الراعي: "وصعد يسوع الى السماوات"
نحيي في هذا الأحد ذكرى صعود مخلصنا الذي سبق واحتفلنا به يوم الخميس الماضي، بعد مرور اربعين يوما على قيامته من بين الاموات. خلال ظهوره الاخير على الرسل الاحد عشر، وبحسب انجيل مرقس، قال لهم:" اذهبوا في الارض كلها، واعلنوا البشارة الى الخلق اجمعين. وبعد ان خاطبهم، رفع الى السماء وجلس عن يمين الله." (مرقس 16، 15 و19)
ان انجيل هذا الأحد يحضّر للسر الفصحي الذي يسميه يسوع تمجيد الآب وتمجيده هو ايضا. بموته لفداء الانسان يمجّد الآب، من خلال اتمام ارادته لخلاص الجنس البشري. وبقيامته وصعوده مجّده الآب. وفي خطابه الوداعي ترك لنا وصيته :"ان نحب بعضنا بعضا كما هو احبنا".
اني سعيد لتلبيتي دعوة سيادة المطران جان كلود بولانجيه، اسقف بايو- ليزيو للإحتفال بهذا القداس هنا في بازيليك القديسة تريز ومباركة الكابيلا المكرّسة للبنان ولقديسيه الخمسة وبمشاركة سيادة المطران مارون ناصر الجميل راعي ابرشية فرنسا المارونية والبعثة القادمة من لبنان وباريس. اشكر الأسقف والأب اوليفيه روفراي، الكاهن المسؤول عن البازيليك، على هذه المبادرة الجديرة بالثناء والتي قاما بها بفضل سخاء السيد فادي فياض وغيره من المحسنين اللبنانيين. اني اثني على هذه التماثيل المعبّرة التي تمثل ارز لبنان وقديسيه بعمل الفنان النحات رودي رحمة. كما اشكركم على اختيار هذا التاريخ 8 ايار الذي نحيي فيه ذكرى ميلاد القديس شربل وذكرى المناولة الأولى للقديسة تريز.
اننا نقدم هذه الذبيحة الإلهية بشفاعة القديسة تريز ووالديها القديسين لويس وزيلي مارتان وبشفاعة قديسينا وطوباويينا، على نية هذه الأبرشية التي تستقبلنا، من اجل الاستقرار في لبنان واحلال السلام في سوريا والعراق وفلسطين. كما نصلي لكي تتوقف الحرب الدائرة، ويتم ايجاد حل سياسي للصراعات القائمة ويحل السلام العادل والشامل والدائم في منطقة الشرق الاوسط.
ان الكابيلا المكرسة للبنان ولقديسيه الموارنة اللبنانيين في بازيليك ليزيو تعزز وتقوي ليس فقط الشركة الكنسية والروحية بين ابرشية بايو- ليزيو والكنيسة المارونية وانما ايضا العلاقة التضامنية بين الشعبين الفرنسي واللبناني. فالعلاقات بين موارنة لبنان وفرنسا تعود الى عدة قرون.
وهنا لا بد لنا من ان نشير الى العلاقة بين القديسة تريز وقديسينا. فهي حبيبة يسوع الصغيرة، اعلنها القديس البابا بيوس العاشر "اعظم قديسي العصر الحديث"، واعلنها البابا بيوس الحادي عشر "شفيعة الرسالات"، ونجمة حبريته"، وأعلنها البابا بيوس الثاني عشر "المحامية الثانية عن فرنسا مع القديسة جان دارك" والقديس البابا يوحنا بولس الثاني اعلنها" ملفانة الكنيسة الجامعة الثالثة والثلاثين". ان قديسينا بشهرتهم وعجائبهم وبخاصة تلك العائدة للقديس شربل، يتخطّون حدود القارات الخمسة، وهم الآتون من بلد صغير، لبنان، الذي يشكل نقطة صغيرة على خريطة العالم. عن لبنان الصغير هذا قال القديس يوحنا بولس الثاني انه “اكثر من بلد، انه رسالة ونموذج للتعايش والحرية”.
في منطقة يُعتمد فيها النظام الديني، يبقى لبنان البلد الوحيد في العالم العربي الذي يفصل بين الدين والدولة. انه يطبق النظام الديمقراطي ويعترف بالمساواة بين المسيحيين والمسلمين على قاعدة المواطنة، ويتميز برئاسة الجمهورية التي يتولاها مسيحي ماروني عملا بالميثاق الوطني في العام 1943. بفضل هذه الميزة يمثل قبلة انظار المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط وبخاصة لاهل دول الخليج. ان القيمة الجيوسياسية للبنان تكمن في كونه بوابة اوروبا والغرب الى الشرق الأدنى والعالم العربي. انه ملتقى الحضارات والمكان الذي يقوم فيه الحوار بين الاديان والكنائس.
ان قديسينا يحملون نفس رسالة محبة الله التي اعلنتها وعاشتها القديسة تريز، ولكن كلا منهم، بحسب مسيرته الحياتية، يترك لنا رسالة: القديس شربل في صومعته كان لنا مثالا في العزيمة والمثابرة، القديس نعمة الله من خلال التعليم اللاهوتي علمنا الإخلاص للقيم ولحالة الحياة، القديسة رفقا في عيشها حياة الجماعة وبآلامها علمتنا فرح الآلام مع يسوع، الطوباوي الأب يعقوب في مؤسساته الإجتماعية في خدمة كل انواع الاوجاع علمنا حب "اخوة يسوع الصغار"، والطوباوي الاخ اسطفان في عمله في الحقل علمنا الإجتهاد وتقديس الذات في الخدمة والعمل. القديسة تريز في سكون ديرها علمتنا حب الله الحقيقي وتقبل الاوجاع من اجل نشر انجيل الخلاص في العالم اجمع. وعلمتنا بشكل خاص " ان نمارس الأمور العادية بحب غير عادي."
جميع هؤلاء القديسين وهذه القديسة آمنوا ان الإنسانية اذا ما تركت لقواها الطبيعية، لا يمكنها العبور الى بيت الآب، والى الحياة وسعادة الله. لقد اختاروا طريق الله لأنهم تاكدوا انه هو وحده يتمكن من هذا العبوركل كائن بشري، بحيث، تمكننا نحن اعضاءه من نأما بلقائه حيث سبقنا. فهو نفسه وعدنا :" اذا ارتفعت عن الارض اجتذبت الي الجميع." ان ارتفاعه على الصليب يعني ويعلن صعوده الى السماء. وهو بدايته.
.كما مجد المسيح الآب بحياته وموته والآب مجده بقيامته وصعوده كذلك قديسونا وقديستنا مجدوا الله بحياتهم وبأعمالهم على الأرض، والاب مجدهم من بين قديسيه حول عرشه السماوي.
انهم يحثوننا على اتباعهم على درب تمجيد الله، مدركين كما قال القديس ايريناوس:" ان مجد الله هو الإنسان الحي."
في يوبيل سنة الرحمة، نصلي الى الله لكي يخفف وطاة هذه الأيام الصعبة حيث باتت قوى الشر تشكل تهديدا متناميا وحيث ضعفت القيم الإنسانية والاخلاقية في حياة الانسان.
ربي، نتوسل اليك ان تواصل هذه الأرض المباركة، ارض فرنسا ولبنان في اعطاء الإنسانية قديسين وقديسات وان تنتصر القيم المسيحية حتى يتمكن كل الرجال والنساء باندفاعهم بالشركة والمحبة وبالإتحاد مع القديسة تريز ووالديها القديسين لويس وزيلي مارتان والقديس شربل والقديس نعمة الله والقديسة رفقا والطوباوي الأب يعقوب والطوباوي الاخ اسطفان، عن ان يرفعوا متحلقين حول مريم العذراء، نشيد المجد للثالوث الأقدس الاب والإبن والروح القدس من الآن والى ابد الآبدين .آمين.