الرّاعي من سلفايا : الإيمان هو أساس كلّ جماعة، والمحبّة روحها
1. سلّم الرّب يسوع، إلى محبّة سمعان-بطرس له، رعاية كنيسته الّتي وُلدت من سرّ موته وقيامته، "كالسّنبلة المولودة من حبّة القمح المائتة في الأرض" (راجع يو 12: 24). وإذ شبّهها الرّب بالبيت الحجري، فقد سبق وأعلن في قيصريّة فيلبّس أنّه "يبنيها على صخرة إيمان بطرس" (راجع متى 16: 18). إيمان بالمسيح ومحبّة شديدة له: على صخرة الإيمان تُبنى الكنيسة، جماعةُ المؤمنين، وبشريعة المحبّة تحيا وتنمو وتثمر.
2. هذه هي كنيسة المسيح، البشريّة والحجريّة في سلفايا العزيزة، الّتي نكرّسها ومذبحها على اسم القدّيس جرجس، مع سيادة أخينا المطران بولس مطر، راعي الأبرشيّة، وكاهن الرّعيّة الأب روجيه شرفان، ومعكم يا أبناء هذه الرّعيّة الأحباء وسائر الحاضرين. وقد بنيتموها بسخاء يدكم وتضحياتكم، بعد أن تهدّمت مع منازلكم خلال حرب الجبل سنة 1983، بالإضافة إلى التّهجير الجزئي الّذي تعرّضت لها بلدتكم سنة 1978.
ومع هذا كلّه، بقوّة إيمانكم بالمسيح ومحبّتكم له، بدأتم العودة سنة 1996، وباشرتم مع كاهنكم آنذاك المرحوم الخوري يوسف مبارك مشروع إعادة إعمار الكنيسة في سنة 2000 فوضع سيادة راعي الأبرشيّة حجر الأساس لقاعتها الرعائيّة.
وتواصل العمل بعد أن تسلّم خدمتها الأب روجيه شرفان سنة 2006، إلى ان بارك سيادة راعي الأبرشيّة بداية العمل ببناء الكنيسة في سنة 2010. وها نحن اليوم نفرح معكم في الاحتفال بتكريسها. لقد بدّيتم بيت الله على بيوتكم، فيما خمسون بالمئة منها ما زالت غير مكمّلة.
3. نحن في أرض قدّسها أجدادكم، يا أهالي سلفايا الأعزّاء، بدمائهم وعرق جبينهم وصلاتهم. فكنيستكم أثريّة متجذّرة في التّاريخ. وقد كرّسها البطريرك الكبير المكرّم اسطفان الدّويهي في 5 شباط 1690. والآن، بعد أن أَعلنت الكنيسة بطولة عيشه الفضائل الألهيّة والرّوحيّة والإنسانيّة، نصلّي كي يؤيّد الله حكمها بأعجوبة تجري بشفاعته، فترفعه طوباويًا على مذبحها.
4. في قيصريّة فيلبّس، أعلن سمعان-بطرس إيمانه بيسوع: "أنت المسيح ابن الله الحي" (متى 16: 16). وهو إيمان امتدحه يسوع لكونه عطيّة من الآب السّماوي لا من البشر. فجواب سمعان-بطرس على سؤال يسوع: "وأنتم من تقولون أنّي هو"، يحمل كل مفاهيم اللاهوت المسيحاني.
فيسوع هو "المسيح" الّذي "مسحه" الرّوح القدس نبيًا وكاهنًا وملكًا، وأرسله الله ليبني ملكوته. وقد أعلن يسوع نفسه ذلك، عندما دخل ذات سبت إلى هيكل النّاصرة وقرأ من نبوءة آشعيا: "روح الرّب عليّ، مسحني وأرسلني..." (لو 4: 16-18؛ آشعيا 61: 1-2).
ويسوع هو ابن الله الحي، و في علاقة فريدة وأزليّة مع الله أبيه، وهو نفسه الله. هكذا أعلنه الصّوت من السماء ساعة اعتماده في نهر الأردنّ: "هذا هو ابني الحبيب الّذي به رضيت" (متى 3: 17)، وعند تجلّيه على الجبل: "هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا" (مر 9: 7). وعندما سألوه في المجلس: "أنتَ إذن ابن الله"، أجاب: "أنتم تقولون، وأنا هو حقًا" (لو 22: 7).
هذا هو عمق جواب سمعان. فبدّل يسوع اسمه إلى بطرس أي صخرة الإيمان الّتي يبني عليها كنيسته (متى 16: 18)، والّتي يبني عليها كل واحد وواحدة منّا حياته ودعوته الخاصّة في العائلة والكنيسة. وبه يمارس مسؤوليّته في المجتمع والدولة.
5. وعلى شاطئ بحيرة طبريّه، أعلن سمعان-بطرس حبّه الشّديد ليسوع: "يا ربّ، أنت تعلم كل شيء. وأنت تعرف أنّي أحبّك" (يو 21: 17). بفضل هذا الحب الّذي في قلبه، سلّمه المسيح الرّب رعاية خرافة، المؤمنين الّذين افتداهم بدمه، وقد بلغ حبّه لهم ذروته، بموته على الصّليب، فدىً عنهم.
سلّم المسيح لبطرس حبّه كي يحمله إلى كل مؤمن ومؤمنة. هذه هي رسالة الكنيسة، الموكولة إلى رعاتها. وهذا هو مفهوم السّلطة فيها: إنّها خدمة المحبّه المستمدّة من المحبّة للمسيح.
6. إنّ الكنيسة، المبنيّة على الإيمان، والمنتعشة بالمحبّة، هي مجتمع منظّم بامتياز. وهي مثال لكلّ جماعة عائليّة واجتماعيّة ووطنيّة. فالإيمان بالله عنن المسؤول وصاحب السّلطة يستلهم حضوره، ويستنير بكلامه، ويعمل بإرادته. والمحبّة لله تحمل على التفاني في سبيل خدمة الخير العام، الّذي منه خير الجميع وخير كلّ إنسان، وعلى ممارسة العدالة الاجتماعيّة والتوزيعيّة؛ وتسعى إلى توطيد أواصر الوحدة والاتّفاق، وإحلال السّلام وتعزيز إنماء الشّخص البشري والمجتمع.
7. الإيمان هو أساس كل جماعة، والمحبّة روحها. من دون الإيمان تنهار الجماعة، مثل البيت من دون أساس. ومن دون المحبّة تتفكّك. ما أحوجنا في لبنان، كجماعة وطنيّة، إلى إيمان وحب لدى المسؤولين السّياسيين المؤتمنين على خير الجماعة وعلى الوطن بأرضه ومؤسّساته وثقافته.
فلا يمكن الاستغناء عن الله ورسومه وكلامه وشريعته. ولا أحد يستطيع التفلّت منها، بحيث يفعل ما يشاء من دون أيّة شريعة أخلاقيّة تميّز بين الخير والشّر.
هذا هو أساس الأزمات عندنا: تبدأ أزمة سياسيّة بحيث يَفقد العمل السّياسي طبيعته كفن شريف لخدمة الإنسان والخير العام، بواسطة المؤسّسات الدّستوريّة، لينتج عنها أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة وأمنيّة.
8. بنتيجة هذه الأزمات، تعثّرت روابط الوحدة الوطنيّة، وتشرذمت البلاد وتقسّمت إلى مناطق نفوذ لهذا أو ذاك من الأشخاص السّياسيين والأحزاب، وكأنّنا في حالة اقطاع جديد. فلا بدّ من العمل على بناء الوحدة الدّاخليّة بروح الشركة والمحبّة، ومن حفظ الولاء للوطن أوّلاً وآخرًا. فكما كان يوحنا المعمدان يقول: "عليّ أن أنقص وعلى المسيح أن ينمو" (يو 3: 30). كذلك على كل لبناني ولبنانيّة، ولا سيّما كل مسؤول سياسي، ان يقول: "عليّ أن أنقص، وعلى لبنان أن ينمو".
بهذا القول نلتزم كلّنا بحماية لبنان، كيانًا وأرضًا وشعبًا ومؤسّسات، وبإغناء خزينة ماله العام باقتصاد منتج؛ وبمكافحة الفساد المستشري في الإدارات والسّرقة والرّشوة والهدر والعمولات على المشاريع العامّة. ونلتزم بعدم التّفريط بأرض لبنان بيعًا للغرباء، وبعدم ربط الإقامة والجنسيّة والتوطين بأي تملّك من غير اللبنانيين. ونعمل يدًا واحدة لتسهيل عودة جميع النّازحين السّوريين إلى بلادهم وبيوتهم، حفاظًا على حقوق المواطنة وعلى ثقافتهم الوطنيّة وتاريخهم. ونّا نؤيّد بيان فخامة رئيس الجمهوريّة الرّافض لما جاء في بيان مؤتمر بروكسيل بشأن النّازحين إلى لبنان.
9. إنّنا نقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة على نيّتكم جميعًا، ونذكر بنوع خاص مرضاكم وموتاكم. ونسأل الله أن ينعم على لبنان بالاستقرار والنّهوض الاقتصادي، وعلى بلدان المنطقة بالسّلام ونهاية الحروب. وليتمجّد كلّ حين الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.