لبنان
20 آب 2017, 10:46

الرّاعي: إنّ كرامة لبنان وشعبه من انتصار جيشه

ترأّس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاس الأحد من الديمان، عاونه المطران غي بولس نجيم المرشد العام للحركة الرّسوليّة المريميّة، وكاهن رعية حصرون ولفيف من الكهنة؛ بحضور النائب نعمة الله أبي نصر، الهيئة الإداريّة للمخيّم الرّسولي التّابع للحركة، الوفد الآتي من بلدة الناعمة، الزّوجين عادل وماري أغابّي من الأردن، عائلة المرحوم حافظ فرح فرح ، وحشد من المؤمنين. وبعد الانجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظةً، بعنوان:"يا امرأة، عظيم إيمانك! ليكن لك ما تريدين" (متى 15: 28)، وقد جاء فيها:

نصلّي بنوع خاص في هذه الذّبيحة الإلهيّة من أجل انتصار جيشنا اللّبناني على الإرهابيين في جرود ورأس بعلبك والقاع، وحماية عناصره من كلّ أذى. ونذكر بصلاتنا الجرحى ملتمسين شفاءهم. إنّ كرامة لبنان وشعبه من انتصار جيشه.

ولقد آلمتنا كما شعب إسبانيا والمجتمع الدّولي، العمليّتان الإرهابيّتان في مدينتي برشلونة و Cambrils مساء الخميس الماضي، وكانت ضحاياهما أربعة عشر قتيلاً، ومئة وثلاثين جريحًا. وقد تبنّى تنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش) العمليّة الإرهابيّة هذه، الوحشيّة واللاّ إنسانيّة، الّتي ندينها أشدّ الإدانة. ونعبّر للسلطات والشّعب الإسباني عن تضامننا معهم وقربنا منهم في مصابهم الوطني الأليم. إنّنا نصلّي لراحة نفوس الموتى، وعزاء أهلهم، ولشفاء الجرحى. إنّ من واجب الأسرة الدّوليّة القضاء على الإرهاب، والتّنديد بالدّول الّتي ما زالت تمدّهم بالمال والسّلاح، وتدعمهم سياسيًا، لأغراض تخريبيّة من أجل مآرب غير معروفة.

"يا امرأة، عظيم إيمانك" (متّى 15: 28). أجل، عظيم إيمان المرأة الكنعانيّة الوثنيّة بشخص يسوع، الظّاهر في ثقتها به وبرحمته وبقدرته على شفاء ابنتها. هذا الإيمان-الثّقة حملها على أن تصرخ مرارًا، وتقترب منه، وتسجد على قدميه، وتقبل الإذلال، وتردّد طلبها بثقة. الإيمان الحقيقي إيمان بشخص، وليس مجرّد قبول الحقائق الإيمانيّة والعقائد، وتعليم الإنجيل والكنيسة، بل هو قبل كل شيء إيمان بشخص المسيح الفادي والمخلّص، وبواسطته هو إيمان بالآب السّماوي الّذي يشمل البشريّة جمعاء بمحبّته، وبالرّوح القدس الّذي يحقّق في كل مؤمن ومؤمنة ثمار الفداء.

 الإيمان نور إلهي داخلي يقود العقل البشري إلى معرفة الحقيقة. هذا النّور هو من فعل الرّوح القدس، عبر موهبتي العلم والفهم. هكذا بدا في إيمان المرأة الكنعانيّة، ولو كانت وثنيّة تعبد آلهة صنميّة. فالنّور الإلهي بالرّوح القدس ينير كل إنسان، في كل موضع من الأرض، مثل نور الشّمس. يكفي أن يفتح الإنسان قلبه وعقله إلى هذا النّور. هذا ما فعلته تلك المرأة، إذ أدركت، بفضل النّور السّماوي، انّ يسوع هو المسيح الآتي من سلالة داود والحامل الرّحمة لشفاء أمراض البشر، وراحت تناديه بأعلى صوتها:"يا ربّ، يا ابن داود ارحمني! إنّ ابنتي بها شيطان يعذّبها جدًا" (الآية 22). ثمّ عادت وسجدت له وترجّته: "ساعدني، يا ربّ!" (الآية 25).

ويصبح الإيمان بشخص المسيح حبًا له، كما هي الحال بين البشر. هذا الحب الإحترامي ظهر لدى الكنعانيّة.بتحمّلها ثلاثة: تجاهل يسوع لها، قوله للتلاميذ بأنّه أتى لهداية الضّالين من بني إسرائيل دون سواهم، وجوابه القاسي لها:"لا يحسن إعطاء خبز البنين لجراء الكلاب". لذا، أراد يسوع أن يعظّم إيمانها المميّز أمام الشّعب كله، وأن يجعلها قدوة في الإيمان لبني إسرائيل، أي الشّعب اليهودي الّذي منه يتحدّر هو بتجسّده، وأن يدعوها للإنخراط في العهد الجديد المسيحاني الّذي بدأه شعبًا جديدًا معروفًا بالكنيسة أي المسيح الكلّي.

 إنّ الإيمان بالله يصنع العجائب. أليس بفضل هذا الإيمان الحيّ في قلوب العديد من اللبنانيين وصلواتهم وممارستهم الدّينيّة في يوم الرّب، يوم الأحد، كانت العنايةُ الإلهيّة تنجّي لبنانَ من السّقوط في كل مرّة كان يصل إلى شفير الهاوية. هذا الإختبار يدعونا إلى اثنين: الأوّل، تنمية الإيمان فينا بروح روحيّة قائمة على الصّلاة، والتأمّل في كلام الله في الإنجيل، وممارسة الأسرار الخلاصيّة، ولا سيّما سرّ التوبة وسرّ القربان، والمحافظة على اللقاء بالرّب في قدّاس الأحد مع الجماعة المؤمنة. والثّاني، العمل، كلّ من موقعه ومسؤوليّته، على تعزيز لبنان بكيانه وشعبه ومؤسساته. هذا العمل واجب أساسي على الجماعة السّياسيّة، وبخاصّة على أصحاب السلطة التّشريعيّة والإجرائيّة والإداريّة والقضائيّة. لا يمكن الإستمرار في الفساد، وهدر مال الدّولة، وإهمال الخير العام، والتلكؤ عن النّهوض الإقتصادي وتعزيز النّاتج المحلّي، وعن خلق فرص عمل، فيما الدَّين العام يتآكل الدّولة، والفقر يتزايد. نأمل أن لا تتفاقم هذه الأوضاع مع سلسلة الرّتب والرّواتب بالنّقاط التّي أثارت العديد من الإعتراضات. وفي كلّ حال يبقى الواجب الملح إصدار الموازنة العامّة، وإجراء الإصلاحات، وخلق التّوازن بين العائدات والمصاريف؟ اما بالنّسبة للمدارس الخاصّة، فمن أجل المحافظة عليها وعلى دورها المعروف في مجتمعنا اللبناني، ومن أجل مساعدة الأهالي في إمكانيّة ممارسة حقّهم في اختيار المدرسة الّتي يريدونها لأولادهم، من واجب الدّولة أن تؤمّن فرق الزّيادات وتدفعها مباشرة لأهالي الطّلاب، وتمنع المدارس الخاصّة عن رفع أقساطها، مع تشديد المراقبة عليها.

 في ضوء هذه اللوحة الإنجيليّة الّتي تكشف قيمة الإيمان، الّذي هو باب اللقاء مع الله، ومفتاح رحمته، نلتمس، كما كان يفعل تلاميذ يسوع:"يا ربّ، زدنا إيمانًا" (لو 17: 5). فنرفع من صميم قلوبنا نشيد المجد وتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.