لبنان
10 آذار 2025, 06:00

الرّاعي: لبنان الجديد حياد إيجابيّ وانفتاح على العالم، "وطن لقاء" وليس "ساحة صراع"

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد شفاء الأبرص، ترأّّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في بكركي، صلّى خلاله من أجل كاريتاس لبنان والمتطوّعين فيها، مع انطلاقة حملتها السّنويّة في زمن الصّوم بعنوان: "إيمان، إنسان، لبنان".

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة بعنوان "إن شئت أنت قادر أن تطّهرني" (مر 1: 40)، قال فيها:

"1. تذكر الكنيسة في هذا الأحد آية شفاء الأبرص من مرض برصه، للدّلالة أنّ يسوع أتى إلى العالم، لكي يشفي كلّ إنسان من برص خطيئته. فكما البرص يتآكل جسد المصاب، كذلك الخطيئة تشوّه صورة الله في الإنسان. زمن الصّوم، بما يتضمّن من صلاة وصوم وصدقة، هو زمن شفاء كلّ إنسان من برص خطيئته. فلنعُد إلى الله بإيمان ذلك الأبرص وتواضعه ونقول للمسيح: "يا ربّ، إن شئت أنت قادر أن تطّهرني" (مر 1: 40).

2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، للاحتفال بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، مع تحيّة خاصّة لرابطة كاريتاس لبنان: برئيسها الأب ميشال عبّود، ومجلسها وسائر المسؤولين في أقاليمها ومراكزها، وشبيبة كاريتاس الألفين شابّ وشابّة المتطوّعين في خدمتها، وعددهم يفوق الألف، وسيادة أخينا المطران بولس عبد السّاتر المشرف على كاريتاس باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وباسمنا. فإنّها تبدأ اليوم حملتها السّنويّة، وهي بعنوان: "إيمان، إنسان، لبنان" للتّأكيد على التزامها بالإنسان في لبنان من خلال إيمانها المطلق برسالتها الإنجيليّة ومساندتها للأكثر فقرًا وللّذين قست عليهم ظروف الحياة. إنّها جهاز الكنيسة الاجتماعيّ في لبنان.

وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة روز فيليب البرنس زوجة المرحوم الياس خليل كرم. نحيّي ابنيها وابنتيها، وبخاصّةٍ كبيرهم السّفير خليل كرم، رئيس الرّابطة المارونيّة. نصلّي في هذه الذّبيحة المقدّسة لراحة نفسها وعزاء أسرتها.

3. تبسط كاريتاس أقاليمها، ومراكزها ونشاطها على كامل الأراضي اللّبنانيّة، وتعمل أساسًا على تنفيذ خمسة برامج أساسيّة:

أوّلًا: الخدمات الاجتماعيّة الرّامية إلى تحسين الظّروف المعيشيّة للأفراد والعائلات المحتاجة.

ثانيًا: خدمات الحماية للفئات الأكثر عرضة للمخاطر، كالأطفال والنّساء وكبار السّنّ عبر برامج توعية حول حقوق الإنسان، والمساعدة القانونيّة، وإعادة تأهيل.

ثالثًا: الخدمات التّربويّة تؤمّنها كاريتاس في مراكزها التّعليميّة الأربعة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، فتؤمّن لهم مهنة تمكّنهم من دخول سوق العمل. كما تقدّم دعم متابعة الطّلّاب الّذين يواجهون صعوبات في التّعلّم.

رابعًا: الخدمات التّنمويّة وتحسين سبل العيش بحيث تدعم الاستقلال الاقتصاديّ وتحسين الظّروف المعيشيّة، وتوفّر التّدريب المهنيّ للشّباب والنّساء بهدف تحسين فرص العمل.

خامسًا: الخدمات الصّحّيّة. تعمل على تأمين الخدمات الصّحّيّة والرّعاية الأوّليّة للمحتاجين والأفراد غير القادرين على تحمّل تكاليف العلاج من خلال 11 مركز صحّيّ و7 عيادات نقّالة.

4. "إن شئت أنت قادر أن تطّهرني" (مر 1: 40). بهذا الطّلب المتواضع والمؤمن، التمس الأبرص شفاءه. فقال له يسوع: "لقد شئت فاطهر". وأمره أن يذهب ويري نفسه للكاهن ويقدّم قربانًا عن طهره، كما ترسم شريعة موسى. كانت الشّريعة تقصي المصاب بالبرص عن الجماعة، وتوجب عليه العيش في البرّيّة، لأنّ قروحه معدية، ولأنّ البرص عقاب إلهيّ على الخطيئة. هذا الأبرص قصده يسوع في مكان وجوده، فلمّا رآه الأبرص أتى إليه، وسجد له، وطلب منه شفاءه. لم يتركه يسوع، بل قصده حيث هو، فعرفه الأبرص بنور الإيمان. إنّه يمثّل كلّ شخص منبوذ في العائلة والمجتمع لأسباب حسّيّة أو معنويّة أو روحيّة، وحده المسيح يستطيع إخراجه من عزلته. لقد صالح الرّبّ ذاك الأبرص مصالحة حسّيّة بتطهيره من برصه، ومصالحة روحيّة بإزالة خطاياه، ومصالحة اجتماعيّة، إذ أمره أن يذهب إلى الكاهن الّذي يعلن شفاءه، ويردّه إلى الجماعة، ويقدّم قربان الشكر لله. هذا ما يجري عندما نتصالح مع الله بالتّوبة والاعتراف.

5. الصّوم هو زمن المصالحة الشّاملة، زمن الشّفاء؛ فالرّبّ هنا بنعمة الفداء لهذه الغاية. في كلّ يوم جمعة من زمن الصّوم نحيي تذكار آلام الفادي، للدّلالة أنّ شفاءنا ينبع من جرحه الخلاصيّ: "وبجرحه شُفينا" (أشعيا 53: 5). كلّ واحد منّا يعاني من برص ما، روحيّ أو حسّيّ، أو معنويّ أو ماديّ، أو خلقيّ أو اجتماعيّ. وحده يسوع يأتي إلينا، متضامنًا معنا، شافيًا ومصالحًا، فنحمل هذه البشارة الجديدة للّذين ما زالوا في برصهم، كما فعل الأبرص.

زمن الصّوم يصالحنا مع الله بالتّوبة إليه والاعتراف بخطايانا؛ ويدعونا لنكمّلها من كلّ القلب، وتجنّب الغضب والانتقام، والتّحلّي بالقدرة على الصّفح، والعمل على إحلال العدالة والسّلام، ورفع الظّلم والتّعدّيات، واحترام حقوق الغير، وحفظ كرامتهم.

6. مصالحة الأبرص مع ذاته ومع الله ومع المجتمع هي صورة عن المصالحة الوطنيّة، وهي رسالة واضحة عن لبنان السّاعي إلى استعادة موقعه ودوره في العالم العربيّ. لقد آن الأوان لأن يستعيد لبنان دوره العربيّ، ويعود إلى موقعه الطّبيعيّ ضمن الجماعة العربيّة، من خلال استعادة شرعيّته الميثاقيّة، والسّعي إلى استعادة شرعيّته العربيّة بالتّعاون مع الدّول الشّقيقة، تمهيدًا لعودته الكاملة إلى الشّرعيّة الدّوليّة.

لبنان الجديد: حياد إيجابيّ وانفتاح على العالم. بهذه الصّفة يكون لبنان "وطن لقاء"، وليس "ساحة صراع". وهو ما ينسجم مع تاريخه كدولة قائمة على التّعدّديّة والتّفاعل الثقافيّ، وعلى الحرّيّة والحداثة والإبداع. وهي القيم الّتي يمكن أن تساهم في بناء مستقبل عربيّ أكثر استقرارًا وازدهارًا. فيبقى كما كان لبنان دائمًا "دولة عربيّة أصيلة، وحلقة وصل بين الشّرق والغرب" (راجع جو رحّال: "عودة لبنان إلى الحضور العربيّ: جوزاف عون فتى العروبة الأغرّ الجديد" صحيفة نداء الوطن، السّبت 8 آذار 2025، ص 3).

7. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل نجاح حملة كاريتاس-لبنان، وبقائها جهازًا اجتماعيًّا حيًّا وفاعلًا للكنيسة، ولكي نتصالح بالتّوبة مع الله والّذات والمجتمع. فنرفع نشيد المجد والشّكر لله الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."