لبنان
20 أيار 2018, 12:42

الرّاعي: نصلّي من أجل أن تتمكّن تيلي لوميار/ نورسات من تحقيق أهدافها وتطلّعاتها

إحتفالاً بذكرى تأسيس تيلي لوميار وفضائيّاتها وبعيد العنصرة، ترأّس البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاس الأحد في الصّرح البطريركي في بكركي؛ عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنة، بحضور أسرة تيلي لوميار وفاعليّات اجتماعيّة وسياسيّة وإعلاميّة، إضافةً الى جماعة المؤمنين المصلّين. وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظةً بعنوان"وامتلأوا كلّهم من الرّوح القدس" (أعمال 2: 4) جاء فيها:

"في مثل هذا اليوم الخمسين بعد قيامة الرّب يسوع من بين الأموات، أرسل الله على الرّسل والكنيسة النّاشئة الرّوح القدس، ليحقّق فيهم وفيها ثمار الفداء. إنّه روح المحبّة والحقيقة الّذي يجمعنا ويوحّدنا كالرّوح في الجسد، ويقدّسنا، ويشعل في قلوبنا المحبّة لله وللنّاس، ويعلّمنا حقيقة الله والإنسان والتّاريخ، ويرسلنا شهودًا لهذه المحبّة ولهذه الحقيقة.

في ذكرى هذا العيد، وقد عشنا في أنوار القيامة مدّة خمسين يومًا، نؤدّي رتبة السّجود للآب والابن والرّوح القدس، ونبارك الماء لتبريكنا وتبريك بيوتنا، ملتمسين هبة الرّوح القدس "البرقليط والمؤيّد الّذي يكون مع الكنيسة ومعنا إلى الأبد" (يو ١٤: ١٦).

يسعدنا أن نحتفل معًا بعيد حلول الرّوح القدس يوم العنصرة، وفيه نحتفل مع تيلي لوميار بعيدها الثّامن والعشرين، ومع فضائيّتها نورسات بعيدها السّابع عشر، وبذكرى إطلاق مجموعة فضائيّاتها. وإذ أحيّيكم جميعًا وأهنّئكم بعيد العنصرة، نهنّئ معًا أُسرة تيلي لوميار ونورسات: الأخ نور المؤسّس، ومجلس الإدارة ومعدّي البرامج والموظّفين والمحسنين والأصدقاء والمشاهدين. نشكرهم على ما يبذلون من مال وجهود وتضحيات من أجل أن تبلغ كلمة الله وتعليم الكنيسة جميع النّاس.

بقوّة الرّوح القدس الّذي يفتح الأذهان والقلوب لفهم الكتب، ويولّد الإيمان في النّفوس، بفضل هاتين المحطّتين. لكم، أنتم الّذين تشكّلون أسرة تلي لوميار ونورسات، وأنتم الّذين تشاهدون برامجها وتتفاعلون معها، يرسلكم اليوم وكلّ يوم الرّبّ يسوع كما أرسل رسله: "إذهبوا إلى العالم كلّه، وأعلنوا الإنجيل إلى النّاس أجمعين. فمن يؤمن ويعتمد يخلص" (مر١٦: ١٥-١٦). 

إنّنا نشكر الله معكم، أينما كنتم، على هبة هاتين المحطّتين لكنيسة لبنان. فمن هذا الوطن الصّغير، تنطلق بواسطتهما الكرازة بالإنجيل إلى العالم كلّه، مع تعليم الكنيسة الّذي يثقّف الإيمان، وينبّه الضّمائر لسماع صوت الله، ويهدي النّفوس إلى ينابيع الحياة الإلهيّة بفعل الرّوح القدس، وهو القدرة الإلهيّة الفاعلة في النّفوس، بواسطة أسرار الخلاص السّبعة.

فبالمعموديّة، يحقّق فينا الرّوح القدس ولادتنا الثّانية أبناءً وبناتٍ لله في المسيح الإبن الوحيد. بالميرون، يشدّدنا الرّوح القدس كأعضاء في جسد المسيح، الّذي هو الكنيسة، ويهبنا مواهبه السّبع: الحكمة والمعرفة والفهم لتوعية الإيمان؛ والمشورة والقوّة للثّبات في الرّجاء؛ والتّقوى ومخافة الله لإنعاش المحبّة. بالقربان، يحوّل الرّوح القدس الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، ليكونا ذبيحة تكفير عن خطايانا، ووليمة روحيّة تمنحنا الحياة الإلهيّة. بسرّ التوبة، الرّوح القدس يغفر خطايانا ويصالحنا مع الله والكنيسة. بمسحة المرضى، يحقّق الرّوح القدس اتّحاد المريض بآلام المسيح لخيره وخير الكنيسة، ويمنحه صحّة النّفس والجسد. بسرّ الدّرجة المقدّسة، يصوّر الرّوح القدس الكاهن والأسقف، في كيانه الدّاخلي، على صورة المسيح الكاهن والمعلّم والرّاعي. بسرّ الزّواج، الرّوح القدس يجعل من الزّوجين جماعة حياة وحب على مثال الثّالوث الأقدس، برباط أبدي لا ينفصم.

 

لا يمكن للمسيحيّ أن يفصل ما حقّق في داخله الرّوح القدس عن حياته العائليّة والكنسيّة والاجتماعيّة. وبأولى حجّة لا يستطيع فصله عمّا يتعاطيه في الحياة العامّة من شؤون سياسيّة واقتصاديّة وإداريّة وقضائيّة إعلاميّة.

بهذه المسؤوليّة نتوجّه إلى أبناء الكنيسة وبناتها من نوّاب ووزراء في الحكومة الحاليّة والمقبلة، لنقول لهم: ليست النيابة والوزارة ملكًا لكم، بل هما ملك الشّعب، بموجب مقدّمة الدّستور الّتي تنصّ على أنّ "الشّعب مصدر السّلطات وصاحب السّيادة يمارسها عبر المؤسّسات الدّستوريّة" (الفقرة د). فيجب عليكم ممارستها بهذه المسؤوليّة، فيما بلادنا تعاني من أزمات داخليّة كبيرة، والمنطقة الشّرق أوسطيّة تشتعل من حولنا، وتنذر بانفجار جديد.

فالآن وقد انتهت الإنتخابات، ومعها كلّ الكلمات التي جرّحت وأساءت وفرّقت، بات من واجب القوى المسيحيّة العمل على بناء وحدتنا الدّاخليّة على أسسٍ من المحبّة والحقيقة، من أجل خير لبنان وكلّ شعبه بمختلف مكوّناته. فباتّحاد المسيحيّين يتّحد الشّعب كلّه حول ما يشكّل الدّولة القادرة والمنتجة. وهذا أمر معروف تاريخيًا ومطالب به من محبّي هذا الوطن. فلا يمكن الرّجوع إلى الوراء.

ونقول لمجلس النّواب ولحكومة اليوم وغدًا: إنّنا أمام حالة طوارئ اقتصاديّة وماليّة تستدعي النّهوض ومكافحة الفساد. لا يمكن أن نستمرّ في النّهج العاديّ القديم. فكلّ الدّول الدّاعمة للبنان في مؤتمرات روما وباريس وبروكسل تنظر إلينا، وتنتظر من المسؤولين السّياسيين إجراء الإصلاحات التي تعالج حالة الطّوارئ هذه بحيث تولّد الثّقة بالمسؤولين وبلبنان لدى هذه الدّول.

لقد قال الشّعب كلمته في الانتخابات النّيابيّة، وفقًا للقانون الجديد، فيُنتظر أن يقول نوّاب الأمّة كلمتهم بشأن تأليف الحكومة الجديدة، واضعين أمام ضمائرهم المسؤولة حالة الطّوارئ التي ذكرناها، بحيث تزيل الكتل النّيابيّة كلّ العقبات المرتبطة بالمصالح الشّخصيّة والفئويّة، فتتألّف الحكومة الجديدة بالسّرعة القصوى. وهذا عنصر أساس لتوليد الثّقة.

الرّوح القدس، هبة الله للإنسان، "يعطى للّذين يحبّون المسيح ويحفظون وصاياه"، كما يؤكّد لنا الرّب يسوع في إنجيل اليوم (راجع يو 14: 15). ذلك أنّ الرّوح حاجة حياتيّة لنا. فهو كما يسمّيه الرّبّ: "البرقليط والمؤيّد الباقي معنا إلى الأبد" (يو ١٤: ١٦).

هو البرقليط الّذي يعني، بحسب اللّفظة اليونانيّة الأصليّة، الرّوح القدس الّذي يقف إلى جانب المؤمن ويناديه: يصرخ في أذن عقله ويذكّره بكلام الرّبّ في الإنجيل؛ يشرح له الحقيقة الموحاة، ويكمّل تعليم الرّبّ؛ يقوّيه بوجه الشّيطان المجرّب، ويحميه من أذى كذبه.

هو المؤيّد أيّ المعزّي والمشجّع والمحامي.  يعزّينا في المحن، ويشجّعنا في المصاعب والاضطهادات، ويحمل قضيّة خلاصنا وتقديسنا، ويرشدنا إلى ميناء الأمان. فهو على ما كتب بولس الرّسول: يصلّي فينا بأنّات لا توصف"  (روم 8: 26).

وهو باقٍ معنا إلى الأبد، حتّى نعبر بسلام طريقنا على وجه الدّنيا نحو الله.

أن يكون عيد العنصرة عيدًا اختارته لها تيلي لوميار/ نورسات، فللصلاة من أجل التماس أنوار الرّوح القدس على عمل هاتين المحطّتين وعلى الأشخاص، في الإدارة والبرمجة، في التّخطيط والتّنفيذ، في البثّ والمشاهدة، فتشعّ الحقيقة، وتنتشر المحبّة. ونصلّي من أجل أن تتمكّن تيلي لوميار/ نورسات من تحقيق أهدافها وتطلّعاتها، ومن أجل أن يكافئ الله بفيض من نعمه وبركاته كلّ الّذين يسخون بمالهم ووقتهم وجهودهم وعلمهم في سبيل خدمة كلمة الحياة، وفي قلوبهم يتردّد صدى الإرسال الإلهيّ المتواصل منذ ألفي سنة: "إذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القدس، وعلّموهم أن يعملوا بكلّ ما أوصيتكم به. وها أنا معكم إلى نهاية العالم"  (متى ٢٨: ١٩-٢٠ ) آمين."