لبنان
15 تشرين الأول 2025, 05:55

الرّهبانيّة الأنطونيّة أحيت ذكرى تغييب الأبوين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل

تيلي لوميار/ نورسات
في ذكرى تغييب الأبوين الأنطونيّين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل، احتفل الرّئيس العامّ للرّهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة الأباتي جوزف بو رعد بالذّبيحة الإلهيّة في دير مار يوحنّا القلعة- بيت مري مساء الإثنين، عاونه فيها الآباء المدبّرون بحضور عدد من الفعاليّات، رفعت خلالها الصّلاة على نيّة الأبوين المذكورين، وكلّ الّذين اختطفوا وغيّبوا معهما وعلى نيّة عودة المأسورين والسّلام في لبنان.

وللمناسبة، ألقى رئيس الدّير الأب المدبّر بشارة إيليّا رئيس الدير كلمة جاء فيها بحسب إعلام الرّهبانيّة: "نلتقي اليوم، في هذا الدّير المبارك، في حضن الكنيسة الأمّ والشّاهدة، لنرفع الذّبيحة الإلهيّة من أجل الأبوين المغيّبين سليمان أبي خليل وألبير شرفان، ومدبّرة الدّير السّيّدة فكتوريا الدّكّاش، وكلّ الضّحايا الّذين سقطوا في ١٣ تشرين ١٩٩٠، ولكلّ شهداء الوطن... وقد مضت خمس وثلاثون سنةً، والأبوان ما زال مصيرهما مجهولًا، لكنّ حضورهما الرّوحيّ لا يزال معنا، في حنايا هذا الدّير، صوتًا للحقّ، وصمتًا للرّجاء، وصورةً للشّهادة الّتي لا تموت.

نلتقي في يوبيل رهبانيّتنا الأنطونيّة، الخامس والعشرين بعد ثلاث مئة على تجديد الحياة الرّهبانيّة، في دير الأمّ مار أشعيا. رهبانيّة ضمّت عبر تاريخها أكثر من ألف راهب، وكانت وما زالت، بنعمة الله وبفضل مؤسّسيها ورهبانها، منارة إشعاع روحيّ، ولاهوتيّ، وتربويّ، واجتماعيّ، ومسكونيّ. شهادةً حيّةً للمسيح في لبنان والعالم.

قداسنا اليوم وقفة يوبيليّة في يوم يحمل وجعًا وذاكرةً ووفاءً. نستذكر شهداء رهبانيّتنا الّذين قدّموا حياتهم دفاعًا عن إيمانهم وكنيستهم، ووطنهم. منذ الأباتي جناديوس لطفي القهوجيّ البكاسينيّ، والأخ أغابيوس الياس عزيز الجزّينيّ، في دير مار أنطونيوس البدوانيّ جزّين سنة ١٨٤٢، ومعهما الأخت بربارة عون، وعلمانيّين مؤمنين.

وشهداء سنة ١٨٤٥، الأب يوسف حنّا شاهين، والأب برنردوس حنّا شوعا، والأب نوهرا فارس، والأخ حنانيا نقولا عبد الملك، والأخ إيليا. وشهداء سنة ١٨٦٠، الأب يوسف أبو عيسى، والأخ روحانا الياس عزيز، والأخ أفرام غنّام.

ومن استشهد تحت ظلم العثمانيّين، ومنهم المنفيّ في كبادوكيا، الأب المدبّر يوسف الحاج بطرس، وكذلك شهداء الأربعين من رهبان وشركاء في دير مار روكز ضهر الحصين، الّذين ذكرهم المطران بطرس ديب في كتابه "تاريخ الكنيسة الموارنة". ولا ننسى الأب يواصاف أبو جودة، الّذي استشهد في روما خلال الحرب العالميّة الثّانية. والأب الياس زينون، الّذي سقط شهيدًا في دير مار يوحنّا القلعة سنة ١٩٧٦ والأب سمعان الخوري، الّذي استشهد في دير مار يوحنّا- عجلتون سنة ١٩٩٢ أمّا الأبوان المغيّبان ألبير شرفان وسليمان أبي خليل، فقصّتهما ليست مأساة تغييب فحسب، بل ملحمة شهادة لم تكتمل بعد. لقد طالب قداسة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني بكشف مصيرهما، كما رفع الصّوت مثلّث الرّحمة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، والبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي وكلّ الرّؤساء العامّين الّذين خدموا الرّهبنة عبر هذه السّنين. واليوم، يا قدس الأب العامّ، بعد سقوط النّظام في سوريا، أطلقتم النّداء في ٨ كانون الأوّل الماضي، وقد أصبحت السّجون خاليةً، ولا خبر يضمّد الجرح، ولا حقيقة تبلسم الألم. لكنّنا لسنا من قوم يخافون الشّهادة، فنحن، منذ اليوم الّذي لبسنا فيه الثّوب الرّهبانيّ، نذرنا أنفسنا للموت عن العالم، وللحياة من أجل الملكوت. أيّها الأبوان الغاليان، أين أنتما؟ أعلنا لنا الخبر، وأخبرانا عن مصيركما...

أيّها الرّبّ يسوع، إرحم من غاب عن عيوننا، وأنر بوجهك دروبنا، واعطنا أن نبقى أمناء لشهادتهم، شهودًا للحقّ، والقيامة، وصنّاع سلام ورجاء في وطن يحتاج إلى النور والحقيقة والشهادة الإنجيليّة أكثر من أيّ وقت مضى.

ولتكن صلاتنا اليوم عربون وفاء وقيامة، وشهادةً متواصلةً في درب الرّجاء.

وقدّاس مقبول...".

وبعد الإنجيل ألقى الأباتي بورعد عظة جاء فيها :"في زمن ارتفاع الصّليب، ولدت الكنيسة من جرح المسيح ومن ارتفاعه على الصّليب وقيامته، لتكون علامة رجاء واستعدادًا للقاء العريس.

لقد كلّل المسيح مسيرته على الأرض بالألم والموت، وعلى الكنيسة أن تكون على صورة عريسها، فتكمل شهادتها كما أكمل هو خلاصه.

إنّ ذكرى ١٣ تشرين هي جرح مفتوح في قلب هذا الدّير، وفي وجدان الرّهبانيّة، وفي ضمير الكنيسة جمعاء.

غياب الأبوين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل هو حضور كامل في الحضرة الإلهيّة.

لم تبخل الرّهبانيّة منذ انطلاقتها بالشّهادة والاستشهاد لرهبان وراهبات، ليبقوا منائر يضيئون الدّرب.

كلمة المسيح في إنجيل اليوم، يطلّ على مسيرتنا ويتطلّع على الكنيسة بعد غيابه، ويخاطب التّلاميذ بقوله: "أنتم ستحزنون والعالم سيفرح، ولكن حزنكم يتحوّل إلى فرح". هذا التّحوّل هو جوهر الإيمان: يتمّ بإعطاء المعنى الخلاصيّ لآلامنا، بقوّة الرّوح القدس. ونسمع كلمة الرّبّ في سفر الرّؤيا يقول: "طوبى للمدعوّين إلى وليمة عرس الحمل".

هذا هو الفرح الحقيقيّ، أن نرجو أن يكون شهداء هذا الدّير والوطن، وكلّ ضحايا الحروب، متّحدين مع الشّهيد الأوّل يسوع المسيح، الّذي حوّل الصّليب إلى مجد، والموت إلى حياة."

وألقى الوزير غسّان سلامة، ممثّل رئيس الجمهوريّة، كلمةً عبّر فيها عن تقديره العميق للرّهبانيّة الأنطونيّة، شاكرًا إيّاها على ما قدّمته وتقدّمه من تضحيات وشهادة حيّة في سبيل الإنسان والحياة، مؤكّدًا أنّ الرّهبانيّة كانت وستبقى علامة إيمان وعطاء ورسالة رجاء في قلب الوطن وفي ضمير الكنيسة.

وفي ختام القدّاس، تم تقديم دروعًا تقديريّة إلى رئيس الجمهوريّة العماد جوزيف عون وإلى وزير الثّقافة الدّكتور غسّان سلامة.