لبنان
14 أيار 2016, 09:26

الراعي من قداس مناولة اطفال سيسوبيل :"المسيح سيكون ثابتًا فيهم حقًا، وهم سيكونون ثابتين فيه".

ترأس غبطة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس المناولة الاولى لاطفال سيسوبيل Sesobel-أنت أخي- حيث يصادف اليوم مرور اربعين سنة على انشاء تلك المؤسسة الاجتماعية. وبعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه"، جاء فيها:

 

 نفرح اليوم في احتفال المناولة الأولى لأطفالنا من مؤسسة Sesobel-أنت أخي-الاعاقة في حياة الكنيسة الذين يواصلون في أجسادهم جراحات المسيح الخلاصية، ويتّحدون اتحادًا عضويًا بالمسيح. لكل واحد منهم يؤكد الرب يسوع في هذا الاحتفال الاساسي من حياتنا المسيحية: "من يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيّ وأنا فيه" (يو 6: 56). وعندما أسس الرب سرّ القربان لكي يكون استمرارية ذبيحته لفداء العالم، ووليمة جسده ودمه لحياة البشر، أسس أيضًا سرّ الكهنوت لهذه الغاية وقال لكهنة العهد الجديد بشخص رسله: "اصنعوا هذا لذكري"(لو 22: 19).

ولكنه بهذا الكلام يدعونا للجلوس إلى مائدته، متذكرين وليمة عشائه الأخير، فنأكل جسده ونشرب دمه، فنثبت فيه ويثبت فينا، كالغصن في الشجرة، فنعطي ثمار محبته.

 يضفي على هذا الاحتفال مرور أربعين سنة على إنشاء المؤسسة الاجتماعية Sesobel، وتحديدًا سنة 1976 في بداية الحرب اللبنانية، بمبادرة من الآنسة إيفون الشامي، الممرضة والخبيرة في شؤون أمراض الأطفال، وقد اكتشفت حالات مقلقة تختص بإعاقة الطفل. فأنشأت هذه المؤسسة مع مجموعة من السيدات والأطباء والمحسنين منذ الساعة الأولى. وراحت تعتني بخدمة الأطفال المصابين بإعاقة وبعائلاتهم. ترافق حياة هؤلاء الأطفال من ولادتهم حتى مماتهم، وتساعدهم ليعيشوا حياة كريمة وتساند عائلاتهم. وواكبنا نشأة هذه المؤسسة منذ بدايتها. تجدّد اليوم "عهد الحبّ والوعد" فإننا نهنئها وكلّ أسرتها برئاسة ايفون الشامي بيوبيل الاربعين سنة. ونحيّي بنوع خاص مجلس الإدارة ورئيسته السيدة فاديا صافي، وأعضاء الجمعية العمومية.

 وكان أنشأ فرع "أنت أخي" سنة 1992، الهادف إلى تأمين مستقبل لائق بالشخص المصاب بإعاقة، إنطلاقًا من قيمته وحقّه في حياة لائقة في مجتمعه. الآمر الذي يقتضي التعاون مع مكونّات المجتمع لهذه الغاية. ثم أنشأت الآنسة إيفون في سنة 2000 فرع "الاعاقة في حياة الكنيسة" من أجل الاقرار بقيمة الشخص المصاب بإعاقة في حياة الكنيسة ورسالتها. هذه المؤسسات الثلاث تعمل تحت شعار: "معًا نجعل غير الممكن ممكنًا". كل ذلك تحت نظر السيدة العذراء وحمايتها وتوجيهاتها الملهمة، وهي منذ البداية في المركز الوضيع الأول معروفة "بست البيت".

 يسعدنا أن نحتفل بهذه المناولة الأولى. ونهنّئ أطفالنا هؤلاء الذين يصبحون بيوت قربان بشرية، حاملين المسيح بجراحاته في أجسادهم من جهة، وبوجوده في قلوبهم النقية التي لا تعرف الخطيئة والشر من جهة أخرى. المسيح سيكون "ثابتًا فيهم حقًا، وهم سيكونون ثابتين فيه". وبفضلهم يرفع الله غضبه عن العالم الشرير، ويفيض نعمه على أهلهم وخيوره على الكنيسة والعالم. فينبغي الاقرار بفضلهم، واعطاؤهم مكانتهم في المجتمع والكنيسة. إنهم بمثابة الحربة التي تقي من الصواعق.

 إن مؤسسة Sesobel تؤهّل الطفل المصاب بإعاقة لهذه المكانة والكرامة. فتؤّمن له الوسائل من أجل نموّه المتناغم وفقّا لمقدراته، مهما كانت إعاقته؛ ومن أجل عيشه بانسجام مع ذاته، ومع عائلته، ومع محيطه الاجتماعي؛ ومن أجل احترام كرامته كانسان واقرار حاجته ومساعدته.

كما إن المؤسسة تعنى بعائلة الطفل وعلى الأخصّ بأمّه، من أجل التخفيف من ثقل الاعاقة على العائلة، ومن مقتضياتها، ومن أجل مساعدة الأم على قبول ولدها المصاب بإعاقة، فتتخطى اضطرابها، كما تساعد على اكتشاف فنّ التكامل في الحياة، بحيث يكون لكل واحد قدرته ومواهبه ودوره. وهذا ما يمكّن الجميع من تخطّي المصاعب بفرح ورجاء، ومن تحقيق الذات.

 "خذوا كلوا هذا هو جسدي" (لو 22: 19)

يا أطفال المناولة الأولى الأحباء، الرب يسوع يدعوكم لتأكلوا جسده، وتشربوا دمه، لكي تنالوا الحياة الإلهية (راجع يو 6: 53). وبذلك تعيشون الاتحاد الكامل به. ما يصنعه الطعام المادي من غذاء وقوة ومناعة في أجسادنا، تصنعه المناولة في نفوسنا بقوة النعمة الإلهية التي ننالها والمسيح الحاضر في قلوبنا وكياننا.

هذا الحضور الإلهي فيكم يزيدكم قمية وكرامة في مجتمعكم، ويتوّج عمل Sesobel، التي تخدمكم كأبناء لله، محبوبين من الله، و"كإخوة يسوع الصغار" (متى 25: 40). بفضل هذه المناولة تصبحون عائلة الله، ومصانين من الخطيئة بحسب وعد المسيح الرب: "خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يبذل من أجلكم لمغفرة الخطايا. خذوا اشربوا هذا هو دمي يراق من أجلكم لمغفرة الخطايا" (متى 26/26-28؛ 1كور 11/24-25). ولأن المناولة تصونكم من الخطيئة، فهي أيضًا تملأكم محبة، وتجعلكم جسد المسيح الواحد، الذي هو الكنيسة. فكما حبّات القمح تُجمع وتُطحن وتُعجن وتُصبح خبرًا واحدًا، هكذا نحن نُطحن ونُعجن بماء المعمودية وذبيحة القربان، فنصبح جسد المسيح الواحد.

 هذا المذبح الذي نجتمع حوله للاحتفال بسرّ القربان، يشكّل وجهي هذا السرّ: مذبح ذبيحة المسيح، ومائدة جسده ودمه. وهو رمز المسيح الحاضر وسط جماعة المؤمنين، كذبيحة مقدّمة لله من أجل مصالحتنا، وكغذاء سماوي يُعطى لنا.

أنتم، أيها الأطفال، مذبح ذبيحة المسيح بجرحكم، واليوم تجلسون إلى مائدة وليمته فتكتمل مشاركتكم في ذبيحته لفداء العالم (راجع كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1383).

 إننا نرفع معًا ذبيحة الشكر هذه لله على نعمة المناولة الأولى لأطفالنا، وعلى الأربعين سنة من حياة مؤسسة Sesobel، وعلى ما انجزت، وعلى ما وسّعت من برامج وأبنية وهيكليات في مركز عين الريحانة الرئيسي. هذه كلّها من أجل خدمة الطفل المصاب بإعاقة وإنماء قدراته وتعزيز كرامته وتحقيق ذاته في مجتمعه، وفي خدمة العائلة التي ينتمي إليها، ولا سيما الأم فيها لمساعدتها على مقاربة الإعاقة والعناية بها بالتعاون مع مؤسسة Sesobel والمؤسستين الأخريين: أنت أخي والإعاقة في حياة الكنيسة.

ومعًا ومع أطفال المناولة الأولى وكل أسرة Sesobel نرفع بواسطة أمنا مريم العذراء "ست البيت" نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.