الأراضي المقدّسة
08 حزيران 2022, 05:00

الرّوح القدس هو معلّم غير أنّه ليس معلّمًا كغيره، ماذا يعني ذلك؟

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد حلول الرّوح القدس، شرح بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا معنى أنّ "الرّوح القدس هو معلّ" ولكن ليس غيره، فقال بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"المقطع الإنجيليّ الّذي نقرأه في عيد العنصرة والّذي يختم الزّمن الفصحيّ، يبدأ بلمحات قيّمة عن حياة الكنيسة في تاريخ العالم بعد صعود يسوع إلى السّماء وعودته إلى بيت الآب.

سنلقي الضّوء على بعض عناصر هذا المقطع.

نجد العنصر الأوّل في الآية ٢٦، حيث يقول يسوع لتلاميذه إنّ الرّوح سيعلّمهم جميع الأشياء ويذكّرهم جميع ما قاله لهم.

الرّوح القدس هو معلّم، غير أنّه ليس معلّمًا كغيره.

ماذا يعني ذلك؟

أوّلاً، الرّوح القدس هو معلّم يبقى دائمًا معنا (يوحنّا ١٤: ١٦).

فأيّ معلّم آخر، بعد أن يعلّم تلاميذه جميع ما يعرفه، سيتركهم يذهبون في سبيلهم. أمّا بالنّسبة للرّوح، فالأمر ليس كذلك.

الرّوح سيبقى معهم باستمرار لأنّ ما يهمّه هو إقامة علاقة صداقة معهم وسيضمن بنفسه إمكانيّة حصولها.

لا يريد الرّوح أن يعلّمنا أشياء كثيرة، بل كيف نعيش وكيف يجعلنا مسكن الآب والابن.

سيبقى لأنّ بقاءه معنا هو طريقة حبّه لنا.

يتابع يسوع القول إنّ من يستقبل الرّوح القدس المعزّي، الّذي يمكث معنا للأبد، سيكون مكان سكناه وسكنى الآب. (يوحنّا ١٤: ٢٣).

إنّ مهمّة الرّوح إذًا هي تمكيننا من أن نكون مسكن الله.

لا نستطيع وحدنا، بقدرتنا وقوتنا، أن نحقّق ما سبق.

كلّما تركنا مساحة لعمل الرّوح القدس فينا، سيسكن الله داخلنا بصورة أقوى ويقدّسنا ويجعلنا شبيهين به.

الرّوح هو معلّم يختلف عن باقي المعلّمين لسبب آخر.

بينما يعلّم المعلّمون مفاهيم وأفكارًا، يقوم الرّوح بعمليّة أخرى.

لا يقوم بالتّعليم إلّا أنّه يتأكّد من أنّ الأمور الّتي تعلّمناها مسبقًا تصبح جزءًا منّا وحياة لنا، وتدخل فينا وتترسّخ داخلنا.

من غير الكافي معرفة أنّ يسوع قد مات، بل عليّ أن أؤمن أنّه قد مات من أجلي.

من غير الكافي معرفة أنّ الله محبّة، بل عليّ أن أؤمن أنّه يحبّني تمامًا كما أنا.

هذا هو عمل الرّوح الّذي لا يُعلّم من الخارج، بل يقنعنا من الدّاخل ويحوّل الكلمة إلى خبرة.

وهذه عمليّة لا نستطيع القيام بها وحدنا.

من المثير للاهتمام أنّ يسوع يقول إنّ الرّوح يذكّر الإنسان بأمر يعلمه مسبقًا.

يعلّم الإنسان حسن وجمال الحياة الّتي خلق لأجلها. إلّا أنّ الخطيئة جعلته ينساها وجعلته يصغي إلى معلّمين آخرين ويتبع طرقًا أخرى تَبيّن أنّها تؤدّي إلى الموت.

إنّ مهمّة الرّوح، الّذي أعطانا إيّاه الآب، تتمثّل في تذكيرنا دائمًا برجاء دعوتنا، حتّى لا يحدث، بسبب النّسيان، أن نعيش دون التّمتّع بالجمال الّذي تتضمّنه هذه الدّعوة.

أخيرًا من الضّروريّ التّأكيد أنّ يسوع يصلّي إلى الآب من أجلنا كي يهبنا الرّوح (يوحنّا ١٤: ١٦).

وعليه، فإنّ حضور الرّوح القدس فينا مرتبط بسرّ صلاة المسيح، ورغبته العميقة، والخير الّذي يريده لنا.

إلّا أنّه أيضًا أمر مرتبط بصلاتنا وانفتاحنا عليه.

إنّ حياة المسيحيّ هي تلك الّتي لا تتوقّف عن طلب الرّوح، وهي حياة أولئك الّذين اكتشفوا أنّ الرّوح وحده هو الّذي يعطي حياتنا معنى وكمالاً.

لذا، فإنّ طلب الرّوح القدس هو الصّلاة الفضلى، والرّوح هو العطيّة المثلى الّتي يعطيها الآب لسائليه (لوقا ١١: ١٣)."