لبنان
14 آب 2019, 12:30

الرّاعي: عيد الانتقال يبيّن قيمة الحياة البشريّة وقدسيّتها وكرامة الشّخص البشريّ

لمناسبة عيد انتقال السّيّدة العذراء بالنّفس والجسد، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي، القدّاس الإلهيّ في كنيسة دير "سيّدة قنّوبين". وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة بعنوان "ها منذ الآن يعطيني الطّوبى جميع الأجيال"، جاء فيها:

 

"يسعدنا اليوم أن ننضمّ إلى كلّ الأجيال التي ترفع الطّوبى لمريم، ونحن اليوم ننضمّ لكلّ هذه الأجيال هنا في الوادي المقدّس من نسّاك ورهبان وشعب وبطاركة وأساقفة عاشوا هنا معهم وكانوا يرفعون الطّوبى لمريم من هذا الوادي، وكان أركان الدّول والقادة يجتمعون هنا في هذا الموقع حول البطريرك ليحتفلوا بهذه الذّكرى، ونحن اليوم هنا نشكر الرّاهبات الأنطونيّات اللّواتي خدمن هذا الدّير، ونهنّئ الأخت صوفي والأم الرّئيسة نزهة الخوري ونتذكّر الأخت دومنيك، وأيضًا الأخت آنجيل التي خدمت هنا لفترة، واليوم تنتقل إلى غزير بناء لقرار السّلطة الرّهبانيّة ولا يزال عقلها وقلبها في هذا المكان، ونرحّب بالأخت الجديدة جانيت فنيانوس ونتمنّى لها التّوفيق في مهامها الجديدة.

نحتفل اليوم بهذا العيد الكبير، عيد انتقال السّيّدة العذراء بالنّفس والجسد، عقيدة إيمانيّة أعلنها المكرّم البابا بيوس الثّاني عشر في 2 تشرين الثّاني 1950 مبيّنًا ركائزها الخمسة: اتّحادها بالله منذ الأزل بتدبير إلهيّ، عصمتها عن الخطيئة الأصليّة منذ اللّحظة الأولى لتكوينها في حشى أمّها القدّيسة حنّة امرأة يواكيم، بتوليّتها كعذراء كلّيّة النّقاوة قبل الميلاد وفيه وبعده، انتصارها الكامل على كلّ خطيئة شخصيّة وشريكة سخيّة مع ابنها في آلام الفداء.

وقد توّجت العذراء مريم من خلال كلّ هذه الانعامات إلى تحفّظ منزّهة من فساد القبر وتنتقل على مثال ابنها الذي انتصر على الموت بنفسها وجسدها إلى مجد السّماء الأسمى، حيث تتلألأ ملكة عن يمين ابنها الملك السّماويّ الذي لا يموت أبد الدّهر.

إنّ عيد الانتقال يبيّن قيمة الحياة البشريّة وقدسيّتها وكرامة الشّخص البشريّ وذلك أنّ ابن الله بتجسّده وبالفداء اتّحد بكلّ إنسان وأصبح طريقه وعهد به إلى عناية الكنيسة ليكون طريقها هي أيضًا بحسب تعليم القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني في رسالته العامّة الأولى "فادي الإنسان".
وعلى ضوء هذا التّعليم بات من واجب العمل السّياسيّ أكان تشريعيًّا أم قضائيًّا أم أمنيًّا احترام الإنسان في حقوقه الشّخصيّة والعينيّة وفي كرامته وقدسيّة حياته وفي سلامته الجسديّة والمعنويّة لهذا السّبب لا تستطيع الكنيسة أن تصمت أمام كلّ ما يهدّد المواطن أيًّا كان دينه ورأيه ولونه مادّيًّا وخلقيًّا واقتصاديًّا بل على الكنيسة أن تطلق دائمًا صرخة الإنجيل، صرخة الحقّ والعدل ورفع الظّلم والكذب وأن تعطي صوتًا لمن لا صوت لهم وهكذا ترانا في هذه الأيّام التي تصلنا فيها شكاوى متعدّدة مكتوبة وموثّقة نرفع الصّوت عاليًا مندّدين بالأخطار الاقتصاديّة والماليّة وبالخلافات السّياسيّة وبالعنف والتّعذيب وشتّى الاعتداءات والممارسات غير الإنسانيّة التي تجري هنا وهناك وإنّنا نواصل هذا الأمر مع المسؤولين من أجل وضع حدّ لعذابات المواطنين التي تجري على أرضنا وكأنّنا أصبحنا في نظام آخر ووطن لآخر وعالم آخر .
سيّدة الانتقال وتتويج العذراء هي سيّدة قنّوبين في هذا المقرّ البطريركيّ عاش بطاركتنا اربعمئة سنة في عهد العثمانيّين من أجل المحافظة على الإيمان الكاثوليكيّ والاستقلاليّة، قاوموا بالصّلاة والصّمود مع الموارنة الذين يقيمون في قرية قنّوبين ومع الرّهبان والنّساك العابدين في المغاور والمناسك. سبعة عشر بطريركًا يرقدون على رجاء القيامة ومن هنا كان البطاركة وعلى رأسهم المكرّم البطريرك الكبير مار اسطفان الدّويهي يقودون المسيرة الوطنيّة بواسطة المقدمين والمسيرة الكنسيّة بواسطة الأساقفة حتّى بلغوا مع المكرّم البطريرك الياس الحويك إلى إعلان دولة لبنان الكبير في أيلول عام 1920. هنا اعتدي عليهم جسديًّا ومعنويًّا وماديا وأهينوا وأحرق كرسيهم وهجّروا ثمّ عادوا وصمدوا وتجذّروا وانطلقوا من الوادي إلى جميع المناطق اللّبنانيّة فإلى القارّات الخمس فتمّت نبؤة مريم العذراء في نشيدها "حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين".
وإختتم: إنّ عيد الانتقال وذكرى بطاركتنا ونسّاكنا وأهالي هذا الوادي كلّها دعوة رجاء لنا للصّمود والتّجذّر والانطلاق حاملين رسالة الإنجيل. ولتكن حياتنا مثل الذين سبقونا بخور صلاة نرفعه إلى الثّالوث المجيد الآب والإبن والرّوح القدس، آمين."
وبعد القدّاس وجولة في أرجاء الدّير، أقيمت مأدبة غداء على شرف البطريرك والمشاركين، ألقت خلاله الرّئيسة العامّة للرّاهبات الأنطونيّات كلمة شكر بمناسبة اليوبيل الـ25 لتسلّم الرّاهبات الأنطونيّات خدمة الدّير.