أميركا
26 حزيران 2016, 06:44

الرّاعي: الحروب الجارية في الشرق الأوسط علامة تذكّرنا أننا مؤتمنون على جذور المسيحيّة وعلى استمرار اعلان انجيل يسوع المسيح بشرى الفرح للجميع

واصل غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الرّاعوية الى رعية مار يوحنا مارون في بافالو - ولاية نيويورك الاميركية. حيث ترأس مساء الخميس٢٣ حزيران الذبيحة الالهية بحضور المطران كيمك kimeck راعي ابرشية بوفالو السابق وعاونه المطران غريغوري منصور والمطران بولس الصياح وكاهن الرعية الخوري ايلي كيروز ولفيف من الكهنة. وبعد كلمة ترحيب من كاهن الرعية في مستهلّ القداس وصف فيها زيارة البطريرك بالتاريخية، ألقى غبطته عظة تحت عنوان: "ميّزوا علامات الأزمنة" (متى ٣/١٦). ومما جاء فيها:

 

 " نزوركم اليوم حاملين معنا سلامًا من لبنان، الوطن الروحي للموارنة. مع آمال وهموم شعوبنا في بلدان الشرق الاوسط التي تمر في ظروف مصيرية ودقيقة للغاية. ما يقتضي صلاتكم وتضامنكم." وأضاف: "من علامات الأزمنة اليوم الحروب الجارية في بلدان الشرق الاوسط، حيث تسود لغة القتل والحقد والدمار والبغض والتهجير والعنف والارهاب، وحيث لا قيمة للشخص البشري ولحياة الانسان. هذه "العلامات" تكشف اهمية حضور الكنيسة والمسيحيين في هذه المنطقة من العالم، التي تحتاج الى لغة انجيل المحبة والأخوة والسلام، انجيل كرامة الانسان وقدسية الحياة البشرية. هذه "العلامات" تذكّرنا نحن المسيحيين في الشرق الاوسط، حيث تجلى الله في سرّ المسيح، وحيث اعلن المسيح انجيل الخلاص للعالم كله، اننا مؤتمنون على جذور المسيحية، وعلى استمرارية اعلان انجيل يسوع المسيح، بشرى الفرح لجميع الناس."

بعد القداس اقامت الرعية حفل عشاء على شرف غبطته شارك فيه حشد من ابناء الجالية اللبنانية وعدد من النواب واعضاء مجلس الشيوخ ومدعي عام محافظة ايريكاوني الذين اصدروا سلسلة اعلانات تكريمية وقدموا شهادات تقدير لغبطته ومواطنية شرف في مدينة ويليامز فيل williamsville،  وقد القيت خلال اللقاء عدة كلمات ترحيبية لراعي الابرشية المطران غريغوري منصور الذي قدم غبطته للحضور متوقفا عند رعاة الكنيسة في الشرق الاوسط الذين يواجهون الصعوبات والتحديات والمخاطر بشكل يومي، لافتا الى قضية خطف المطرانين يازجي وإبراهيم في سوريا وهما راعيان في كنيستيهما. اضافة الى ما يتعرض له الأساقفة والكهنة والمؤمنين في الشرق الاوسط من ظلم ومنهم من نال التعذيب والقتل. كما أشار سيادته الى حادثة القامشلي التي استهدفت الاحتفال الذي كان يترأسه غبطة البطريرك مار أفرام الثاني بطريرك السريان الاورثوذكس. وختم المطران منصور: "البطريرك الراعي هو الراعي الصالح الذي لا يخاف شيئا وهو اول وابرز رعاة الشرق الاوسط الذي يحمل رسالة المحبة والسلام في زمن البغض والحقد ومن رسالته ودوره وكلامه نستخلص كل خير ورجاء وأمل لوطننا لبنان ولكنيستنا المارونية". كما كانت كلمات لكاهن الرعية الخوري ايلي كيروز والسيد انطوني حبيب باسم الجالية اللبنانية.

من جهته رد البطريرك الراعي بكلمة شكر الى ابناء الرعية والى السلطات الرسمية الاميركية على استقبالهم، متطرقا الى الاوضاع في لبنان والشرق الاوسط، وقال: "كنا نسمع ببافلو من خلال المثلث الرحمات المطران فؤاد الحاج الذي خدم في هذه الرعية. اعرف انكم تحملون في قلوبكم همّ لبنان والشرق الاوسط. ونحن نأسف ان تكون ارض الشرق الاوسط، الارض التي ولد فيها المسيح والتي فيها ولدت الكنيسة ومنها انطلق الانجيل الى العالم، ان تكون اليوم ارض الحديد والنار. وهذا ما يجعلنا نقول اليوم انه من الضروري استمرار الحضور المسيحي في الشرق الاوسط مع اخوتنا المسلمين على مختلف طوائفهم كي نحافظ على الحضارة التي بنيناعا معًا، وكي نحمل انجيل السلام في قلب الحرب والبغض. ونشعر اكثر فأكثر بوجوب بقائنا وصمودنا في الشرق كي نشهد لقيمة الانسان وكرامته. هذا هو الانجيل، الخبر المفرح لكل انسان وليس فقط للمسيحيين. ونحن مؤتمنون على ان يبقى الانجيل الخبر السار لكل البشر. وكلبنانيين، مسيحيين ومسلمين على تنوعنا، لدينا دور اساسي ومميز لاننا استطعنا، وخلافًا لكل العالم العربي والاسلامي، ان نبني دولة تفصل بين الدين والدولة ونعيش فيها بمساواة في ظل نظام ديمقراطي وحريات عامة يحتاج تحتاج اليها دول الشرق الاوسط، وهذا ما جعل البابا القديس يوحنا بولس الثاني يقول عن لبنان انه اكثر من بلد، انما رسالة ومثال للشرق وللغرب. لذلك علينا كلبنانيين ان نحافظ على هذه الهوية والرسالة التي تميزنا. هذا جزء من هويتنا وتقاليدنا اللبنانية وعلينا نحن ان نشهد لها اينما كنا، في الولايات المتحدة الاميركية او في اي مكان آخر من العالم، كما علينا ان نحمل معنا تقاليدنا المارونية وروحانيتنا ولاهوتنا وتراثنا وتاريخنا لكي نغني بهم الكنيسة الموجودة في اميركا في الوقت الذي تساهمون فيه ببناء المجتمع الاميركي من خلال نشاطكم المتنوع. فقيمة المجتمع الاميركي في تعدديته بالشعوب وتقاليدها".

وأضاف غبطته: "ان استمرار الحروب في الشرق الاوسط يشكل خطراً على هويتنا المشرقية من جهة، وعلى هويتنا اللبنانية والمسيحية من جهة اخرى. فكلنا يعرف ان المظاهرات والاعتراضات التي بدأ فيها الشعب كانت للمطالبة باصلاحات محقة كان يجب ان تجري. لكن ما حصل هو ان الحركات الاصولية والتنظيمات الارهابية طغت عليها واساءت الى مسارها وباتت تقوم بتهجير الشعوب من اراضيها والحلول محلها وهذا هو الخطر الاكبر على هويتنا. ولبنان يواجه اليوم نزوح مليون ونصف سوري الى ارضه اضافة الى نصف مليون فلسطيني، وهم يتزايدون سنويًا بنسبة كبيرة، واذا استمرت الحرب فهذا يعني ان الهوية اللبنانية مهددة وان خطر هجرة اللبنانيين يتعاظم. ولذلك نحن نطالب الاسرة الدولية بانهاء الحرب في سوريا وبحل القضية الفلسطينية وعودة كل النازحين الى بلادهم وأراضيهم. فحماية لبنان تشكل باب رجاء وامل لكل الشرق الاوسط."

وتابع البطريرك الراعي: "عليكم أن تساعدوا الشعب اللبناني واهلكم في لبنان للبقاء والصمود في لبنان. كما عليكم ان تحافظوا على قيودكم الشخصية في لبنان وعلى جنسيتكم اللبنانية، لان نظام لبنان يقوم على الديمغرافيا والمشاركة. وهذا يعطيكم قيمة اضافية وشرف الانتماء الى تلك الارض المقدسة."

 وختم: "أنكم تطالبون بصوت واحد، وكما سمعنا منكم، بانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وهذا ضرورة ملحة وواجب. فلبنان وبحكم موقعه الجغرافي ونظامه السياسي، يشكل دورا كبيرا في الشرق الاوسط، ولذلك فهو يتأثر بالنزاعات الطائفية الاسلامية الاقليمية الدائرة في المنطقة، وهذا ما يعرقل انتخاب الرئيس بشكل كبير. ولذلك نحن نطالب بتفاهم سعودي – ايراني يسهّل انتخاب الرئيس ويحرر لبنان من تداعيات خلافاتهما. وبإمكان الولايات المتحدة الاميركية المساعدة ايضًا بفصل لبنان عن النزاعات المحيطة كي لا يستمر في الغرق وقبل فوات الاوان. ولا يجوز ان تضحي اميركا ببلد ديمقراطي في الشرق، وهي ام الديمقراطيات، وتريد الديقراطية في الشرق. فلبنان هو باب الديمقراطية الى الشرق."          

وقبل مغادرته Buffalo استقبل غبطته راعي الابرشية اللاتينية المطران ريتشارد مالون Richard Malone الذي اعرب عن تضامنه مع مسيحيي الشرق الاوسط معتبرا ان الحوار المؤدي الى السلام هو الطريق الوحيد لحل كل ازمات المنطقة. ثم شارك سيادته في رفع الستار عن اللوحة التذكارية التي تخلد ذكرى زيارة غبطته الى الرعية، وفي اللقاء الذي أعد لغبطته مع الشبيبة والاطفال في قاعة الرعية.