لبنان
12 أيار 2019, 11:35

الرّاعي: المثلّث الرّحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير راعٍ مثاليّ كامل

ترأّس البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرّاعي قدّاسًا إلهيًّا في بكركي، وألقى خلاله عظة تحت عنوان "قال لهم يسوع: ألقوا الشّبكة إلى يمين السّفينة تجدوا" (يو 6:21)، جاء فيها:

 

"بالألم الشّديد والرّجاء المسيحيّ نقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة لراحة نفس أبينا المثلّثّ الرّحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير الّذي انتقل إلى بيت الآب في السّماء، عند السّاعة الثّالثة من فجر اليوم الأحد، وهي السّاعة الّتي قام فيها ربّنا يسوع من الموت، "وصار بكر القائمين" (1كور20:15). إنّنا نعزّي إخواننا السّادة المطارنة أعضاء سينودس كنيستنا المارونيّة وكلّ إكليروسها وشعبها في لبنان والمشرق وبلدان الانتشار، ولاسيّما أحبّاءنا الّذين كنّا على موعد معهم لزيارتهم في هذه الأيّام في بلدان أفريقيا الغربيّة والشّماليّة والوسّطى وعلى رأسهم سيادة أخينا راعي الأبرشيّة هناك المطران سيمون فضّول. كما نعزّي شقيقات أبينا المثلّث الرّحمة وعائلاتهنّ وسائر ذويهم وأنسبائهم الأحبّاء وآل صفير الكرام. ونعزّيكم أنتم أيضًا المشاركين في هذه اللّيتورجيا الإلهيّة.

      نطلب من إخواننا السّادة المطارنة، وأبناءنا الكهنة أن يقدّموا الذّبيحة الإلهيّة لراحة نفسه في قدّاسات هذا الأحد، ويرافقوه بصلواتهم، فيما هو يحضر أمام العرش الإلهيّ حاملًا أعماله الصّالحة الوفيرة، مع حياته النّقيّة الّتي قدّسَتْها النّعمة الإلهيّة كلّ يوم. كما نطلب من المرّضى وسائر المتألّمين أن ينضمّوا بأوجاعهم إلى صلواتنا.

      إنّنا في هذا الكرسيّ البطريركيّ، الّذي عاش فيه ثلاثًا وستّين سنة متواصلة كاهنًا وأسقفًا وبطريركًا وكردينالًا، نخسره أيقونة، لكنّنا نربحه جميعنا شفيعًا في السّماء.

آية الصّيد العجيب صورةٌ عن الكنيسة ورمزها، فيسوع يقودها كالسّفينة في بحر هذا العالم، ويجتذب النّاس بكثرة إلى الإيمان به بواسطة شبكة الإنجيل، ويوجّه الكنيسة في رسالة صيد البشر، مثلما وجّه التّلاميذ، إذ ظهر لهم بعد قيامته، بعد ليلة صيد فاشّلة، وقال لهم: "ألقوا الشّبكة إلى يمين السّفينة تجدوا. ولمّا ألقوها ضبطت سمكًا كثيرًا" (يو6:21).

      هي الكنيسة في سرّها ورسالتها تظهر بملامحها في هذه الآية. بما أنّ المسيح أسّسها، وهو رأسها، فإنّه يسهر عليها ويوجّهها بأنوار روحه القدّوس، من خلال رعاة بشر هم الأساقفة الّذين اختارهم وأقامهم خلفاء للرّسل الإثنيّ عشر، مع معاونين لهم: الكهنة والشّمامسة المقامين في الدّرجة المقدّسة، وآخرين ممّن كرّسوا حياتهم بالنّذور الرّهبانيّة، وآخرين من العائشين في العالم ويعنون بشؤونه الزّمنيّة، ويشاركون في رسالة الكنيسة بحكم المعموديّة والميرون. إنّ المثلّثّ الرّحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير راعٍ مثاليّ من هؤلاء الرّعاة قاد كنيستَنا المارونيّة باتّحادٍ كامل مع إرادة المسيح الإله، وشكرٍ دائمٍ لعنايته القدّوسة.

إنّها الكنيسة الجامعة الواحدة. فشموليّـها أو "جامعيّتها" ظاهرة في "المئة وثلاثّ وخمسين سمكة كبيرة" (الآية 11). إعتبر آباء الكنيسة أنّ هذا العدد يرمز إلى عدد الشّعوب المعروفة آنذاك، ما يعني أنّ رسالة الكنيسة تشمل جميع النّاس. أمّا وحدتها فظاهرة في أنّ الشّبكة لم تتمزّق على الرّغم من هذا العدد الكبير من السّمك.

      هذه "الجامعيّة في الوحدة" عبّر عنها الرّبّ يسوع بقوله: "ولي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة، عليّ أن آتي بها هي أيضًا. وستسمع صوتي فتكون رعيّة واحدة وراعٍ واحد" (يو16:10). 


وهي الكنيسة المتحلّقة دائمًا حول يسوع. تعرفه من خلال عطاياه، مثلما عرفه يوحنّا؛ وتشكره في كلّ حين، كما فعل سمعان بطرس عندما ألقى بنفسه في البحيرة آتيًا إلى يسوع (الآية 7). وتجالسه على مائدة محبّته في وليمة القدّاس الإلهيّ، يكسر خبز جسده لنأكله، ويعطينا كأّس دمه لنشّربه، لمغفرة الخطايا والحياة الجديدة، كما فعل في خاتمة آية الصّيد العجيب، حيث "تقدّم وأخذ الخبز وناولهم، ثمّ فعل كذلك بالسّمك" (الآية 13).

الكنيسة هي نموذج المجتمع والدّولة. فمن واجب المسّؤولين السّياسيّين العمل بمسّؤوليّة على تكوين مجتمع قائم على التّنوّع في الوحدة. فلا إقصاء لأحد ولا إهمال لأحد، ولا إعطاء سبب لهجرة أحد ولتعطيل قدراته في وطنه، لدواعٍ سياسيّة أو اقتصاديّة أو معيشيّة. إذًا وضع رجال الحكومة والمجلس النّيابيّ هذه المبادئ نصب أعينهم، لخرجوا بموازنة تبشّر بالإصلاح، والنّموّ الاقتصاديّ، والاستقرار الماليّ، والحياة الاجتماعيّة الكريمة، ولأوقفوا مزاريب هدر المالّ العامّ، وقضوا على الفساد، ولملموا أموال الدّولة السّائبة لصالح النّافذين.

      والدّولة، على مثال الكنيسة الأمّ، تنمّي خبز قدراتها، مثلما فعل الرّبّ يسوع في آية الصّيد العجيب، وتناول المواطنين كلّهم من فيض عطاياها الّتي تتزايد. فلا يتوزّعها القيّمون عليها حصصًا فيما بينهم، بل على العكس يزيدون منها لكي تتمكّن الدّولة من توفير خيراتها للجميع، وفقًا لقاعدة الخير العامّ.

نصلّي إلى الله كي نلتزم كلّنا في رسالة الكنيسة الّتي هي تعزيز التّعدّديّة في الوحدة. ونلتزم في المشاركة بقدّاس الأحد الّذي يتيح لنا اللّقاء بالمسيح وبواسطته بالله الآب والرّوح القدس، فنعرفه أحسن، ونحبّه أكثر، ونشكره على عطاياه؛ ونلتزم بنشر ثقافة سرّ القربان، ثقافة توفير المزيد من الخير، من أجل توّزيع أشّمل يسعد الكثيرين. ومعًا نرفع نشيد المجد والتّسبيح والشّكر للثّالوث .القدّوس الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين"