لبنان
19 تموز 2023, 09:30

الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة احتفلت بالنّذور المؤقّتة لسّتة مبتدئين

تيلي لوميار/ نورسات
قبل الرّئيس العامّ للرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الأباتي بيار نجم النّذور المؤقّتة لستّة مبتدئين، خلال قدّاس احتفاليّ ترأّسه في دير سيّدة اللّويزة- زوق مصبح، بمشاركة الآباء المدبّرين العامّين ولفيف من الكهنة والرّهبان والمكرّسين والمبتدئين مع جماعة المؤمنين من أهل وأقرباء وأصدقاء الإخوة النّاذرين: أنطوني الرّاعي، جوني فرح، ريشار طحّان، جوزيف سعيد، إيليو أنطون وإيليو مهنّا.

وكانت للمناسبة كلمة للأب العامّ توجّه بها إلى الحشود قائلاً: "نجتمع اليوم رهبانًا وأهلاً وأقرباءً وأصدقاءً ومحبّين لنشهد على نعم يقولها إخوتنا السّتّة، أنطوني، جوني، ريشار، جوزيف، إيليو وإيليو، لدعوة ربّ منذ أن كانوا في حشا والدتهم أحبّهم، فدعاهم ليكونوا له، نعم يقولونها اليوم لإله يدعوهم ليكونوا له، ومعه، وليرسلهم يبشّرون.  

هي نعم يقولونها اليوم لهذا الحبّ الأوّل والوحيد، الّذي دعاهم هو إليه أوّلاً، همس في قلبهم فانغووا وتبعوه.  

أنطوني، جوني، ريشار، جوزيف، إيليو وإيليو،

هو المسيح يدعوكم اليوم، يهمس في قرارة كلّ واحد منكم: "إتبعني"، بحبّه الكبير لكم يقوم بالخطوة الأولى تجاه قلبكم، يقول لكلّ واحد منكم: "أحبّك، أنت لي". وبعد سنتين من ابتداء وتمييز، تأخذون اليوم قراركم، متّكلين على حبّه وحضوره الّذي يقوّيكم، فبه وحده تكونون أقوياء، تحيون النّذور الثّلاثة ومن خلالها تحرّرون قلبكم وفكركم ممّا هو ليس المسيح. هو الرّاعي الصّالح يهمس فيكم اليوم قائلاً: "إتبعني" فيأتي الجواب على الحبّ الأوّل في القلب والخفاء، دعوة أنتم دعيتم إلى عيشها في الجماعة، عبر حياة صلاة وعمل وبشارة، تحيون معه حالة اكتشاف الذّات والآخر، ليحبّ الواحدُ الآخر على صورة المسيح الّذي أحبّكم، وبذلك فقط تظهر علامات التّلمذة الحقيقيّة ويتبلور الاستعداد الفعليّ للنّذور الرّهبانيّة، حيث يصبح هذا الحبّ وعدًا أبديًّا بالعيش بالرّوح والحقّ وبحسب المشورات الإنجيليّة الّتي تنبثق منها نذورنا الرّهبانيّة.

إنّ نذورنا الرّهبانيّة هي وعد شخصيّ، حرّ وواع أمام الله، يُحتّم علينا نوعيّة حياة تتطابق مع الوعد والارتباط الّذي نقوم به مع الحبيب الّذي بدوره يقويّ إرادتنا ويعطينا الدّافع في حرّيّة الاختيار، فإرادتنا لم تعد ملكنا وحدنا بل تصبح في تصرّف الحبيب الّذي يدعونا. بحرّيّتنا، وخياراتنا، وأهدافنا، ونجاحاتنا، وإخفاقاتنا، وقداستنا نصبح واحدًا مع هذا الحبيب، وتصبح نذورنا، الطّاعة والعفّة والفقر فعل حبّ للمسيح وشوقٍ الى اتّباعه، فنحيا للمسيح وهو يحيا فينا، وبهذا نتمّم قول القدّيس بولس لأهل غلاطية: "لست أنا الحيّ بل المسيح حيٌّ فيَّ".

إخوتي النّاذرين الأحبّاء، "ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟". بعد قليلٍ تنذرون النّذور المؤقّتة، كونوا أكيدين أنّ هذه النّذور تحتاج إلى الكثير من التّواضع والتّجرّد والخروج من الذّات على مثال التّجسّد الإلهيّ، فهي بالممارسة الفعليّة، ستحملكم على جناحي الحقيقة، وتطير بكم فوق محدوديّة هذا العالم، وستجعل كلّ شيء نفاية أمام الرّبح الأعظم الّذي هو حبّ المسيح.

بالممارسة والجهاد، ستصبح النّذور الرّهبانيّة حصنًا لكم وتفعيلاً لمشروع القداسة الّذي دُعيتُم إليه، لذلك كونوا كاملين كما أنّ أباكم السّماويّ كاملًا، وكونوا مستعدّين للدّفاع عن قدسيّة الحياة الّتي زرعها فيكم الله منذ فجر الكون، بأن تواجهوا تجارب الشّيطان في برّيّة الحاجة والقسوة والظّلم وتعب الحياة الزّمنيّة والحروب الرّوحيّة. وكما قال المسيح لا لتجربة المال والسّلطة والشّهوة، كذلك أنتم أيضًا، قولوا لا لروح العالم المادّيّ، وتحرّروا من عبوديّة الخطيئة بطاعتكم وعفّتكم وفقركم الاختياريّ على مثال أمّنا مريم، النّاذرة الأولى، المطيعة لإرادة الله في حياتها، العفيفة عن كلّ ما يبعد قلبها عن حبّه، الفقيرة الّتي اغتنت بحمل الكلمة المسيح من المهد حتّى الموت والقيامة.  

أنتم مدعوّون اليوم لتصبحوا أنبياء، تعلنون إرادة الرّبّ في مجتمع يحتاج إلى كلمة الله وحضوره. تحيون الطّاعة في مجتمع يدعو إلى الحرّيّة المتفلّتة من قيود الحقّ والأخلاق، تحيون العفّة في عالم يبشّر بالجسد والمادّة ويبحث عن الحبّ في آبار مشقّقة، تحيون الفقر في مجتمع يرى في المادّة والمال خيره الأسمى وسعادته المطلقة. إنطلقوا، كونوا أنبياء العالم المعاصر، كونوا في مجتمعكم إيليّا وإرميا ويوحنّا المعمدان، أعلنوا بنذوركم أنّ الله هو الخير المطلق، وهو وحده القادرُ على إعطاء حياتنا معنى وتساؤلاتنا الأجوبة الشّافية. أعلنوا عبر حياة الجماعة أنّ الفرديّة هي ليست الجواب، وأنّ في الآخر الخير والحقّ والجمال، لأنّ الله حاضرٌ في الآخر، ومعًا نحن مخلّصون.  

دموع تأثّرٍ ستُذرف اليوم، وعيونٌ ستلمع فخرًا وحبًّا في وجوه الأهالي والحاضرين وفي عيون إخوتكم الرّهبان، وسيرتفع الشّكر والصّلاة والدّعاء فرحًا بنذوركم، مبروك نقولها اليوم، ولكنّ استحقاق كلمة "مبروك" هذه سيأتي عبر الزّمن، عندما يصبح الوعد الّذي تقومون به اليوم، حياةً فعليّة في الغد، في عيشكم لنذوركم، وفي بشارتكم، في القلوب المنكسرة الّتي ستجد عزاءها في كلماتكم، في صليب سوف تحبّونه، ومسبحة سوف تتلونها، في حياة جماعة سوف تتقدّسون من خلالها، وفي كتابٍ مقدّس سوف تتأمّلون بكلمة الحياة فيه لتصبحوا بدوركم كلمة حيّة تعلن حبّ الله لأبنائه. صلاتنا لكم اليوم، صلاة رهبانيّتنا المارونيّة المريميّة الّتي تبتهج اليوم بنذوركم، صلاة رهباننا ترتفع من أجلكم، صلاة أمّهاتكم وآبائكم تصعد أمام الرّبّ من أجل قداستكم، فكونوا على قدر هذه المحبّة، كونوا على قدر ثقة المسيح بكم، هو الّذي أحبّكم فاختاركم ودعاكم، ولتكن مريم، سيّدة اللّويزة الشّافعة والأمّ والصّديقة، هلمّوا إليها في ضيقكم وفي فرحكم، فهي لكم الأمّ، تبارككم دومًا بحبّها، وترشدكم بعطفها، ولكم تكون الشّفيعة القادرة لدى ابنها. آمين".