لبنان
21 شباط 2022, 10:30

الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة ودّعت رئيسها العامّ سابقًا الأباتي أنطوان صفير

تيلي لوميار/ نورسات
ودّعت الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة، أمس الأحد، الرّئيس العامّ سابقًا الأباتي أنطوان صفير، خلال صلاة أقيمت في كنيسة سيّدة اللّويزة- زوق مصبح لراحة نفسه، ترأّسها النّائب البطريركيّ المطران حنّا علوان مكلّفًا من البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي المتواجد في روما.

خلال الجنازة، تليت كلمة البطريرك الرّاعي وجاء فيها:  

"البَرَكَةُ الرَّسُولِيَّةُ تشمل أعزّاءنا: قدس الأباتي بيار نجم، الرّئيس العامّ للرّهبانيّة المارونيّة المريميّة،

ومجلس المدبّرين العامّين، وأبناء الرّهبانيّة، وأبناءنا وبناتنا الأحبّاء: سمعان وروكز شقيقيّ المرحوم الأباتي أنطوان صفير، وعائلات المرحومين شقيقه وشقيقتيه، وسائر ذويهم وأنسبائهم في الوطن والمهجر المحترمين.

تلقّيت بكثير من الأسى والوجع، وأنا في رومية، خبر وفاة من كان لي أخًا وصديقًا ورفيق الدّرب منذ سنوات الابتداء حتّى الرّسامة الكهنوتيّة، وبمثابة جناح آخر، هو الأباتي أنطوان صفير، الرّئيس العامّ الأسبق لأمّنا الرّهبانيّة العزيزة. فصلّيت لراحة نفسه على ضريح القدّيسين الرّسولين بطرس وبولس. وتذكّرت السّنوات السّتّ الّتي قضيناها معًا، في روما، حيث درسنا الفلسفة واللّاهوت في جامعة مار يوحنّا اللّاتران، وكنّا نسكن في غرفة واحدة، ونذهب يوميًّا مشيًا إلى الجامعة ونعود إلى ديرنا، مراجعين دروسنا ذهابًا وإيابًا.

رُقِّينا سويّة إلى الدّرجة الكهنوتيّة في دير مار ضوميط فيطرون في 3 أيلول 1967، بوضع يدّ المثلّث الرّحمة المطران مخايل ضومط، مطران صربا آنذاك. وكان شعارنا الكهنوتيّ كلمة الرّبّ يسوع للرّسل قُبيلَ صعوده إلى السّماء: "ستنالون قوّة بحلول الرّوح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا... حتّى أقاصي الأرض" (رسل 1).

ومن بعد انّ عُدنا إلى رومية لإكمال السّنة السّادسة ونيل الإجازة في اللّاهوت، تابع هو في الوقت عينه دراسة الحقّ القانونيّ الرّهبانيّ المقارن وحصل على ديبلوم فيه. ثمّ رجع سنة 1978 إلى لبنان. فأُسندت إليه على التّوالي إدارة الأخوة الدّارسين في دير القدّيسة تريز الطّفل يسوع– سهيلة، وإدارة الدّروس في مدرسة سيّدة اللّويزة. وسافر بعدها إلى باريس لمدّة أربع سنوات، حيث نال من المعهد الكاثوليكيّ كفاءة ماجستير في علم النّفس والتّربية، ومن جامعة السّوربون إجازة في العلوم التّربويّة. في كلّ هذه المراحل أتقن الإيطاليّة واللّاتينيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة، إلى جانب ثقافة واسعة. وكان ينمو في الوقت عينه بالفضائل الرّهبانيّة، والمزايا الكهنوتيّة، والمشاعر الإنسانيّة، والنّضج في رؤية الأمور، والحكمة وصوابيّة الرّأي والتّمييز.

فما أن عاد من فرنسا سنة 1975، حتّى انتُخب مدبّرًا عامًّا في عهد المرحوم الأباتي بطرس فهد. وأسندت إليه في الوقت عينه على التّوالي رئاسة دير القدّيسة تريز الطّفل يسوع، ورئاسة أُنطش الصّعود في ضبيّة مع خدمة الرّعيّة.

وفي عهد الأباتي مرسيل أبي خليل تسلّم رئاسة دير مار ضوميط– فيطرون، فرئاسة "كلّيّة اللّويزة للتّعليم العالي" في زوق مصبح، الّتي أصبحت أثناء ولايته وبمساعيه الكبيرة "جامعة سيّدة اللّويزة" بمرسوم جمهوريّ موقّع من رئيس الجمهوريّة آنذاك الشّيخ أمين الجميّل ورئيس مجلس الوزراء الدّكتور سليم الحصّ سنة 1987.

وفي السّنة عينها، إذ قدّر أبناء الرّهبانيّة شخصيّته وما تميّزت به من أبوّة وقدرات إداريّة وحكيمة، انتخبوه رئيسًاً عامًّا لمدّة ستّ سنوات. وفي أثنائها أيّ سنة 1992 احتفلنا معًا بيوبيلنا الكهنوتيّ الفضّيّ في دير سيّدة اللّويزة، وكان شعارنا كلمة تلميذيّ عمّاوس: "أما كان قلبنا مضطرمًا فينا، حين كان يُكلّمنا في الطّريق؟" (لوقا 24/ 32).

وظهرت فضيلته الرّهبانيّة أكثر فأكثر بالتزامه الرّهبانيّ وتجرّده وحرّيّة قلبه وضميره، حتّى بات خير مُشير ومُرشد وناصح. وبعد الرّئاسة العامّة عاد واستكمل حياته الرّهبانيّة بكلّ تجرّد وطاعة للسّلطات العليا الّتي تعاقبت. وارتضى السّير في درب صليب جديد. فعندما كان رئيسًا لدير سيّدة النّجاة في وطى زوق مكايل، وأثناء احتفاله بالذّبيحة الإلهيّة في ذاك الأحد 27 شباط من سنة 1994، حصل الانفجار الرّهيب داخل الكنيسة، الّذي أسقط العديد من القتلى والجرحى. فإمتلاء جسمه من الشّظايا وظلّ عدد منها في داخله طيلة هذه الثّماني وعشرين سنة، وكانت السّبب في تدهور صحّته التّدريجيّ. ومع هذا، تولّى رئاسة دير مار ضوميط– فيطرون مرّتين، ثمّ عاش راهبًا مقيمًا في هذا الدّير، كما وفي دير القدّيسة تريز الطّفل يسوع، بمثاليّة في الصّلاة والالتزام والصّبر على تحملّ وقر الألم. وفوق ذلك، كان يجد المتّسع من الوقت لترجمة عدد من الكتب، وكتابة مقالات، فأغنى بها المكتبة العربيّة، وتركها إرثًا غنيًّا للرّهبانيّة العزيزة.

وبالآلام والأوجاع أنهى مسيرة حياته، الّتي دامت إحدى وثمانين سنة، مستعدًّا تمام الاستعداد لملاقاة وجه الله وتسليمه وزناته الخمس مضاعفةً، وللانضمام إلى من سبقه من رهبان وأحياء عاشوا بموجب شريعة الإنجيل، راجيًا أن ينعم بالرّؤية السّعيدة في مجد السّماء، ويشفع بأمّنا الرّهبانيّة. فأغمض عينيه صباح أمس الأوّل، 18 شباط الجاري، وعلى شفتيه كلمة بولس الرّسول لتلميذه تيموتاوس: "جاهدتُ الجهادَ الحَسن وأتممتُ شَوطي وحافظتُ على الإيمان" (2 تيم 4/ 7).

على هذا الأمل وإعرابًا لكم عن عواطفنا الأبويّة، نوفد إليكم سيادة أخينا المطران حنّا علوان، نائبنا البطريركيّ العام، ليرئس باسمنا الصّلاة لراحة نفسه، وينقل إليكم تعازينا الحارّة. أجزل له الله الثّواب في السّماء، وعوّض على الرّهبانيّة برهبان قدّيسين، وسكب على قلوبكم بلسم العزاء.

المسيح قام! حقًّا قام!".

يُذكر أنّ صالون الدّير يفتح اليوم أبوابها لغاية السّادس والنّصف مساءً من أجل تقبّل التّعازي.