لبنان
21 حزيران 2019, 05:53

الرّاعي في خميس الجسد من معهد الرّسل: من دون الثّقافة القربانيّة لا يستطيع أحدٌ القيام بسمؤوليّته

بارك القربان الأقدس في "خميس الجسد" السّاحل اللّبنانيّ من العقيبة حتّى جونيه، في تطواف انطلق من ميناء العقيبة وصولاً إلى كنيسة مار يوسف- جونيه، برعاية البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة وحضوره، وبدعوة من تجمّع كهنة رعايا جونيه وراهبات القربان الأٌقدس المرسلات ومجلس بلديّة جونيه، بالاشتراك مع المؤسّسات الرّسميّة والتّربويّة والاجتماعيّة، وأخويّة قلب يسوع الموسيقيّة- غوسطا، وكهنة ورعايا ساحل فتوح كسروان، واتّحاد بلديّات كسروان، ولجان الأوقاف والأخويّات والجماعات الرّوحيّة والكشفيّة، وأصدقاء القربان ونحلات القدّيسة ريتا.

 

وفي التّفاصيل، انطلقت مسيرة القربان بحرًا من ميناء العقيبة نحو ميناء طبرجا إلى مرفأ جونيه، ثم برًّا من مرفأ جونيه إلى مار جرجس الباطيّة مرورًا بالمدرسة المركزيّة، إلى أن اختتمت بالقدّاس الإلهيّ في معهد الرّسل قبل المحطّة الأخيرة في مار يوسف.

ترأّس القدّاس البطريرك الرّاعي في باحة معهد الرّسل- جونيه، عاونه فيه النّائب البطريركيّ على أبرشيّة جونيه المطران أنطوان نبيل العنداري، والنّائب البطريركيّ على أبرشيّة صربا المطران بولس روحانا، والمطرانان يوحنّا علوان ويوحنّا رفيق الورشا والرّئيس العامّ لجمعيّة المرسلين اللّبنانيّين الموارنة الأب مالك أبو طانوس، بحضور فعاليّات سياسيّة واجتماعيّة وحشود شعبيّة.

وللمناسبة، ألقى عظة بعنوان:"خذوا كلوا، هذا هو جسدي يبذل من أجلكم. خذوا اشربوا كلّكم، هذا هو دمي يُراق من أجلكم"، وجاء فيها: 
"1- سرّ القربان، وهو سرّ حضور يسوع الحقيقيّ تحت شكلي الخبز والخمر المحوّلين إلى جسده ودمه، يجمعنا كسرّ إيمان ورباط محبّة ومنبع تقوى. إنّنا نقوم بأكبر فعلي عبادة: في الأوّل، نحتفل بالذّبيحة الإلهيّة الّتي قدّم فيها الرّبّ يسوع ذاته ذبيحة رضى للآب لمصالحة البشريّة جمعاء، وأعطانا جسده ودمه غذاء روحيًّا. وفي الثّاني نسير بالتّطواف بالقربان الأقدس في شوارع مدينة جونيه وسطًا وشمالا، تكريسًا لبيوتها وسكّانها، وبه نستكمل التّطواف الّذي انطلق من ميناء العقيبه، فميناء طبرجا، فمزار مار جرجس الباطيّه، ثمّ من هناك الانطلاق بموكب القربان وصولاً إلى معهد الرّسل هذا.
في هذا الاحتفال المهيب، وهو في آن تذكار لتأسيس سرّ القربان في ذاك خميس الأسرار، ليلة آلام يسوع وموته، وتحقيق للسّرّ نفسه. فيسوع بصوتنا نحن الأساقفة والكهنة يقول الآن وهنا: "خذوا كلوا، هذا هو جسدي الّذي يُبذل من أجلكم! خذوا اشربوا كلّكم، هذا هو دمي الّذي يُراق من أجلكم" (لو22: 19-20).
2- يسعدنا ان نحتفل معًا بعيد خميس القربان ككلّ سنة، راجين أن يكون لنا ولعائلاتنا ولوطننا مناسبةً يفيض فيها الرّبّ يسوع نعمه الغزيرة، ووقت تأمّل في سرّ محبّته، وثقافةً قربانيّة تلهم أعمالنا ومبادراتنا. فإنّنا نحيّي ونشكر تجمّع كهنة وأبناء رعايا جونيه والآباء المرسلين اللّبنانيّين، وراهبات القربان الأقدس المرسلات، ومجلس بلديّة جونيه، على تنظيم هذا الاحتفال بتوجيهات سيادة أخينا المطرن أنطوان نبيل العنداري، نائبنا البطريركيّ العام في نيابة جونيه.
3-  إنّنا نحتفل بسرّ القربان الّذي به تحيا الكنيسة، لأنّ حضور الرّبّ يسوع الدّائم فيها، محقّقًا وعده: "وها أنا معكم طول الأيّام إلى انقضاء العالم" (متّى 20:28 ). من الذّبيحة القربانيّة تنبع الحياة المسيحيّة كلّها وتبلغ ذروتها، إذ تقبل كنز الكنيسة الرّوحيّ الّذي هو يسوع المسيح نفسه، الخبز الحيّ، النّازل من السّماء.
أمام سرّ محبّة المسيح العظمى الّتي حملته على تقدمة ذاته ذبيحة فداء عن جميع البشر، ووليمةً روحيّة لحياتهم، وجعلهما حاضرين أبدًا في ذبيحة القدّاس، فإنّنا نعبد ونسير في التّطواف متأمّلين بسرّ محبّته هذا، ومعلنين إيماننا به، ونحن نختبر محدوديّة عقلنا البشريّ. إنّه لسرّ عظيمٌ، سرّ المحبّة والرّحمة! لم يبق شيء أكثر ليفعله الرّبّ يسوع من أجلنا، وقد وصل في سرّ القربان "إلى الذّروة" (يو 1:13)، حبًّا بدون قياس. ولذا، نهتف مع الكنيسة: "أعبدك بخشوع، أيّتها الألوهة المستترة تحت غشاء الخبز والخمر، في ذبيحة حقيقيّة سرّيّة، يبذل فيها الإله- الإنسان جسده، ويريق دمه لفدائنا وخلاصنا".
4- بعد أن غسل الرّبّ يسوع أرجل تلاميذه، وجعلهم كهنة العهد الجديد، قال لهم: "لقد تركت لكم قدوة" (يو15:13) في بذل الذّات والتّواضع في الخدمة. فكانت الثّقافة المسيحيّة القربانيّة الّتي تُلهم الأفكار والأعمال والمبادرات. لقد أعطى بمثله مفهومًا جديدًا للسّلطة، أكانت في الكنيسة، أم في العائلة، أم في المجتمع، أم في الدّولة. وسبق وعلم في موضعٍ آخر "من أراد أن يكون فيكم الأوّل، فليكن لكم خادمًا ومن أراد ان يكون الأوّل فليكن للجميع عبدًا. فإنّ ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم، ويبذل نفسه فدى عن كثيرين" (مر10 : 44-45).
إذا لم تكن ممارسة السّلطة بهذا المفهوم وبهذه الرّوح، أضحت إهمالاً أو إقصاء أو تسلّطًا أو ظلمًا أو استغلالاً أو إفراطًا.
5- نسمع في هذه الأيّام صرخة المؤسّسات الاجتماعيّة الّتي تعنى بالمعاق واليتيم ومجهول الوالدين وذوي الاحتياجات الخاصّة وسواها من الحالات الاجتماعيّة الصّعبة. هؤلاء هم حصّة الدّولة ويقعون على ضمير المسؤولين فيها، فيما المؤسّسات الخاصّة تساعدهم على القيام بواجبهم، أمّا هم فيبادلونها بالإهمال وحجب المتوجّبات الماليّة عنها. ماذا يعني كلّ ذلك؟ أيريد المسؤولون في الدّولة عندنا قهر هؤلاء الأشخاص الّذين لهم كرامتهم، وحاملون صورة الله، وفيهم تتواصل آلام المسيح لفداء خطايا البشر؟ هل يريدون ذلك بإقحام هذه المؤسّسات على إغلاق أبوابها، ورمي هؤلاء على عاتق والديهم أو في الشّارع؟ أيعرف المسؤولون عندنا أن ثقافة الدّول تُقاس بمقدار عنايتها بذوي الحالات والاحتياجات الإنسانيّة والاجتماعيّة الخاصّة؟ يقولون إنّها "مؤسّسات وهميّة". أمّا نحن فنقول لهم إبحثوا عن الوهميّة وأعلنوها وأقفلوا أبوابها، وأُلغوا التّقاعد معها. من جهتنا ككنيسة لسنا نغطي أيّة مؤسّسة تتّصف بالوهميّة.
6- من دون الثّقافة القربانيّة، وهي ثقافة المحبّة الّتي تبذل وتضحّي وتتفانى، لا يستطيع أحدٌ القيام بسمؤوليّته في أيّ مجتمع كنسيّ أو مدنيّ. نصلّي، ونحن أمام سرّ المحبّة الأعظم، كي يغدق المسيح الرّبّ محبّته في قلب كلّ إنسان فيستعيد صورة الله فيه، ويشهد لمحبّته، وينشر سلامه حيثما يعيش ويعمل.
وإنّنا نرفع نشيد المجد والتّسبيح والشّكر الى الله- المحبّة، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
سبق القدّاس الإلهيّ كلمة للأب طانوس قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "صاحب الغبطة والنّيافة، حولكم اليوم في خميس الجسد، نجتمع أساقفة مدينة جونيه وكهنتها من كلّ الطّوائف الكاثوليكيّة، وجمعيّة المرسلين اللّبنانيّين، معهد الرّسل، راهبات القربان المرسلات، رئيس ومجلس بلديّة مدينتنا جونيه، الأهالي الكرام والمنظّمات الرّاعويّة كافّة، نجتمع ونأتي إلى المسيح الّذي يعطينا جسده حياةً، نؤكّد له إيماننا وتصديقنا أنّه قدّوس الله!
للمرّة السّابعة تترأّسون الاحتفال بخميس الجسد في معهد الرّسل، فألف شكر لكم. هذا الاحتفال بزيّاح خارجيّ نشأ سنة 1945 (منذ 74سنة) بمبادرة من أخويّة قلب يسوع في كنيسة مار يوحنّا للمرسلين اللّبنانيّين، وقبل أن يشبه المظاهرة الدّينيّة، كان في داخل الكنيسة وحولها منذ سنة 1900. هو كالمظاهرة الدّينيّة، لكن البشر يحفظون فيه دومًا الخشوع والإيمان والاحترام لله وللقربان."
وأشار أبو طانوس إلى أنّ "الحرب اللّبنانيّة حرمت المدينة لسنوات عدّة هذه الصّلاة، وكادت تغرق في النّسيان! لكن بهمّة وحماس حضرة المونسنيور يوحنّا عوّاد خادم رعيّة مار يوسف، أعاد النّداء إلى كهنة المدينة وإلينا نحن المرسلين- وعاد الاحتفال بجماله وأبهته.
هذه السّنة، يزيد الاحتفال فرحًا مشاركة رعيّة صربا ومشاركة جمعيّة راهبات القربان الأقدس المرسلات في يوبيلهنّ الخمسين، من خلال التّطواف البحريّ للقربان."
بعد القدّاس، ترأّس البطريرك الرّاعي التطواف بالقربان المقّدس مع كهنة الرّعايا والمؤمنين في شوارع المدينة، وصولاً إلى المذبح الكبير أمام القصر البلديّ مختتمًا الزّيّاح في كنيسة مار يوسف- جونيه.