحة 236).

"بالصّوم يفتح باب السّماء، من صام يمنح ملك العلاء، ربّي إقبل صلاتي وصومي قربانًا"(كتاب القدّاس صفحة 238).

لذلك نحن نصلّي ليغمرنا الله بعطفه ورحمته ويغفر خطايانا ويعطينا الشّفاء، ويردّ التّائبين إليه ويعزّي المحزونين ويقوّي الضّعفاء ويشبع الجياع ويسدّ عوز المحتاجين. ويشفي الطّبيب السّماويّ برص الخطيئة فينا وعمى الشّهوات: شهوة الجسد شهوة المال وشهوة السّلطة والمجد ويشفي تخلّعنا وتعرّجنا على الجانبين. ليس الصّوم "رجيمًا جسديًّا"Regime  بل هو توبة روحيّة وتطهير للذّات من الخطيئة والموت.

الصّوم الطّبيعيّ واجب من السّاعة 12 ليلاً وحتّى السّاعة 12 ظهرًا، ولا يحقّ لنا أن نحوّله إلى تصرّف شخصيّ ولو كان مقبولاً، مثل الامتناع عن الدّخان أو القهوة أو الشّوكولا أو الحلويات أو الأمور الأخرى كهذه، وشرب المياه لا يكسر الصّوم. هذه أعمال وإماتات محبّبة ومقبولة لكن يجب ألّا نكتفي بها ونلغي الوصيّة الكنسيّة والاقتداء بيسوع المسيح​ الّذي صام. علينا أن نقتدي بيسوع ولا نخلط أو نمزج بين رأينا الشّخصيّ Opinion Personnel وبين تعليم الكنيسة Enseignement ecclésiales وكما صام يسوع علينا أن نصوم (سفر الأعمال 13:2، عن صوم الرّسل: وسفر زكريّا 19:8 واستير ونحميا وعدرا ويوئيل ودانيال 21:1 وداوود صام مزمور 24:9،10).

الآباء القدّيسون صاموا وصلّوا

والآباء القدّيسون صاموا وصلّوا والنّسّاك والحبساء وأهلنا علّمونا الصّيام، وأكلنا نحن وإيّاهم طوال الصّوم "الأكل القاطع" واكتفينا بالمسلوق والزّيت والخبز "وطوينا" معهم صيام أيّام ​الجمعة العظيمة​. ولم نمت، ألم يقل المثل: ما حدا مات من الجوع بل منهم من مات من كثرة الشّبع (التّعاليم الرّسوليّة).

الصّوم عن البغض والحقد

علينا أن نصوم عن الطّعام والمأكل والمشرب من نصف اللّيل حتّى نصف النّهار لكن المرضى وكبار السّنّ والأطفال يمكنهم ألّا يصوموا.

لكن علينا أن نصوم أيضًا عن الكذب والنّميمة والكره والحسد والبغض والكبرياء وقساوة القلب والكلام الجارح. وعلينا أن نغفر ونصالح ونسامح ونحبّ، وإلّا كان صومنا طقوسيّة فارغة كاذبة وفرّيسيّة مكروهة، صوموا عن الكره والبغض. لا يكفي الصّوم فقط عن الطّعام ونحن ننهش ونأكل غيرنا ونجرّح بصيته وسمعته وكرامته. ونهين شخصه البشريّ لا يكفي صوم المعدة عن الطّعام وقلبنا يحمل جمر الكره والحقد والحسد والبغض والغيرة والشّهوات الدّنسة، القاتلة والكبرياء والنّرجسيّة والأنانيّة وحبّ الذّات وعبادتها.

لا تكذبوا

الصّوم رحلة في الصّحراء، صحراء الذّات وصحراء العالم هو رحلة في بحر التّجارب والشّهوات والرّغبات وأمواج قلوبنا الدّنسة المليئة بالشّرّ والخطايا.

لا نفع ولا أجر لصوم طقسيّ طبيعيّ فقط وقلبنا يملأه الشّرّ والبغض والكره والحسد. هذا كذب ونفاق على الذّات وعلى الله حيث نصبح كالقبور المكلّسة وداخلنا نتن وقيح ودود أزرق.

وكما يقول القدّيس يوحنّا فمّ الذّهب (407) "إنّ الّذي جعل في أيدينا ليس لنا وحدنا بل لنا وللمعوزين على السّواء"، "الصّوم هو أن تحلّ أغلال الإثم وتقطع ربط الظّلم... وتكسر خبزك للجائع وتُؤوي الغريب وتنصف الأيتام والأرامل" فأنت سارق ولصّ إذا احتفظت لنفسك بالفائض عنك.

أمّا القدّيس الحقّ السّريانيّ فيقول "الصّوم بدء طريق الله المقدّس أمّا أفراهات الحكيم الفارسيّ فيقول "بالإيمان والصّوم يعدو الإنسان هيكل الله". وكذلك القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ يعلّمنا الصّوم والصّلاة وإفراغ الذّات من الذّات.

أفراهات الحكيم الفارسيّ يقول إن الصّوم أنواع: منهم من يصوم عن الخبز والماء حتّى يجوع ويعطش ومنهم من يصوم بغية الحفاظ على البتوليّة... ومنهم من يصوم بالقداسة، ومنهم من يصوم عن اللّحم والخمر وأنواع المآكل ومنهم من يصوم عن الكلام السّيّء، ومنهم من يصوم عن الغضب ومنهم من يصوم عن الرّغبات... ومنهم من يصوم عن كلّ هذه صومًا واحدًا (البيان الثّالث في الصّوم).

أمّا باسيليوس الكبير فيقول: الخبز الّذي تحفظه في المخبأ وهو ملك للجائعين، والثّوب الّذي تقفل عليه الخزانة هو ملك للعراة. والحذاء الّذي يتلف عندك هو ملك للحفاة والذّهب الّذي تدفنه هو ملك للمحتاجين. فأنت مجحف بحقّ الّذين تستطيع أن تسدّ حاجتهم ولا تفعل" (العظة 6).

صوم وصلاة وعطاء

علينا في الصّوم أن نصلّي ونصوم ونعمل أعمال الخير... أينما وجد أناس يعدمون الأكل والشّرب والكساء والمسكن أو يتألّمون من نقص الدّواء والعمل والتّعليم ووسائل الحياة الإنسانيّة الحقّة. أو يعذّبون من جرّاء المحن والامراض أو يتحمّلون النّفي والسّجن هناك يجب أن تبحث عنهم المحبّة ​المسيحيّة​. وأن تجدهم وأن تعزّيهم بعناية نشيطة وأن تفرح عنهم بالمساعدات الّتي تقدّمها لهم... (قرار مجمعيّ في رسالة العلمانيّين، 8).