لبنان
17 أيلول 2019, 11:15

الرّاعي: المطلوب أن تكتشف ذاتك على ضوء الله وتزهر

بدأ بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الرّاعي نقل مضمون الفصل الثّامن من الإرشاد الرّسوليّ للبابا فرنسيس "المسيح يحيا"، وموضوع هذا الفصل الدّعوة بمفهوميها الواسع والخاصّ، والدّعوة إلى الحبّ والعائلة، والعمل والحياة المكرَّسة، وقال:

1- الدّعوة (الفقرات 248- 258)
يشرحها البابا فرنسيس بمفهوميها الواسع والخاصّ.
أ- بمفهومها الواسع (الفقرات 248- 252)
الدّعوة نداءٌ من الله الدّاعي إلى الحياة، إلى الصّداقة معه. ما يعني أنّ حياتنا موضوعةٌ ضمن إطار محبّة الله، وليست وليدة الصّدفة. إنّها دعوةٌ للعيش والنّموّ من أجل مجد الله. المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني أكّد أنّ كلّ واحدٍ وواحدةٍ منّا مدعوٌّ إلى القداسة (الدّستور العقائديّ، في الكنيسة، 11).
الدّعوة من المسيح هي إدخالنا في تاريخ حبٍّ بدأه المسيح في أرض هذا العالم، ويريدنا أن نشارك فيه من خلال تاريخ كلّ واحدٍ منّا، حيث المسيح يزرع فيه نعمه وينزرع شخصيًّا.
ب- بمفهومها الخاصّ (الفقرات 252- 258)
هي دعوةٌ إلى الخدمة الرّساليّة تجاه الآخرين. يدعونا الرّبّ للمشاركة في عمل الخلق، مقدّمين مساهمتنا في توفير الخير العامّ على أساس القدرات الّتي أُعطيناها. هذه الدّعوة الرّساليّة تختصّ بخدمتنا للآخرين. فحياتنا على الأرض تبلغ ذروتها عندما تتحوّل إلى تقدمة ذات. ذلك أنّ كلّ واحدٍ في رسالةٍ على الأرض، ولهذا السّبب موجودٌ في العالم. ولذا نقول أنّ صفة الدّعوة تلازم كلّ راعويّة، وكلّ تنشئة، وكلّ روحانيّة.
دعوتك ليست فقط نشاطات تقوم بها، بل وبخاصّةٍ مسيرة توجّه جهودك العديدة وأفعالك نحو الخدمة. ولذا، تمييز الدّعوة يقتضي تقييم ما لديك من قدرات ضروريّةٍ لهذه الخدمة الخاصّة للمجتمع. من الضّرورة أن تعرف لماذا أنتَ صُنعت، لماذا تمرّ على وجه الأرض، وما هو تصميم الله عليك. الله لا يبيّن لك الأمكنة والأزمنة والتّفاصيل، ولكن سيكون لك توجيه إلهيّ لما أنت اخترت في حياتك. فلا بدّ من سماع صوت الله، والانصياع له لكي يجبلك كما يشاء. حينئذٍ ستكون ما يجب أن تكون، وستكون أمينًا لحالتك الشّخصيّة.
من أجل تحقيق الدّعوة الخاصّة، أنت لا تخترع ذاتك، ونفسك لا توجِد من العدم. بل المطلوب أن تكتشف ذاتك على ضوء الله وتزهر. في تصميم الله كلّ حياة دعوةٌ يجب أن تنمو. الدّعوة توجّهك إلى أن تضع أجمل ما عندك لمجد الله ولخير الآخرين.
2. الحبّ والعائلة (الفقرات 259- 267)
يشعر معظم الشّباب بدعوة إلى الحبّ ويحلمون بلقاء الشّخص المناسب لإنشاء عائلةٍ معه، وبناء حياةٍ وحبٍّ معه. لا شكّ في أنّها دعوةٌ من الله من خلال العواطف والرّغبات والأحلام (راجع فرح الحبّ، الفصلَين 4 و5). سرّ الزّواج يظلّل هذا الحبّ بالنّعمة الإلهيّة ويجذّره في الله. وهذا مبعث طمأنينة للانطلاق في الحياة الزّوجيّة والعائليّة.
في الحياة الزّوجيّة يشكر الزّوجان الله على عطيّة الجنس الّذي به يتحابّان بعاطفةٍ عميقة، وينقلان الحياة البشريّة، ويعيشان في سعادة.
يقيّم الأبناء الحبّ بين الوالدين وعنايتهما بهم. ولكنّهم يُصدَمون في العمق من جرّاء انفصال الوالدين والطّلاق واختبار اليتم فيما الوالدان أحياء. في هذه الحالات يلعب الجدّ والجدّة دورًا كبيرًا في سدّ هذا الفراغ. بسبب الصّدمات، يتساءل الشّباب حول معنى الحياة الزّوجيّة والعطاء بفرح، وينتابهم الشّكّ في نجاحها، ويحملون همَّ تحدّياتها والمغامرة فيها. لكنّ جواب قداسة البابا فرنسيس دعوتهم للتّمسّك بقيمة الحبّ الزّوجيّ والحياة الزّوجيّة والعائليّة، وعدم نسيان مرافقة الله لهم بنعمته.
تروَّج اليوم ثقافة المؤقّت الّتي هي سراب وخدعة وكذب. بعضهم يعتبر الزّواج "خارج الموضة"، ويدعو إلى التّنعّم بالوقت الحاضر، وبالتّالي إلى اللّاحاجة للالتزام. البابا فرنسيس يدعو إلى ثورةٍ ضدّ هذه الثّقافة وهذا التّفكير. فالشّباب قادرون على أن يحبّوا حقًّا، ويتحمّلوا عقد زواجٍ وإنشاء عائلة.
من الضّرورة التّحضير للزّواج بتربية الذّات وإنماء الفضائل وبخاصّة الحبّ والصّبر والمقدرة على الحوار والخدمة. ويجب أيضًا تربية الحياة الجنسيّة الخاصّة، فلا تكون أداةً لاستعمال الآخر، بل قدرةً على عطاء الذّات بملئها إلى الشّريك بشكلٍ استئثاريّ وسخيّ.
رفع الرّبّ يسوع الزّواج إلى رتبة سرّ لكي يعضد ضعف الزّوجين وينير حياتهما بنعمته. فبفضل نعمة السّرّ الّتي هي قوّة ونور يستطيعان تحقيق مشروع حياتهما الزّوجيّة وفقًا لتصميم الله.
الأشخاص غير المدعوّين إلى الحياة الزّوجيّة أو إلى الحياة المكرَّسة فليتذكّروا دائمًا دعوتهم بحكم سرّ المعموديّة، وهي الدّعوة إلى النّموّ الرّوحيّ.