لبنان
08 تموز 2017, 10:18

الرّاعي لخرّيجي ثانوية القلبين الأقدسين: عالمكم هو لبنان، فانطلقوا للشهادة في الشّركة والمحبّة لأنّه بحاجة اليكم

ترأّس البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاساً الهيّاً في ثانوية القلبين الأقدسين، في جبيل، لمناسبة رعاية حفل تخرّج فوج عام 2017، بشعار "للشهادة... شركة ومحبّة". وبعد تلاوة الانجيل، ألقى الرّاعي عظةً بعنوان "لا تخافوا" (متى 10: 31)، وقد جاء فيها:

 تنطلقون مثل شراع في بحر العالم، والربّ يسوع يرسلكم مردّدًا ما قاله يومًا لتلاميذه: "إذهبوا إلى العمق" (لو 5: 4). بكلام آخر: أخرقوا السّطحيات، إبحثوا عن معنى الحياة، أخرجوا من محدوديّة ذواتكم. وليميّز كلّ واحد وواحدة منكم دعوته الخاصّة في الحياة، وفقًا للتصميم الإلهي وإلهامات الروح، وفرادة شخصيّته ومواهبه.

تستعدّ الكنيسة حاليًّا لعقد جمعيّة عامّة لسينودس الأساقفة في روما، في تشرين الأوّل 2018 بموضوع: "الشبيبة: الإيمان وتمييز الدعوة". هذه المناسبة الكنسيّة الفريدة هي لكم، لكلّ واحد وواحدة منكم، ليميّز دعوته ورسالته في الحياة. ففي رحاب دعوتنا المسيحية العامّة للشهادة للمسيح ولعيش الاتّحاد بالله والوحدة مع جميع الناس، بعض منّا مدعو للحياة الزوجية والعائلية، وبعض للحياة الكهنوتية والأسقفية، وبعض للحياة الرهبانية المكرّسة. وفي إطار كلّ دعوة يوجد دور خاصّ ومميّز لكلّ واحد وواحدة. بالصلاة والعلم والتأمّل وسماع صوت الله نستطيع أن نميّز دعوتنا الخاصّة ودورنا، ونستعدّ لهما بالجهوزية التامّة.

إنّ أهمّية الدعوة والدور هي أنّهما من أجل رسالة خاصّة. فلا دعوة من دون رسالة. وفي كلّ حال، نحن في لبنان وهذا الشّرق حاملون رسالة الشهادة عن طريق الشركة والمحبة. فمجتمعاتنا وبلداننا تمزّقها الانقسامات والنزاعات والحروب. إنّها تحتاج إلى الشركة في بعدَيها: العمودي وهو الاتّحاد بالله، والأفقي وهو الوحدة بين جميع الناس. وتحتاج إلى رباط المحبّة الذي يشدّد أواصر هذا الاتّحاد وهذه الوحدة. فمن دون المحبّة يتفكّكان.

 

أجل، "إذهبوا إلى العمق". فعمر الشّباب هو عمر القرار الكبير، عمر الطّموح، عمر الإستعداد والجهوزيّة لبرنامج الحياة ومعركتها. ليس هو عمرَ إضاعة الوقت وتبذير القوى، واللامسؤوليّةِ وعدم الإلتزام، والتّفلّتِ من القِيَم الرّوحيّة والأخلاقيّة، ومن الواجب الإجتماعي والوطني.

في طريق بحر العالم، توجد رياحٌ معاكسة، وأمواجٌ هائجة. فاسمعوا دائمًا في أعماق نفوسكم صوت المسيح: "لا تخافوا"! فهو كفيل بإسكات الرّيح وتهدئة العاصفة، كما فعل في حياته الزّمنية مع تلاميذه. "فلما كانت الرّياح والأمواج تتقاذف سفينتهم، ويسوع نائم، أيقظوه مذعورين وصرخوا: يا ربّ، نجِّنا! فقد هَلَكنا! فقال لهم: لماذا تخافون، يا قليلي الإيمان! ونهض وزجر الرياح والبحر، فساد هدوء عظيم" (متى 8: 24-26).

تذكّروا، أيّها الأحبّاء، أنّ يسوع رفيق دربكم الدائم. عودوا إليه في كلّ صعوبة، ولا تيأسوا. بل تشدّدوا في الإيمان والرجاء.

 

عالمكم هو لبنان، الوطن الذي أعطاكم شرف جنسيّته وهويّته. إنّه يحتاج إلى أفكاركم واختصاصاتكم وجهودكم ونظرتكم المستقبلية له وفيه. فالأوطان يبنيها أبناؤها. سجّلوا صفحات مجيدة في تاريخه. ولأنّ لبنان يمرّ حاليًّا في مرحلة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية صعبة، فهو بحاجة إليكم. غدكم هو مستقبله، فيكون كما تكونون أنتم اليوم وغدًا. إنّ ما تعانون منه اليوم بسبب سوء الممارسة السياسية والإدارية، تجنّبوه أنتم عندما تمسكون بزمام المسؤولية، مدركين موجباتها.

 

إنّ الثقافة العلمية والتربوية التي نلتموها، وتلك التي ستنالونها من اختصاصكم الجامعي، ضعوها في خدمة ترقّي الشخص البشري والمجتمع. هذه الخدمة هي المقياس الأساس لكلّ نشاط سياسي، ولكلّ عمل يختصّ بالشأن العام الزمني، أكان العمل اقتصاديًّا أم اجتماعيًّا أم تشريعيًّا أم إجرائيًّا أم إداريًّا أم ثقافيًّا. لقد وُجدت الجماعة السياسيّة من أجل هذه الأعمال التي تؤمِّن الخير العام، الذي منه خير الناس وخير كلّ إنسان، والذي يبرّر وجود كلّ عمل سياسي أو حزبي (راجع العلمانيّون المؤمنون بالمسيح، 42).

وعندما يخاطب القديس البابا يوحنا بولس الثاني المسيحيين، يقول: "إنّ الاتّهامات، الموجَّهة في غالب الأحيان، إلى رجال الحكومة والمجلس النيابي والطبقة المسيطرة والأحزاب السياسية، والناعتة إيّاهم بالنفعيّة والهيام بالسلطة والأنانية والرشوة، فضلًا عن الرأي الشائع بأن السياسة تعرّض بالضرورة أربابها لانهيار الأخلاق، كلّ هذه الاتّهامات لا تبرّر على الإطلاق، التشكّك وغياب المسيحيين عن مسرح الدولة".

 

 إنّنا نقيم هذه الليتورجيا الإلهيّة ذبيحة شكر لله على هذه المرحلة التأسيسية من حياتكم، وعلى كلّ النعم السماوية التي أُفيضت عليكم. ونقدّمها ذبيحة استلهام لأنوار الروح القدس، كي تحسنوا اختيار المرحلة الجديدة من حياتكم، وكي يميّز كلّ واحد وواحدة منكم دعوته ورسالته الخاصّتَين في الحياة. ونرفعها ذبيحة استرحام وتشفّع من أجل الأحبّاء الذين سبقونا إلى بيت الآب في السماء.

فانطلقوا للشهادة في الشّركة والمحبّة، وتصحبكم بركة الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.