الرّاعي يترأس القدّاس في رعيّة مار شربل في بوخارست_رومانيا
"حضوركم يا صاحب الغبطة، حضور الأب والقائد الذي يجمع ويزور ويلتقي أبنائه بوافر الحبّ والإصغاء، ونحن هنا اليوم فخورين فرحين إنّه بعد ست سنوات مضت على بركتكم وتكريسكم مذبح هذه الكنيسة على اسم مار شربل في أيلول العام 2013 ، ها هي من جديد تتبارك بحضوركم وأبناء هذه الرّعيّة موارنة لبنان وسوريا وفلسطين ومن طوائف المشرق العربيّ
ونعدكم يا صاحب الغبطة أن نحملكم بصلاتنا، طالبين من الرّبّ يسوع أن يبارك كلّ جهودكم، لما تحملون في القلب والفكر من همّ ومصاعب تطال لبنان والشّرق.
نصلّي كي تبقوا صوت الضّمير للوطن وللقيادة، فيستنيروا من مواقفكم ومن حكمتكم لما فيه خير الانسان والأوطان."
ألقى البطريرك عظته من وحي زمن الصّعود واختتام الشّهر المريميّ وافتتاح شهر العبادة لقلب يسوع، مُرحّبًا بأصحاب المقامات الرّوحيّة والرّسميّة ولكلّ المؤمنين الوافدين من قريب أو بعيد، وأبرز ما جاء في العظة:
"يُسعدنا أن نحتفل معًا في هذه اللّيتورجيا الإلهيّة ونحيي ذكرى صعود ربّنا يسوع إلى السّماء ونختم شهر أيّار المخصّص لتكريم أمّنا مريم العذراء. وفي هذه المناسبة السّعيدة وقد جمعتنا بقداسة البابا فرنسيس الذي يقوم بالزّيارة الرّسوليّة لرومانيا العزيزة في محطّاتها الثّلاث الأمس اليوم وغدًا، إنّنا نصلّي معه من أجل تحقيق نواياه بشأن رومانيا العزيزة وشعبها وكنيستها ونلتمس من الله أن يحقق أمنياته هو الدّاعي للسّلام في العالم، هو الدّاعي للأخوّة الإنسانيّة الشّاملة. وإنّنا لسعداء جدًّا، لأنّنا نزوركم للمرّة الثّانية مع المطران ميشال، كزائر على رومانيا وبلغاريا، وأن نرى هذه الرّعيّة كيف تنمو وتكبر بالإيمان وبشعبها وبأبنائها ونحن نشكر الله عليها وهي تنعم بالبركة الإلهيّة بشفاعة شفيعها القدّيس شربل.
إنّنا معكم نقيم هذه الذّبيحة الإلهيّة أيضًا من أجلكم من أجل عائلتكم، أعمالكم ونشاطاتكم ومؤوسّساتكم من أجل أجيالكم الجديدة من أجل مرضاكم ومن أجل الأحبّاء الذين غادرونا إلى بيت الآب وإننا نتوقّف على أبعاد عيد صعود الرّبّ يسوع إلى السّماء وقد سمعنا في الإنجيل أنّه من بعد أن أرسل رسله الى العالم كله ليحملوا إنجيله الخلاصيّ لكلّ إنسان صعد إلى السّماء وجلس عن يمين الله الآب وهم ذهبوا يكرزون ببشرى إنجيل الخلاص والرّبّ يعضضهم بالآيات. هذه النّقاط الأربع، هي أبعاد صعود الرّبّ يسوع نتوقف عندها لندرك مفاهيم هذا العيد:
البعد الأوّل هو السّماء، نقول السّماء وعندما نلفظ الكلمة نتطلّع إلى فوق ولكن يجب أن نفهم أنّ السّماء ليست مكانًا حسّيًا. السّماء هي حالة الله الحاضر في الكون كلّه متخطّين كلّ مكان وزمان، لكّننا نحتاج نحن إلى تعابير حسّيّة تتلاءم مع حواسنا، نقول السّماء فوق والجحيم تحت وفي كلتي الحالتين أكانت السّماء أم كانت الجحيم فهما حالتان. الحالة الأولى هي الحياة مع الله والقدّيسين الأبرار حالة السّعادة حالة المشاهدة السّعيدة. أمّا جهنم فهي حالة الوجع والألم الذي وصفه الرّبّ يسوع بعذابات النّار.
صعد إلى السّماء هذا لا يعني أنّه ترك أرضنا إنه باق معنا، يسوع التّاريخيّ ببشريّته الممجّدة بعد القيامة دخل في عالم الله لكنّه أصبح المسيح الإيمانيّ المسيح الكلّيّ الذي هو الكنيسة، في سرّها وشركتها ورسالتها هو حاضر لأنّه رأس الجماعة، هو حاضر مع كلّ إنسان على وجه الأرض رفيق دربه يهديه إلى الله وإلى خلاصه، حاضر بكلامه حاضر بذبيحة القدّاس التي تقدّم وفيها تتجدّد الآن وهنا ذبيحة الفداء عن الجنس البشريّ، حاضر في وليمة جسده ودمه، حاضر في كلّ جماعة تلتئم لتصلّي، حاضر بألوهيّته مع الإنسان. أجل لم يغادر أرضنا بصعوده أيّ بدخوله في عالم الله كما إنّه لم يغادر اتّحاده بالله عبر السّماء عندما أتى إلينا متجسّدًا أيّ لم يغادر ألوهيّته فهو إله منذ الأزل وبشر منذ ألفيّ سنة.
البعد الثّاني الجلوس عن يمين الآب، هذا تعبير للقول أنه أقيم ملك الملوك وسيّد السّادة له ملء السّلطان على كلّ إنسان وعلى كلّ كون.
هذا السّلطان سلّمه لرعاة الكنيسة لكي باسمه وبشخصه وبروحه الأساقفة ومعاونوهم الكهنة، يمارسون سلطان المحبّة والحقيقة والخدمة. سلطان مثلّث الرّسالة وهو الكرازة في الإنجيل وتوزيع نعمة الأسرار الشّافية وبناء الجماعة المؤمنة على أساس الحقيقة والمحبّة.
البعد الثالث، انطلقوا واكرزوا في العالم كله، منذ ألفيّ سنة ونحن نحمل هذه البشرى السّعيدة لكلّ إنسان وهي أنّ للإنسان قيمة للشّخص البشريّ قيمة لأنّه مصنوع على صورة الله، مفتدى بدم المسيح، معدّ ليكون هيكل الرّوح القدس، هذه هي الكرازة عن قيمة الإنسان وكرامته وقدسيّة الشّخص البشريّ.
ونشعر اليوم كم أنّ العالم يفتقد لهذا الإدراك والوعيّ إذ كلّنا نرى كيف أن الشّخص البشريّ يفقد كرامته وقدسيّته، يُقتل، يُستباح، يصبح سلعة، ليس هذا هو الإنسان.
هذه هي البشرى الإنجيليّة التي تحملها الكنيسة منذ ألفيّ سنة بالسّلطان الإلهيّ إذ قال الرّبّ لتلاميذه لقد أعطيتكم كلّ سلطان في السّماء والأرض، كما أرسلني أبي أرسلكم أنا أيضًا، اذهبوا إلى العالم كلّه أحملوا هذه البشارة لكلّ انسان.
البعد الرّابع والأخير، الرّبّ كان يعضضهم بالآيات التي يصنعوها وتحقيق كلماتهم.
هذه الأبعاد الأربعة تشكّل صميم حياتنا المسيحيّة خاصّة والإنسانيّة عامّة. وهكذا حيثما نحن... "
وإختتم الرّاعي العظة برسالة خاصّة للجالية اللّبنانيّة في رومانيا قائلاً:
" أيّها الأحبّاء الموجودون في رومانيا العزيزة، أنتم هنا تساهمون إسهامًا كبيرًا في نموّ هذه الدّولة التي فتحت أمامكم مجالات تحقيق ذواتكم، تسهامون في إنمائها الاقتصاديّ والصّناعيّ والزّراعيّ والتّجاريّ وسواها، لكنّكم مدعوّون أن تساهموا في بناء المجتمع على القيم الأخلاقيّة والإنجيليّة والإنسانيّة. وهكذا تعيشون الرّسالة التي سلّمنا إيّاها الرّبّ يسوع. كلّنا نحمل هذه الرّسالة أيًّا كان عرقنا و ديننا و ثقافتنا. فنحن كمسيحيّين فنحملها بمسؤوليّة المعموديّة ومسؤوليّة الدّرجة المقدّسة الأسقفيّة والكهنوت. هذه هي قيمة الإنسان كلّ إنسان، إنّه شريك الله في رسالة خلاص الجنس البشريّ. لهذه الرّوح أحيّيكم وبهذه الرّوح نشكر الله عليكم وعلى ما أنتم عليه ونذكر رومانيا العزيزة التي استقبلتكم نرجو لها دوام الازدهار والنّمو والسّلام بنعمة الله الثّالوث الواحد الآب والابن والرّوح القدس الآن وإلى الأبد. آمين".
وفي ختام الذّبيحة الإلهيّة، ألقى خادم الرّعيّة الخوري جوزيف دريان كلمة الشكر وأبرز ما جاء فيها:
"نلتقي في كنيسة مار شربل في رعيّة بوخارست المارونيّة في رومانيا وقد تشاركنا بالجسد الواحد كي نكون جسدًا واحدًا على حدّ قول الرّسول...
نعرب اليوم عن فرحنا بوجودكم بيننا يا صاحب الغبطة، أنتم ربّ هذا البيت وقد وضتم حجر الأساس مذ كنتم أسقفًا على أبرشيّة جبيل المباركة. ومنذ ستّ سنوات تمّ تدشين وتبريك هذا المذبح بمباركتم أنتم، واليوم نتبارك من جديد ونقول فيكم كما يقول الجميع الجميع، أنتم أب الرّسالة خارج إطار الوطن وقد اعتبرتم منذ الأساس أنّ الكهنوت عطيّة سرّ الله لكلّ شعبه حيثما حلّوا...
فنحن نؤمن أنّ بكركي هي استمراره، هي التّاريخ والحاضر والمستقبل مستعرضين تاريخ البطاركة العظماء من يوحنّا مارون وصولًا إليكم أنتم المحافظين على وديعة الإيمان تخدمون شعب الله بعدل ومحبّة في هذا الزّمن الرّديء الذي قال عنه البطريرك صفير، إنّه الزمن البائس...
فالخوف على لبنان، مُترجم بوضوح عبر جاليته المغتربة، خوف وألم وحزن على واقع مرير، كلّنا رجاء وأمل بإصلاح، وقد قلتم يومًا أنّ العمل السّياسيّ كما الطّاقم قائم على ترقيع الثّوب عوض تغييره...
نسأل الله يا صاحب الغبطة أن تبقوا الصّوت الصّارخ في البرّيّة ونُصلّي معكم ومن أجلكم... ونحن هنا نشكّل بصلاتكم، فسيفساء مشرقيّ بهيّ، يظهر صورة لبنان الرّسالة، حيث يرتّل المارونيّ مع الكلدانيّ فالسّريانيّ، كي تكون وحدتنا لحنًا بهيًًا يمجّد الله. "
وبعد القدّاس، تم اللّقاء بالجّالية اللّبنانيّة، مسيحيّين ومسلمين، مع نخب المناسبة.