لبنان
28 كانون الأول 2015, 07:38

الرّاعي في قداس الميلاد: لإهداء البلاد رئيساً

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الميلاد المجيد في كنيسة السيدة في الصّرح البطريركي في بكركي، حيث ألقى عظة بعنوان "مذود حقير، واله مخلص مولود، وبشرى فرح عظيم" (راجع لو2: 1-20)؛ جاء فيها:


1.     بهذه الكلمات الثلاث نختصر رواية ميلاد يسوع المسيح، مخلص العالم وفادي الانسان. في مذود حقير وُلد ليعلن نهج التواضع والتّجرد حتى الموت على خشبة الصليب من اجل خلاص العالم وفداء كل انسان. والمولود هو ابن الله، الذي ارسله الآب ليعلن حبه ورحمته اللامتناهيتين للعالم. وهذه بشرى فرح عظيم للشعب كله في اية امة ومكان وزمان. هكذا اعلنها الملاك لرعاة بيت لحم: "ابشركم بفرح عظيم، يكون للشعب كله: لقد وُلد لكم اليوم مخلص، هو المسيح الرب" (لو 2: 10-11).

2.     يسعدنا ان نحتفل معكم بليتورجيا ميلاد الرب يسوع، وافكارُنا وقلوبُنا موجهة الى مذود بيت لحم حيث تجلّى سرّ الله، الواحد والثالوث، في شخص يسوع المسيح. فهذا المولود، ابن مريم من الروح القدس، وابن يوسف من الناصرة، والمسجل هكذا في الاحصاء المسكوني، هو ابن الآب وكلمته. هو الكلمة الذي كان "منذ البدء عند الله" (يو 2:1)، وصار هو ذاته انسانًا (يو 14:1) وفيه "ملء الالوهة والنعمة والحق" (يو 14:1؛ كول 9:2)، وبه نلنا الخلاص والمصالحة والسلام بدم صليبه (راجع كول 1: 13-14؛ 19-20).

3.     ويطيب لي ان اعرب لكم عن اطيب التهاني والتمنيات بهذا العيد الاساسي في حياتنا المسيحية وحياة جميع شعوب الارض. فهو الرب والمخلص الوحيد، الذي بتجسّده وموته وقيامته اتمّ تاريخ الخلاص، اذ هومركزه وكماله. ولنقلها مع بطرس الرسول:" لا يوجد تحت السماء اسم آخر غير يسوع المسيح يُعطى للبشر، يمكن ان نخلص به" (اعمال 12:4). انه وسيط الخلاص الوحيد بين الله والبشر، وتؤكد الكنيسة ان وساطة المسيح الوحيدة والاساسية "لا تنفي اسهام وساطات اخرى من اشكال ونظم مختلفة. لكن هذه لا تستمد معناها وقيمتها الاّ بالمسيح، ولا يجوز اعتبارها متوازية معها ومكمّلة لها "البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة الفادي، 5؛ راجع اعلان "الرب يسوع"، 14).

4.     فيما نحتفل بعيد ميلاد يسوع المسيح الرب، انما نحتفل بميلاد يسوع التاريخي الذي لا ينتهي في زمانه ولا يشكل تذكارًأ من الماضي لا يعني حياة كل انسان اليوم والى الابد. بل نحتفل ايضًا ببداية ولادة الكنيسة التي هي جسده السرّي، والمعروفة "بالمسيح الكامل"، حسب تعبير القديس اغسطينوس. ميلاد المسيح هو بداية ملكوت الله بين شعوب الارض. والكنيسة هي علامة واداة ملكوت المسيح، المؤتمنة على نشره وبنائه في الارض. انه الاعتراف بزخم الوجود الالهي في التاريخ البشري الذي يحوّله ويرقّيه. كما ان بنيان الملكوت يعني العمل في سبيل التحرير من الشر بكل اشكاله، وتحقيق التصميم الخلاصي بكليّته (راجع اعلان "الرب يسوع"، 18-19).

5.     لا يستطيع الانسان،ِفي ضوء ما سبق، ان يعتبر عيد الميلاد بكل ابعاده حدثًا تاريخيًا انتهى في زمانه، او عيدًا اجتماعيًا يقف عند مقتضياته ومظاهره في الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية. ولا يستطيع ان يتخذ حياله موقف اللامبالاة بالنسبة الى فاعليته الخلاصية المجدِّدة في حياة كل شخص. هذه اللامبالاة انما هي تجاه الله، وكأن الانسان هو خالق نفسه وحياته والمجتمع. فيعتبر نفسه مكتفيًا بذاته وبغنىً عن الكنيسة التي هي اداة الخلاص المؤتمنة على وسائله، أي: اعلان كلمة الله وتعليمها وتثقيف الضمائر من اجل ولادة الايمان، وتوزيع نعم اسرار الخلاص، وبناء الجماعة المسيحية حول سرّ القربان، فتشكّل جسد المسيح السرّي الواحد والمتكامل والشاهد للمحبة والحقيقة، والملتزم ببناء العدالة والسلام.