لبنان
16 تموز 2020, 05:00

الرّاعي من بعبدا: لبنان ليس سائبًا وبكركي لا تسير لا مع معارضة ولا مع موالاة

تيلي لوميار/ نورسات
زار البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون، عند الخامسة من بعد ظهر الأربعاء في القصر الجمهوريّ في بعبدا، وعرض معه آخر التّطوّرات على السّاحة المحلّيّة. وجرى التّطرّق خلال اللّقاء إلى المواقف الّتي أطلقها الرّاعي في الفترة الأخيرة لاسيّما الّتي وردت في عظتي الأحد الأخيرتين حول موضوع حياد لبنان.

وبعد اللّقاء، أدلى الرّاعي بتصريح أمام الصّحافيّين، قال فيه: "تشرّفت بزيارة فخامة رئيس الجمهوريّة، وأنا اعتدت من وقت إلى آخر أن نلتقي معًا لنتباحث في كافّة الشّؤون الّتي تهمّنا، ولقد تكلّمنا في مواضيع عدّة، وأهمّها موضوع الحياد والتّحييد. إنّكم جميعًا تتذكّرون أنّ فخامة الرّئيس تقدّم بمشروع صوّتت عليه الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة لجعل لبنان مركزًا لـ"أكاديميّة الإنسان للتّلاقي والحوار". وقد أشار فخامته في حينه، إلى أنّ هذا الحوار والتلاقي لا يكونان بمجرّد الكلام بل من خلال الأفعال. والقاعدة لذلك هي أن يكون لبنان حياديًّا كي يتمكّن من أن يكون مكانًا للحوار. وهذا الأمر لا خلاف عليه مع فخامة الرّئيس على الإطلاق. أمّا إذا كان لبنان غير حياديّ، بمعنى أن يدخل إليه أيّ كان، فيما هو يسير في هذا الاتّجاه أو ذاك ، فهذا غير مقبول".

أضاف الرّاعي: "ما معنى الحياد؟ هو لا يعني أن أتنحّى جانبًا ولا أتعاطى بأيّ أمر. بل المقصود الحياد الإيجابيّ المفيد والنّاشط، حيث أنّ لبنان إذا ما تمتّع بنظام حياديّ يشبه سويسرا والنّمسا وفنلندا والسّويد، فهو يلتزم بالقضايا العامّة للعالم العربيّ من دون الدّخول في شؤون الصّراعات السّياسيّة والعسكريّة أو في أحلاف، لكنّه يكون المدافع الأوّل والمعزّز للعدالة والسّلام والتّفاهم في القضايا العربيّة والدّوليّة. بالإضافة طبعًا إنّنا نستثني دائمًا إسرائيل الّتي بيننا وبينها عداوة. ولبنان يحمل القضيّة الفلسطينيّة بكاملها لأنّها قضيّة حقوق للفلسطينيّين، كذلك الأمر بالنّسبة الى القضايا العربيّة المشتركة البعيدة عن الشّؤون السّياسيّة والعسكريّة، فيكون لبنان المعزّز لها. ولا ننسى أنّ لبنان كان طوال تاريخه يلعب دور الجسر الثّقافيّ والحضاريّ والاجتماعيّ بين الشّرق والغرب، بيننا وبين أوروبا. وقد حملنا تراث الشّرق إلى الغرب وأتينا بتراث الغرب إلى الشّرق. هذا هو لبنان ودوره الّذي لا يمكنه أن يقوم به إذا لم يكن حياديًّا.

وتابع قائلاً: "إنّ لبنان حياديّ بطبيعته وانطلاقته، من دون أن يكون ذلك مدوّنًا في نصوص. وعندما كان كذلك، يوم لم يكن يتدخّل في الصّراعات وفي الأمور المحلّيّة للدّول، كان في الخمسينيّات والسّتّينيّات يُعرف بسويسرا الشّرق، حيث كان يتمتّع بالنّموّ والبحبوحة، ما يعني أنّ تكوين لبنان في الأساس كان حياديًّا. ولا يجب اعتبار الحياد موجّهًا ضدّ أحد على الإطلاق، بل هو لصالح جميع اللّبنانيّين، وجميع الفئات والأحزاب والمكوّنات اللّبنانيّة لأنّه يجلب الاستقرار السّياسيّ إلى الوطن، وعندها يكون لدينا النّموّ الاقتصاديّ والتّجاريّ والاجتماعيّ والماليّ. وما من أمر بإمكانه إنهاضنا من الوضع الّذي نحن فيه اليوم بما فيه من أزمة اقتصاديّة إلى جانب الفقر وغير ذلك إلّا الحياد. ولأنّنا نعيش هذه الفترة من الفقر والبطالة والحاجة، بات الباب مشرّعًا للجميع لكي يتدخّلوا عندنا. ومع الأسف، هناك الكثير من التّدخّلات الخارجيّة من هنا وهناك، وهي تقوم بدفع الأموال لجماعات وتنشىء جمعيّات لها، وكأنّ البلد أصبح سائبًا. لا لبنان ليس سائبًا. ونحن عندما نتكلّم على الحياد، فهذا يعني أنّ هناك دولة قويّة وجيش قويّ، لأنّ من أولى شروط نظام الحياد أن تكون الدّولة قادرة على حماية نفسها بنفسها إذا ما اعتدى أحد عليها".

وإختتم الرّاعي تصريحه بالقول: "هذه المفاهيم ليس حولها أيّ إشكال حولها مع فخامة الرّئيس، وهو من أوّل المنادين بها. لذلك تحدّثنا معًا عن هذا الموضوع ثمّ انتقلنا إلى مواضيع أخرى. وهذا ما أحببت قوله إلى الرّأي العامّ، لأنّ البعض اعتقد وكأنّنا نغنّي في اتّجاه فيما رئيس الجمهوريّة هو في اتّجاه آخر، لدرجة أنّ كثيرين قالوا إنّ هناك خلاف ما. انّ الرئيس هو أوّل مُطالب بالحياد وفق المفاهيم الّتي شرحتها الآن".

ثمّ دار حوار بين البطريرك الرّاعي والصّحافيّين، وردا على سؤال حول ما إذا ستكون لديه لقاءات مع شخصيّات مختلفة، أجاب: "هذا أمر طبيعيّ. وأوّل ما قاله رئيس الجمهوريّة إنّ هذا الموضوع بحاجة إلى أن يتمّ العمل في شأنه مع كافّة المكوّنات، كي لا يشعر أيّ أحد أنّه موجّه ضدّه أو هو مقصى عنه، وهذا أمر أساس".

وسئل عن أنّه في عظته دعا إلى فكّ الحصار عن الشّرعيّة وتوجّه إلى الأمم المتّحدة، وكأنّ بكركي تطلب تدخّل الأمم المتّحدة والدّول الغربيّة في الشّأن الدّاخليّ، بما يشكّل إحراجًا لرئيس الجمهوريّة"، فأجاب: "لا لا لا، لا يجب عليكم خلط هذه الأمور بعضها ببعض. لقد ناشدت فخامة رئيس الجمهوريّة، وهذه مساندة لفخامته، بأنّه ليس من المسموح اليوم لهذه الفئة وتلك ألّا يهمّها من لبنان إلّا مصالحها. وأنا أتكلّم هنا على كافّة المكوّنات الّتي عندما تكون مصلحتها تسير مع الدّولة، وعندما لا تكون مصلحتها كذلك فهي تقاطع الدّولة. أنا أقول إلى فخامة الرّئيس: أنت الرّئيس، فأمسك بالجميع. أنا أقصد إذا سيادة القرار الحرّ وشرعيّة الدّولة، حيث لا يفتح كلّ أحد شرعيّته على حسابه. وهم كثر وأنا لا أعني فئة واحدة. وقد ناشدت الدّول الصّديقة لكي تكون إلى جانبنا لكوننا نعيش أزمة اقتصاديّة كبرى، ولكي لا تبقى متفرّجة علينا. وأخيرًا ناشدت الأمم المتّحدة فقط في مساعدة لبنان على بلوغ نظام الحياد. من هنا فإنّ الأمور الثّلاثة مختلفة عن بعضها البعض".

وردًّا على سؤال حول ما إذا كان طلبه من رئيس الجمهوريّة أن يتحدّث مع حزب الله بخصوص ما جاء في عظته، لاسيّما وأنّ كثيرين يتّهمون حزب الله بأنّه "فاتح على حسابه" في موضوع الشّرعيّة، قال: "بالعكس تمامًا، لقد أخبرت فخامة الرّئيس أنّ كلّ الّذين أتوا إليّ وفسّروا هذا التّفسير قلت لهم: أنا أعني الجميع، كلّ أحد على قدره. وسبق وقلت إنّ الكثيرين يسيرون مع الدّولة عندما تكون مصالحهم كذلك، وإذا لم يعجبهم الأمر يقاطعون. لا يا جماعة. نحن في لبنان الولاء يجب أن يكون للبنان أوّلاً وليس إلى فلان أو فلان، ولا إلى هذا أو ذاك من الأحزاب ولا إلى هذه الدّولة أو تلك، لا، أنا كنت أشدّ هنا إلى جانب رئيس الجمهوريّة، هذا ما قلته له. ومن أتى إلينا وفهم عكس ذلك، قلت له: لا، أنا أقصدكم كلّكم، لأنّه ليس باستطاعتكم أن تسيروا وكلّ أحد ولاؤه لنفسه أو لجماعته. وكم من مرّة قلت إنّ لدينا مشكلة في لبنان إنّ الولاء هو للزّعيم أو للحزب أو للمصالح. فأين الولاء للبنان؟ هذا ما أقصده. ولقد ناشدت فخامة الرّئيس لأنّه الرّئيس".

وعندما سئل: كلّن يعني كلّن؟ قال: "في هذا الموضوع نعم، لكن بمقاييس مختلفة".

كما سئل عن توقيت العظة الأولى وإن من استقبلهم على أثرها هم من طرف واحد، فأجاب: "أنا على الدّوام في عظة الأحد، أعطي للمفهوم الرّوحيّ تطبيقًا معيّنًا، وفي كلّ مرّة يكون التّطبيق مختلفًا. ولقد صادف الأمر هكذا. فأنا لم أقم بحسابات معيّنة، ولم أكن أدري أنّ موضوع الحياد ستكون له ردّة الفعل الكبيرة هذه. ومعنى ذلك أنّ النّاس متشوّقة لهذا الموضوع. أنا طرحته هكذا، كي أدخل تطبيقًا يجب أن أتكلّم به. وقد تطرّقت إلى مواضيع متعدّدة لم تستجلب ردّات فعل. هذا الموضوع أتى هكذا وقد ضمنته العظة من دون أيّ تفكير آخر أو مسبق، وتفاجأت بردات الفعل الكبيرة حوله. عندها فهمت ان الشعب يعنيه هذا الموضوع. وفي الاحد التالي قمت بتوسيعه. وفي الأحد المقبل سوف أوسّعه أكثر كي أبدّد كافّة التّساؤلات الّتي هي ليست في محلّها. أمّا بخصوص الاستقبالات، فأنا أستقبل الجميع. وهم يأتون تباعًا. بكركي مشرّعة الأبواب إلى كلّ إنسان يريد أن يشرّفنا. ويشرّفنا أن نستقبل الجميع".

وعن إمكانيّة إنشاء جبهة معارضة مدعومة من بكركي، فقال: "إنّ بكركي لا تسير لا مع معارضة ولا مع موالاة. بكركي تتكلّم في الشّؤون الوطنيّة والمبادئ الوطنيّة. لذلك نحن لسنا مرتبطين بأحد. وإذا ما ارتبطنا بالموالاة أو بالمعارضة، فقدنا كلمتنا الحرّة. نحن نريد أن تبقى كلمتنا حرّة كي تخاطب جميع النّاس".

وعن كيفيّة ترجمة التّوافق بينه وبين رئيس الجمهوريّة حول موضوع الحياد، قال: "كلّيًّا، كلّيًّا التّفاهم كلّيّ بيننا. غير ما يتكلّم الإعلام من خلاف". وأضاف: "أمر طبيعيّ أن يكون هذا التّوافق، لأنّه عندما نتكلّم مع رئيس الجمهوريّة فإنّنا نتكلّم مع رئاسة البلاد وليس مع أيّ كان. نحن دائمًا هكذا."

وعمّا إذا عاتبه الرّئيس عون على كلامه، أجاب البطريرك الرّاعي: "كان مسرورًا جدًّا، يبدو أنّكم لا تعرفون الرّئيس بعد".