لبنان
01 تموز 2019, 12:30

الرّاعي ترأّس اليوبيل الكهنوتيّ الذّهبيّ والفضّيّ لكهنة أبرشيّة جونيه المارونيّة

ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، يوم الأحد قدّاسًا في كاتدرائيّة سيّدة العطايا- أدما بمناسبة اليوبيل الكهنوتيّ الذّهبيّ والفضّيّ لعدد من كهنة الأبرشيّة البطريركيّة المارونيّة في منطقة جونيه.

 

إستُهلّ القدّاس بكلمة ترحيبيّة للمطران أنطوان نبيل العنداري، قال فيها: 

"كم يسرُّنا ويشرِّفُنا أن نجتمع اليومَ، تحت رعايتكم يا صاحب الغبطة والنّيافة، نجدّد المواعيد والعهود، ونشهدُ أمامَ الله والكنيسة والذّات بأنّنا عائلة كهنوتيّة يجمعها حبُّ المسيح وبنيانُ كنيسته.

إنَّ حضورَكم معنا، في هذا الأحد المبارك، يا صاحبَ الغبطة، يزيد اليوبيل يوبيلاً، لما تحظى به منطقتنا في الأبرشيّة البطريركيّة من بركةٍ أبويّة ومحبّة كهنوتيّة وعين ساهرة.

فهل نرحّب بكم، وأنتم صاحب الدّار؟ حسبُنا أن نعرب لغبطتكم عن مشاعرنا البنويّة وأنتم تُضفون على احتفالنا بهاءً على بهاء.

وإنّا إذ نشكرُ لغبطتكم، من صميم القلب، اعتزازَنا بترؤّسكم هذا الاحتفال، والفرحَ يغمُرنا بحلولكم بين أبنائكم، ندعو لكم بدوام الصّحّة والعافية. ونسألُ الله أن يَمُدّكم بالعمر الطّويل، وَيُبقيَكم لنا ذِخرًا، ويكلّل جهادكم في خدمة الكنيسة والوطن، لإحقاقِ الحقّ وإزهاقِ الباطل.

بإسم جمبع أبنائكم في الأبرشيّة الّتي ترعون، وبإسم المحتفى بهم وذويهم، وبإسم جميع الحاضرين والمشاركين معنا اليوم، نشكر لكم رعايتكم وحضوركم ولكم منّا كلّ ولاء ومحبّة وتقدير". كما شكر السّفير البابويّ والرّسميّين ولجنة اليوبيل الّتي هيّأت الاحتفال ونظّمته سائلاً الله أن يكافىء جهودهم ويشملهم بنعمه الوافرة.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس ألقى البطريرك الرّاعي عظة قال فيها: "رأى يسوع الجموع مضنوكين ومطروحين مثل خرافٍ لا راعي لها، فتحنّن عليهم" (متّى 9: 38- 39)

 

"1- إختارنا الرّبّ يسوع، نحن الأساقفة والكهنة، رعاةً وفق قلبه، للنّفوس الّتي افتداها واقتناها بدمه. فسلَّمنا محبّتَه لها وحنانَه، عاطفته وعنايته. من أجل هذه الغاية، سلّمَنا السّلطانَ الكهنوتيّ الّذي أُعطي له، ككاهنٍ أسمى، وهو سلطان الكرازة بالإنجيل والتّعليم؛ وسلطان ممارسة الأسرار ونقل نعمتها لتقديس النّفوس؛ وسلطان الرّعاية والتّدبير على قاعدة المحبّة والوحدة.

وكما في زمانه، إذ يلقي اليوم نظرةً على شعبنا المتعثّر روحيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وإنمائيًّا وسياسيًّا، "يراهم مضنوكين ومطروحين مثل خرافٍ لا راعي لها، فيتحنّن عليهم" (متّى 9: 38- 39). بهذا يدعونا لنرى ونتحنّن ونعمل، مثلما دعا رسله الاثني عشر وأرسلهم، لاسيّما وأنّ الكنيسة تحتفل اليوم بعيدهم.

2- يسعدني وإخواني السّادة المطارنة أن نلبّي دعوة سيادة أخينا المطران أنطوان نبيل العنداري، لنحتفل معكم، أيّها الكهنة الأحبّاء، بهذه اللّيتورجيّا الإلهيّة، احتفاءً بيوبيلكم الكهنوتيّ: الفضّيّ لبعضٍ منكم والذّهبيّ لبعض وما بعد الذّهبيّ للبعض الآخر. خمسة وعشرون سنةً وخمسون وأكثر وحتّى ستّون وما فوف من حياةٍ كهنوتيّةٍ نشكر الله معكم عليها: على النّعم الّتي أفاضها عليكم، وعلى عائلاتكم والنّفوس الّتي خدمتموها في مختلف رعايا هذه النّيابة العزيزة، قد بدأتموها في عهد سيادة أخينا المطران شكرالله حرب، وعهد من سبقه من مطارنة، وواصلتموها مع سيادة أخينا المطران أنطوان نبيل العنداري، الّذي نشكره على المبادرة بإحياء هذا الاحتفال باليوبيلَين، بمناسبة عيد الرّسل الاثني عشر.

 

3- إنّنا، إذ نهنّئكم من صميم القلب، نقدّم هذه الذّبيحة المقدّسة معكم، إفخارستيّا شكرٍ لله وتسبيحٍ وتمجيد، وليتورجيّا التماسٍ لتجديد نعمة الكهنوت بكلّ دَفعِها وغيرتها، وذبيحة استغفارٍ عن كلّ الخطايا والأخطاء والنّواقص الّتي لطّخت نصاعة كهنوتكم.

أنتم اليوم تجدّدون وعدكم الكهنوتيّ وعهد الحبّ والأمانة للرّبّ يسوع وللكنيسة، وقد جعلاكم "وكلاء أسرار الله" (1كور 1:4)، ويحافظان على هذا العهد مع كلّ واحدٍ منكم. إنّه عهد معرفةٍ أعمق للمسيح، ومحبّةٍ أكبر، وعهدُ التزامٍ بالرّسالة الموكولة منه إلى الكنيسة ومنها إلى كلّ واحدٍ منكم ومنّا. ومعًا أفرادًا وجسمًا كهنوتيًّا حول الأسقف تحملون هذا الالتزام "كنزًا في آنيةٍ من خزف"، متّكلين، من أجل حمايته، على قدرة الله الفيّاضة لا على قدرتكم، كما كتب بولس الرّسول إلى أهل كورنتوس (راجع 2كور4: 6-7).

4- وكوننا "وكلاء أسرار الله" (1كور1:4)، يدعونا الرّبّ يسوع، ويدعوكم، ويدعو كلَّ كاهنٍ ليكون "وكيلاً أمينًا حكيمًا" (لو42:12): يريده أمينًا للمسيح سيّدِه، وأمانةً لتوزيع أسرار الله، وأمانةً للجماعة الموكولة إلى عنايته، وهي "رعيّة المسيح الّتي اقتناها بدمه". ويريده حكيمًا في التّصرّف بعيدًا عن التّسبّب بأيّ شكّ، ووفقًا لما تمليه عليه أنوار الرّوح القدس. فالحكمة هي أولى مواهبه السّبع الّتي يحتاج إليها الإيمان لينير العقل، والعقلُ بدوره يوجّه الإرادة والقلب.

5- لقد خدمتم، أيّها الكهنة اليوبيليّون الأحبّاء، أسرار الله طيلة سنواتكم الكهنوتيّة. واليوبيل محطّةٌ لتجديد القوى الرّوحيّة والمعنويّة، والانطلاق بدفعٍ جديدٍ من الرّوح عينه الّذي أطلقكم يوم رسامتكم الكهنوتيّة.

إئتُمنتم على خدمة المائدتين: مائدة كلمة الله، ومائدة جسد الرّبّ ودمه. هما مائدةٌ واحدة: المسيح نفسه هو الكلمة الّتي نحتفل بها ذبيحة فداء، بواسطة الخبز والخمر والمحوَّلَين جوهريًّا إلى جسده ودمه، ونتناولها خبزًا سماويًّا لحياة نفوسنا. لكنّ هذه المائدة المزدوجة بحاجةٍ إلى عنايةٍ خاصّةٍ ومتقَنةٍ وورعة من أجل حسن تهيئتها والدّعوة إليها وتوزيع نعمها. غير أنّها مائدةُ الكاهن نفسه اليوميّة. أجل اليوميّة، لكي منها يغتذي، ويستمدّ روحانيّته، وخدمته القربانيّة المعطاءة والمضحّية والباذلة وإلاّ جفّ روحيًّا واعتمد مسلكًا آخر ونهجًا آخر.

6- وإئتُمنّا على خدمة المصالحة مع الله وبين النّاس، وجعلَنا المسيح سفراءه للمصالحة (2كور5: 18و20). إنّها خدمة أساسيّة في رسالتنا الكهنوتيّة إذ ليس أجمل وأسعد من سلام الضّمائر. لكنّ هذه الخدمة تصطدم بثلاث عقبات: الأولى، فقدان الحسّ بالخطيئة وبمفهومها بشكلٍ عام؛ والثّانية، إنهماكنا في العديد من المسؤوليّات على حساب هذه المسؤوليّة الأساسيّة، ما جعل المؤمنين يشعرون بقلّة جديّتها؛ والثّالثة، الخلافات والنّزاعات القائمة بين النّاس والمستعصية على أيّة محاولةٍ للمصالحة الرّوحيّة أوّلاً مع الله على المستوى العاموديّ، وتاليًا بين النّاس على المستوى الأفقيّ، سواء في العائلة بين الزّوجين أم في المجتمع الأوسع.

ولئن كانت الخلافاتُ السّياسيّة ولّدَت إنشطارًا اجتماعيًّا بين النّاس، يبقى من واجب الكهنة ألاّ ينجرفوا في أيّ لونٍ سياسيٍّ أو حزبيٍّ، ليستطيعوا المحافظة على دور الوسيط والمصلِح.

7- ولا ننسى أنّنا مؤتمنون على خدمة المحبّة الاجتماعيّة تجاه الفقراء والمعوزين والمرضى، ما يقتضي تنظيم هذه الخدمة في رعايانا، أوّلاً، ثمّ بالتّعاون مع المؤسّسات، انطلاقًا من دعمها. ولا ننسى أنّ الكرازة  (Kerygma) تؤدّي إلى اللّيتورجيّا، وهذه إلى الدّياكونيا (أيّ خدمة المحبّة). فلا فصل بين هذه الثّلاث الّتي تشكّل جوهر رسالتنا الكهنوتيّة. فالكرازة من دون اللّيتورجيا تفقد كلّ قيمتها واللّيتورجيا من دون خدمة المحبّة تفقد قيمتها أيضًا.

8- اليوم، في هذا الاحتفال اليوبيليّ نشكر المسيح الرّبّ، الكاهن الأزليّ، على اختيارنا مشاركين في كهنوته ورسالته. ونلتمس منه نعمة الأمانة لهما، رافعين معًا نشيد المجد والتّسبيح للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

 

وبعد القدّاس، ألقى المونسنيور يوحنّا- مارون عوّاد كلمة شكر باسم الكهنة المحتفى بهم الّذين تسلموا في الختام البركة الرّسوليّة من البطريرك الرّاعي .