لبنان
02 تشرين الثاني 2020, 10:30

الرّاعي في قدّاس ختام السّينودس: لتعزيز الشّراكة المسيحيّة- الإسلاميّة في العالم وتبديد أجواء صراعِ الأديان

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام أعمال سينودس أساقفة الكنيسة المارونيّة، احتفل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي بذبيحة الشّكر في بكركي، "ذبيحة استغفار عن كلّ ما صدر عن السّينودس من نقص في الواجب، أو إساءة لله بانتهاك رسومه ووصاياه"، وذبيحة التزام بالرسالة الموكولة إليهم من المسيح الرّبّ لرعاية "الخراف الّتي افتداها بدمه"، بالحقيقة والمحبّة".

وألقى الرّاعي للمناسبة عظة قال فيها: "إنّ المثل الذي أعطاه ربّنا في إنجيل اليوم يحمل الكثير من المعاني في رموزه. ربّ البيت هو الله؛ الكرم الّذي نصبه هو شعبه؛ السّياج هو وصاياه ورسومه وكلامه ونعمة أسراره الخلاصيّة السّبعة؛ المعصرة هي الكنيسة حيث تُجمع ثمار البرّ والقداسة؛ البرج هو ربّنا نفسه الظّاهر كبرجٍ حصين، وسط الكنيسة المقدّسة مع العذراء والقدّيسين؛ الكرّامون هم نحن الذّين سلّمهم الرّبّ كرمه؛ وأخيرًا الخدّام الّذين أرسلهم ليحملوا إليه ثمار الكرم هم المؤمنون والمؤمنات الّذين يأتون ليغتذوا من كلام الله، ويتجدّدوا بنعمة أسراره، ويحظوا بمساعدة المحبّة لهم في حاجاتهم.

3. كشف القدّيس يوحنّا فم الذّهب، في هذا المثل، جودة عناية الله الذّي دبّر كلّ شيء لخلاص كلّ إنسان، وهيّأ كلّ شيءٍ، ولم يترك لنا سوى المحافظة على ما أوكله إلينا. لم يهمل أيّ شيء، بل أتمّ كلّ شيء، وأعطانا أن نهتمّ بثمار كرم الكنيسة الإلهيّ والكنسيّ والمادّيّ. وهذا ما يبيّن مسؤوليّتنا الجسيمة تجاه أبناء أبرشيّاتنا الّذين من حقّهم أن يتنعّموا هم أيضًا بهذه الثّمار، فلا نقتلهم روحيًّا وراعويًّا واجتماعيًّا.

إنّ هذين الأسبوعين اللّذين قضيناهما معًا، كانا في الحقيقة تعبئة روحيّة وكنسيّة وراعويّة واجتماعيّة، لكي نفيض منها على النّفوس الموكولة إلى عنايتنا.  

4. ينطبق هذا المثل أيضًا، على الحقل المدنيّ، على المتعاطين الشّأن السّياسيّ. فالكرم هو الوطن، كلّ وطن، المسيّج بدستوره وميثاقه وعدالته؛ والكرّامون هم السّلطة السّياسيّة؛ والخدم هم المواطنون الّذين يطالبون المسؤولين في الدّولة بحقوقهم الأساسيّة: الطّعام، والتّربية، والعمل، والسكن، وإنشاء عائلة، والحصول على فرص عمل تؤمّن لهم إمكانيّة عقد زواج وتأسيس عائلة، والتّنعّم بالأمن الغذائيّ، والاستقرار الأمنيّ. لكنّ السّلطة السّياسيّة عندنا قتلت شعبها اقتصاديًّا وماليًّا ومعيشيًّا وإنمائيًّا. وزجّتهم في حالة من الضّياع والغضب، واليأس والثّورة، والهجرة والبقاء. لكنّنا نحن ندعوهم للصّمود وإنقاذ لبنان وشعبه من المتربّصين به شرًّا.

5. الآن ونحن أمام استحقاق تاريخيّ دستوريّ كبير الأهمّيّة هو تأليف حكومة جديدة، يجب على الجماعةِ السّياسيّةِ أن تَعترفَ بفشلِها في تمثيلِ المواطنين وكسبِ ثقتِهم وفي إدارةِ البلاد. فتَتنحّى من أجل لبنان، ولو مُوقّتًا، أمام فريقِ عملٍ حكوميٍّ متضامنٍ يَقود البلادَ نحو طريقِ النّهوض. وإذ ننتظر تشكيلَ الحكومةِ سريعًا، فإنّا نريدها مع الشّعب كلّه حكومةَ اللّبنانيّين ولبنان، حكومةَ الدّستورِ والميثاق، حكومة منكوبي انفجار مرفأ بيروت، حكومةَ صرخةِ الأمّهاتِ والآباءِ والبنين، حكومةَ القدرةِ على الإنقاذ. وأيُّ حكومةٍ أخرى هي مَضيعةٌ جديدةٌ للوقتِ وللوطنِ كما كانت الحكومات السّابقة. ولست أدري ما ستكون حظوظُ بقائِها ونجاحِها.

6. إنّنا نلاحظ وجودَ خُططٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ مكتومةِ المضمونِ ومجهولةِ الأبعاد النّهائيّة يجري تطبيقُها يومًا بعد يومٍ وسنةً بعد سنةٍ تدريجيًّا وبالتّقسيط، بمنأى عن الأنظمة القائمة وإرادةِ الشّعوب. لذلك نُجدّد إيمانَنا بكيانِ لبنان المستقِلِّ بحدودِه الدّوليّة، وبوحدةِ شعبِه في إطارِ شَراكةٍ ميثاقيّةٍ تعدّديّة لامركزيّةٍ يُحصّنُها الولاءُ المطلَقُ للبنان ويَقودُها نظامٌ ديمقراطيٌّ ومنظومةُ حرّيّاتٍ وقيمٍ روحيّةٍ ووطنيّة وإنسانيّة.

7. إنَّ كنيستَنا تَعتبر أنَّ كلَّ شيء يَرخَصُ أمّا الحفاظِ على كيانِ لبنان، والشّراكةِ الوطنيّةِ الميثاقيّةِ، والدّيمقراطيّةِ والحرّيّات. وإستباقًا لكلّ الأخطار طرَحنا الحيادَ النّاشط مَظلةًّ واقيةً للبنانَ في هذه المرحلةِ العاصفةِ والمضْطرِبة. إنّ قيمةَ لبنان هي أن يوالفَ بين حيادِه من جهةٍ وبقائِه حاضرًا ناشطًا ومتواصلًا مع العرب والعالم. فحين لم يكن يوجد بعدُ كياناتٌ ودولٌ ناجزةٌ، كان لبنانُ، بجبلِه التّاريخيّ، محاوِرًا للشّرقِ والغربِ للحفاظِ على استقلالِه الذّاتيّ، فكيف الحال اليوم؟

8. إن الكنيسةَ المارونيّةَ تدعو إلى تعزيزِ الشّراكةِ المسيحيّةِ- الإسلاميّةِ في العالم وتبديدِ أجواء صراعِ الأديان وبخاصةٍ بعد تقدّمِ الحوار بين مرجِعيّات الإسلامِ والمسيحيّة، وصدورِ "وثيقةِ الأخوّة الإنسانيّةِ" في أبو ظبي في الخامس من شباط 2019. وإذ تَشجُب كنيستُنا بشدّةٍ التّعرّضَ المقيتَ للرّموزِ الدّينيّةِ وإعادةَ نشرِ الرّسومِ المهينةِ تحت ستارِ الحرّيّات والعلمنة، تَستنكرُ بشِدّةٍ في الوقت عينه إقدامَ عناصرَ إسلاميّةٍ متطرفّةٍ على قطعِ رأسِ معلِّمٍ أمام مدرستِه، وذبحِ ثلاثة مُصليّن داخلَ كنيسة في مدينة Nice بفرنسا، وهُم يَتضرّعْون إلى الله من أجلِ السّلام والأخوّة. هذه الأعمالٌ المستنكرة لا تجد لها أيَّ مبرِّرٍ إنسانيٍّ أو دينيٍّ، بل هي إساءة جسيمة إلى الله، سيّد الحياة والموت وحده.  وإذ نتقدم بأحرِّ التّعازي من فرنسا راجين من سفيرتها في لبنان نقلها إلى رئيس جمهوريّتها وإلى الحكومة وعائلات الضّحايا، نصلّي من أجل احترام الأديان المتبادل، وحفظ العلاقات الصّافية وتعزيز حوار الثّقافة والحياة بين المسيحيّين والمسلمين.  

9. يا ربّ، ارحمنا، والتفت إلى بؤس واقعنا، وشدّد إيماننا بأبوّتك الشّاملة وبالأخوّة بين جميع النّاس. لك المجد والتّسبيح أيّها الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."