لبنان
28 كانون الثاني 2019, 12:23

الرّابطة الكتابيّة في الشّرق الأوسط تفتتح المؤتمر البيبليّ حول سفر النّبيّ حزقيال

برعاية البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي، إفتتحت الرّابطة الكتابيّة في الشّرق الأوسط، مؤتمرها البيبليّ السّادس عشر حول "سفر النّبيّ حزقيال"، في جامعة سيّدة اللّويزة في زوق مصبح.

 

حضر الاحتفال النّائب البطريركيّ المطران رفيق الورشا ممثّلًا البطريرك الرّاعي، القائم بأعمال السّفارة البابويّة المونسنيور إيفان سانتوس ممثّلًا السّفير البابويّ، رئيس الجامعة ومنسّق الرّابطة الأب بيار نجم، الأمين العام للرّابطة الأب يان ستيفانوف بحسب ما أوردت "الوكالة الوطنيّة للإعلام".

إستهل اللّقاء بكلمة ترحيبية لمدير مكتب العلاقات العامّة والبروتوكول في الجامعة ماجد بو هدير، وتلا بعدها الورشا صلاة البدء، فقراءات من سفر حزقيال من قبل ممثّلين عن الكنائس في لبنان وفلسطين ومصر وسوريا. وكان تطواف بالكتاب المقدّس نُصب في وسط قاعة المؤتمر.

ثم كانت كلمة للأب نجم أشار فيها إلى أنّ "ثلاثة عقود مضت، مرّت خلالها منطقتنا بمراحل قاسية، من حروب وتدمير وتهجير وسبي، ومشاكل سياسيّة قاسيّة واجتماعيّة خانقة، شاهدنا شعوبنا تهجّر، جماعاتنا تنزح، شبيبتنا تهاجر، كنائسنا تحرق، ومنطق الرّعب والتّرهيب والإرهاب يريد خنق الرّجاء فينا. أليس اختبارنا اختبار حزقيال أيضًا؟ وأردف مفسّرًا كيف أنّ النّبي "غريب مع شعبه في أرض غريبة، بعيد عن الأرض، بعيد عن الهيكل، سبي فحمل في قلبه الوفاء لإله أحبّ شعبه ودخل في عهد أبديّ، فالله أمين رغم قلة أمانة الشّعب. إختبار حزقيال الذي يجمعنا اليوم في هذا المؤتمر السّادس عشر هو لنا رسالة رجاء، فالاضطهاد ليس من الخارج فقط، والغربة والتّهجير هي ليست مسألة جغرافيا ومناطق: إنّ الغربة الحقيقيّة اليوم هي غربتنا عن كلمة الله، فجهلها يولّد اللّامبالاة، وتسطيحها يولّد ما هو أخطر: يولّد السّطحيّة والعصبيّة والتّعصب والتّقوقع وتحجّر القلب والانشقاقات. إن لم نعد إلى كلمة الله كما هي في الكتاب المقدّس، سنبقى متغربين عن إله أحبّنا، ودعانا لنكون اليوم صوتًا نبويًّا في شرقنا هذا. نجتمع في مؤتمرنا السّادس عشر هذا، حول كتاب حزقيال النّبيّ، لنعلن مع حزقيال أنّ الله قادر أن يخلق فينا القلب الجديد، وأن يبثّ فينا الرّوح الجديدة التي يحتاجها مجتمعنا، فأمراض عصرنا من عنف وماديّة وإرهاب، وزيجات مدمّرة وعائلات مفكّكة، ومخدّرات وفرديّة وأنانيّة وفساد وتسلّط ومنطق استغلال الضّعيف، دواؤها الأوحد كلمة الله".

بدوره، تحدّث الأمين العام للرّابطة الأب ستيفانوس فقال "نحتفل هذا العام بالذّكرى الخمسين الكاثوليكيّة لتأسيس رابطة الكتاب المقدّس مع البابا بولس السّادس في سنة 1969 وفي عام 2020، سوف نحتفل بذكرى 1600 على وفاة القدّيس جيروم - أوّل من نشر الكتاب المقدّس بين طبقة عامّة الشّعب"، لافتًا إلى "العام 2019 في الكنيسة الكاثوليكيّة، هو عام كلمة الله"، متمنّيًا أنّ "سنة من كلمة الله ستساعدنا لوضع كلمته في مركز الحياة ومهمّة الكنيسة، كما أشار إليها البابا بنديكتوس السّادس عشر".

وبدوره المطران الورشا رأى أنّ "اختيار موضوع النّبيّ حزقيال لمؤتمركم يكتسب أهميّة كبرى بالنّسبة إلينا في لبنان وبلدان الشّرق الأوسط، نظرًا للأوضاع الرّاهنة فيها. وكأنّ نبوءة حزقيال موجّهة إلينا أفرادًا وجماعات. فالنّبيّ حزقيال يذكّرنا، من خلال دعوته من الله ليكون نبيًّا يحمل كلامه إلى الشّعب، بأنّ لكل واحد وواحدة منّا دعوته الخاّصة في تاريخ الخلاص. وهو الموضوع الذي انعقدت حوله جمعيّة سينودس الأساقفة الرّومانيّ في تشرين الأوّل الماضي: "الشّباب والإيمان وتمييز الدّعوات". الدّعوة العامّة التي بلغتنا في المعموديّة والميرون هي الدّعوة إلى القداسة بالسّير على خطى المسيح والشّهادة له في عالمنا. ومنها تنبثق الدّعوات الخاصّة. لا أحد يختار دعوته، بل هو الله الذي يدعو، والمدعو يلبّي بدون خوف. هكذا كانت الدّعوة لحزقيال: "يا إبن البشر، قف على قدميك، فأتكلّم معك سأرسلك إلى شعبي كلّمهم بكلامي سواء سمعوا أو لم يسمعوا، لأنّهم تمرّدوا عليّ" (حز2: 1و3و7). "في الظّروف الرّاهنة الصّعبة التي شهدنا فيها ونشهد الحروب المدمّرة للحجر في بلداننا الشّرق أوسطيّة، وللمواطنين الآمنين، قتلًا واعتداء وتهجيرًا ونزوحًا ولجوءً وتشتتًا تحت كلّ سماء، مع اليأس من مستقبل أفضل، لأنّ أمراء الحروب وأسياد هذا العالم يطبّقون بيد من حديد على واقع الحروب، سعيًا إلى مصالحهم واستراتجيّاتهم، فإنّ حزقيال، الذي ذاق مرارة النّفي إلى بابل مع شعبه، يذكّرنا أنّ الله المتسامي في بهاء مجده السّماويّ حاضر وسط شعبه. يعيده من نفيه شرط أن يعود الشّعب إلى الله مرتدًا عن الإثم ومخالفة وصاياه ورسومه. ذلك أنّ ثمن مرارة القتل والتشتّت في أرض غريبة والجوع والحرمان والمرض، هي البدء بحياة جديدة. أعطته بداية، وستضع له نهاية؟ المهم أن يصنع الإنسان تاريخًا يليق بالله خالقه. أودّ أن نرى إشارة إلى لبنان التّعدديّ في الوحدة، وصاحبِ رسالة خاصّة في محيطه المشرقيّ، في مشهديّة النّسر العظيم طويل الجناحين والقوادم، وغزير الرّيش، كثير الألوان، الذي جاء لبنان وحلّ بأعالي الأرز. فقطع رؤوس أغصانه، وحملها إلى أرض البائعين، وغرسها في مدينة التّجار" (حز14: 1-4). فعلاوة عن شرح "اللّغز والمثل" كما أراده الله في نصّ النّبيّ حزقيال (راجع 17: 1، 3-10؛ 11-21)، إنّنا نرى مع المكرّم البابا بيوس الثّاني عشر، أنّ المشهديّة ترمز إلى لبنان المميّز بخصوصيّة التّعدديّة الدّينيّة والثّقافيّة في الوحدة، وبرسالته في المنطقة. فلبنان المشبّه بفسيفساء متنوّعة الحجارة والألوان، وبنسرٍ ذي جناحين متساويين ومتكافئين، مسيحيّ ومسلم، هو نموذج للمنطقة الشّرق أوسطيّة الأحاديّة اللّون الدّينيّ والثّقافيّ والسّياسيّ والفكريّ. ولذلك كتب القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني في إرشاده الرّسوليّ: "رجاء جديد للبنان": "قد يساعد الحوار والتّعاون بين مسيحيي لبنان ومسلميه على تحقيق الخطوة ذاتها في بلدان أخرى (الفقرة 93). ثم يختم إرشاده بالقول: "سيتمكّن لبنان، الجبل السّعيد الذي رأى شروق نور الأمم، وأمير السّلام، من أن يزهر من جديد، ويلبّي دعوته بأن يكون نورًا لشعوب المنطقة وعلامة للسّلام الآتي من الله. وهكذا إنّ الكنيسة في هذه البلاد تفرح إلهها" (نشيد8:4)". (الفقرة 125). هذا بعض ممّا يؤكّد أنّ كتاب النّبيّ حزقيال الذي يرقى إلى القرن الخامس قبل المسيح، كأنّه كتب لزمننا الحاضر. وفي كلّ حال، إنّ كلام الله لا يخضع لمتغيّرات الزّمن، بل هو هو لأيّ شخص وظرف وزمن ومكان. إنّه الكلام الحاضر أبدًا حضور الله. أليست الرّسالة إلى العبرانيّين تؤكّد أنّ "المسيح - كلمة الله - هو هو أمس واليوم وإلى الأبد؟" (عب 8:13).