لبنان
01 تشرين الأول 2019, 05:00

الرّاعي يدعو العائلات إلى تلاوة الورديّة المقدّسة

نقل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي أمس، خلال التّنشئة المسيحيّة، مضمون الفصل التّاسع والأخير من الإرشاد الرّسوليّ "المسيح يحيا" للبابا فرنسيس، متوقّفًا عند "تمييز الدّعوة"، متناولاً ثلاث نقاط: التّمييز وكيفيّة تمييز الدّعوة، ودعوة الصّديق، فقال:

أوّلاً، الإرشاد الرّسوليّ: "المسيح يحيا" لقداسة البابا فرنسيس
"1. التّمييز (الفقرات 278- 282)
عندما يطرأ شيءٌ جديدٌ في حياتك يجب تمييز مصدره: أهو من الله أم من روح العالم، أم من روح الشّيطان. هذا التّمييز يحتاج إلى نور العقل والفطنة، وبخاصّةٍ إلى الولوج في عمق سرّ المشروع الوحيد وغير المتكرّر الذي يضعه الله لك دون سواك. هنا أنت أمام معنى حياتك لدى الله الآب الذي يعرفكَ ويحبّك. في هذا الإطار تدخل تنشئة الضّمير، لكي ينمو التّمييز بالأمانة لله. إنّ تنشئة الضّمير هي مسيرة الحياة بأكملها بحيث تغتذي من "أخلاق المسيح، الذي، وهو الله، لم يحسب هذا مغنمًا، بل أخلى ذاته، وصار على شبه البشر، وأخذ صورة عبدٍ وأطاع حتّى الوت، موت الصّليب، فرفعه الله..." (فيل5:2) (الفقرات 279-281).
2. كيف تميّز دعوتك؟ (الفقرات 283- 286)
تمييز الدّعوة يقتضي مساحات انفراد وصمت، لأنّ القرار شخصيٌّ تمامًا، ولا أحد يحلّ مكانك فيه. بالصّمت والصّلاة المتواصلة نستطيع تمييز صوت المسيح الذي يدعو، وتفسير الإيحاءات التي تصل إلينا، فنكوّن وجودنا على ضوء هذه الإيحاءات الآتية من الله.
إنّ تمييز دعوتي الخاصّة تقتضي أن أطرح الأسئلة التّالية:
هل أعرف ذاتي بما وراء الظّواهر والمشاعر؟ هل أعرف ما يفرح قلبي وما يحزنه؟ ما هي نقاط قوّتي ونقاط ضعفي؟ كيف أستطيع أن أخدم بشكلٍ أفضل، وأكون مفيدًا للعالم وللكنيسة؟ ما هو مكاني على هذه الأرض؟ ماذا أستطيع أن اقدّم أنا للمجتمع؟ هل لديَّ القدرة للقيام بهذه الخدمة؟ وهل أستطيع الحصول عليها وتنميتها؟
هذه الأسئلة لا أطرحها فقط بالنّسبة إليَّ شخصيًّا وإلى أميالي، بل وبخاصّةٍ بالنّسبة إلى الآخرين، بحيث يأتي تمييز دعوتي مرتبطًا بعلاقتي معهم. فيكون السّؤال الأساس لا "من أنا؟" بل "من اجل من أنا؟" أنتَ من أجل الله، دونما شكّ. لكنّه هو أرادك أن تكون من أجل الآخرين. ووضع فيك الكثير من الصّفات والأميال والعطايا والمواهب التي ليست لك، بل للآخرين.
3. دعوة الصّديق (الفقرات 287- 290)
لتمييز الدّعوة الخاصّة يجب التّأكّد أنّها من صديقٍ هو يسوع. الصّديق يُهدي ما يبهج صديقه. فيرى بعين الفكر ابتسامته وهو يفتح الهديّة. تمييز الصّداقة هذا هو مثالٌ لفهم إرادة الله عليّ. عندما يفكّر الله بكلّ واحدٍ، وبكلّ ما يريد أن يُهديه، إنّما يفكّر به كصديقٍ شخصيّ. فيخصّه بهذه النّعمة وهذه الموهبة وهذه القدرة، التي تجعله شخصًا مفيدًا للمجتمع. فإنّها تُفرحه وتجعله سعيدًا، كالذي يقبل هديّةً من صديقه ويفرح بها. ما يعطيك الله ليس خارق العادة، بل على قياسك، وعلى مدى حياتك.
هديّة الدّعوة متطلّبة، لأنّها تقتضي المجازفة واتّخاذ خياراتٍ تساعد الهديّة على النّضوج، والتّحوّل إلى عطيّةٍ من أجل الآخرين. عندما يخصّك الله بدعوةٍ، لا يفكّر فقط بما أنتَ الآن، بل بكلّ ما ستصبح بنعمته وبخدمتك للآخرين، حتّى باختباراتك الإيجابيّة والسّلبيّة. إنّ المنارة الهادية لحياتك نحو الميناء تبقى الصّداقة غير المشروطة التي يقدّمها لك المسيح الذي دعاك ويدعوك كلّ يوم."
ثمّ تابع الرّاعي متوقّفًا عند شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر، شهر الورديّة المقدّسة وقال: 
"الأحد المقبل، وهو الأحد الأوّل من شهر تشرين الأوّل، تحتفل الكنيسة بعيد سلطانة الورديّة المقدَّسة وتتلو ورديّتها. سنخصّص ابتداءً من اليوم، حديثًا عن الورديّة المقدَّسة، نستلهمه من "الرّسالة الرّسوليّة" للقدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني: "ورديّة العذراء مريم".
1. مسبحة الورديّة ذات طابعٍ مريميٍّ، ولكن محورها يسوع المسيح، كما نرى في كلٍّ من أسرار الفرح والنّور والحزن والمجد. وفيما تضعنا الأحداث الخلاصيّة في شركة حياةٍ مع يسوع من خلال قلب أمّه، نستطيع أن نجمع في بيوت المسبحة جميع أحداث حياتنا الخاصّة الفرديّة والعائليّة، وحياة بلادنا والكنيسة والبشريّة، وأحداث أقربائنا الذين يشغلون قلبنا بالأكثر (الفقرتان 1 و2).
2. أعطى القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني هذه الشّهادة الشّخصيّة: "منذ سنيّ حداثتي كان لصلاة الورديّة مكانة هامّة في حياتي الرّوحيّة. لقد رافقتني في أزمنة الفرح، وفي أزمنة المحنة، وسلّمتها اهتمامات عديدة، وفيها وجدتُ العزاء. إنّها إلى الآن صلاتي المفضّلة. إنّها رائعة في بساطتها وعمقها. كم من نِعمٍ حصلتُ عليها من العذراء مريم من خلال الورديّة طيلة الخمس وعشرين سنة من خدمتي الحبريّة" (الفقرة 2).
3. الورديّة هي التّأمّل في وجه المسيح، برفقة أمّه القدّيسة وفي مدرستها. وتقود إلى قلب الحياة المسيحيّة، لكونها مختصر الإنجيل (الفقرة 3). بالنسّبة إلى اللّيتورجيّا، الورديّة تشكّل ركيزةً لها، لأنّها تهيّئ لها، وتردّد صداها، وتدعو إلى عيشها بملء المشاركة الدّاخليّة من أجل قطف ثمارها للحياة اليوميّة. وبالنسّبة للحركة المسكونيّة، الورديّة توجّه نحو المحور المسيحانيّ للإيمان المسيحيّ، بحيث أنّ الابن، من خلال الاكرام المقدَّم لأمّه، يُعرف ويُحَبّ ويُمجَّد (الفقرة 4).
4. في ظهورات لورد وفاطيما، طلبت السيّدة العذراء بإلحاحٍ صلاة الوردية من أجل نهاية الحروب وإحلال السّلام. وقد طالب البابوات بتلاوتها من أجل التماس هبة السّلام من الله. ففي تلاوة الورديّة نغوص في تأمّل سرّ "من هو سلامنا" الذي جعل "الاثنين واحدًا ونقض الجدار الفاصل، أي العداوة" (أفسس14:2). عندما نتلو الورديّة ترانا مدفوعين في التزامٍ دقيقٍ لخدمة السّلام.
نلتمس السّلام في أوطاننا، وفي وطن يسوع، الأرض المقدَّسة. ونلتمسه في العائلة التي هي خليّة المجتمع وتتهدّدها قوى هدّامة ماديّة وإيديولوجيّة وأخلاقيّة. ولا يمكن الاستعاضة عنها، فمعها نخاف على مستقبل المجتمع بأكمله. فإنّا ندعو العائلات لتلاوة الورديّة عند المساء مع أعضائها كافّةً (الفقرة 6)".

 

المصدر: البطريركيّة المارونيّة