السّماء ليست مكانًا مملًّا!
وانطلق الأب الأقدس تأمّله انطلاقًا من القراءة الأولى في كتاب أعمال الرّسل والّتي فيها خطب بولس في مجمع إنطاكيا قائلاً: "إنَّ أَهلَ أُورَشَليمَ ورُؤَساءَهم لم يَعرِفوا يسوع وحَكَموا علَيه وطَلَبوا إِلى بيلاطُسَ أَن يَقتُلَه. وبَعدَما أَتَمُّوا كُلَّ ما كُتِبَ في شأنِه، أَنزَلوه عنِ الخَشَبَة ووَضَعوهُ في القَبر. غَيرَ أَنَّ اللهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، فتَراءَى أَيَّامًا كَثيرةً لِلَّذينَ صَعِدوا معَه مِنَ الجَليلِ إِلى أُورَشَليم. وهُمُ الآنَ شُهودٌ له عِندَ الشَّعب. ونَحنُ أَيضًا نُبَشِّرُكُم بِأَنَّ ما وُعِدَ بِه آباؤُنا قد أَتَمَّه اللّهُ لَنا نَحنُ أَبناءَهُم، إِذ أَقامَ يَسوعَ".
وفي هذا الصّدد، قال البابا نقلاً عن "إذاعة الفاتيكان": "وإذ حمل الشّعب هذا الوعد في قلبه انطلق في المسيرة يعضده اليقين بأنّه "شعب مختار"؛ فالشّعب الّذي غالبًا ما لم يكن مخلصًا كان يثق بوعود الله لأنّه كان يعرف أنَّ الله أمين ولذلك كان الشّعب يسير قدمًا واثقًا بأمانة الله. نحن أيضًا نسير ونقوم بمسيرة ولكن عندما نسأل أنفسنا هذا السّؤال: "نعم أنا أسير ولكن إلى أين؟"، إلى السّماء! ولكن ما هي السّماء؟ وهنا نبدأ بإعطاء إجابات خاطئة لأنّنا لا نعرف جيّدًا ما هي السّماء. غالبًا ما نفكّر أنَّ السّماء هي أمر مجرّد وبعيد... ومن ثمَّ هناك من يفكّر أيضًا بأنّه مكان مملّ علينا أن نقيّم فيه مدى الأبديّة. لا! السّماء ليست هكذا! نحن نسير نحو لقاء: إنّه اللّقاء النّهائيّ مع يسوع.
إنّه لقاء سيجعلنا نتنعّم للأبد لأنَّ يسوع، الإله والإنسان، يسوع بجسده ونفسه ينتظرنا؛ ولذلك علينا أن نعود دائمًا إلى هذه الفكرة: "أنا أسير في حياتي لكي ألتقي بيسوع". ولكن قد يسأل البعض: "وماذا يفعل يسوع في هذا الوقت؟" بالتّأكيد هو ليس جالسًا ينتظر وإنّما كما يقول لنا الإنجيل هو يعمل من أجلنا، كما قال: "تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضًا. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقامًا؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقامًا أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضًا حَيثُ أَنا أَكون".
وما هو عمل يسوع؟ عمل الشّفاعة وصلاة الشّفاعة. يسوع يصلّي من أجلي وأجل كلِّ فرد منّا. ولكن علينا أن نكرّر هذا الأمر لكي نقنع أنفسنا بأنّه أمين ويصلّي من أجلي في هذه اللّحظة أيضًا. وذكّر البابا في هذا السّياق بكلمات يسوع لبطرس في العشاء الأخير عندما وعده قائلاً: "سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة. ولكِنَّي دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ. وأَنتَ ثَبَّت إِخوانَكَ متى رَجَعْتَ". وما قاله لبطرس يقوله لنا جميعًا أيضًا: "أنا أصلّي من أجلك".
يجب على كلّ فرد منّا أن يقول "يسوع يصلّي من أجلي" هو يعمل ويعدُّ لنا مُقامًا. هو أمين ويقوم بذلك لأنّه وعدنا وبالتّالي فالسّماء ستكون لقاء، لقاء مع الرّبّ الّذي سبقنا ليُعدَّ لنا المكان، ستكون اللّقاء لكلّ فرد منّا وهذا الأمر يمنحنا الثّقة ويجعلنا ننمو في الثّقة؛ لأنَّ يسوع هو الكاهن والشّفيع حتّى نهاية العالم. ليعطنا الرّبّ هذا اليقين بأنّنا نسير مع هذا الوعد؛ وليعطنا هذه النّعمة بأن ننظر إلى العلى ونفكّر قائلين: "إنّ الرّبّ يصلّي من أجلي!".