العالم
13 تشرين الأول 2019, 07:50

الرّاعي من السنغال: كل واحد وواحدة منا يعيش الضياع بمفهومه الروحي عندما يُزيغ عن شريعة الله وتعليم الكنيسة

ترأّس البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في كنيسة سيّدة لبنان في داكار – السنغال، وألقى عظة تحت عنوان "كانت لإمرأة درهم، أضاعته"، جاء فيها:

"الدرهم الّذي أضاعته المرأة، ولو على قلة قيمته، كنست البيت حتّى وجدته وفرحت به، ودعت جيرانها ليفرحوا معها. هذا المثل يدخل في إطار الحديث عن قيمة كلّ شخص بشري بمفرده عند الله. أجل، الله خلقنا ويعطي الوجود لكلّ كائن بشري يفيض من حبّه، وافتدانا وخلصنا، وكلّ شخص بشري، بابنه الوحيد الّذي صار بشرًا، وجعلنا خلقًا جديدًا بالروح القدس.

هذا المثل الإنجيلي يعلمني – وكلّ واحد وواحدة منا – أنّ الله هو في حالة حبّ دائمة عنّي لكي أستمر في الضياع. ويطلب مني أن أخرج غيري من خلاله، أكان ضلالًا روحيًّا أم أخلاقيًّا أم ماديًّا أم مسلكيًّا، سواء على مستوى العائلة أو المجتمع أو الكنيسة أو الدولة.

يسعدني أن أقوم بهذه الزيارة الراعويّة إلى داكار وجاليتنا اللّبنانية، ورسالتنا المارونية مع سيادة أخي المطران سيمون فضول، راعي الأبرشية، ونائبه العام المونسنيور مارون زغيب، مع عزيزنا الأب طوني فخري المدبر العام للرهبانيّة اللّبنانية المارونيّة الجليلة، ممثلًا قدس الأباتي نعمة الله الهاشم الرئيس العام، ومع الوفد المرافق من لبنان.

يطيب لي أن أحييكم جميعًا، وأن أوجّه تحية خاصة إلى سعادة سفير لبنان الأستاذ سامي حداد وزوجته وطاقم السفارة اللّبنانية. وأشكره على الإستقبال في المطار مع الآباء ووجوه كريمة من الجالية، على ترتيب الزيارة الّتي قمنا بها إلى فخامة رئيس الجمهورية ، بعد أن زرنا كنيسة سيّدة لبنان وصلينا مع المؤمنين. وأشكر سعادته على حفل الاستقبال الّذي أقامه في دارة السفارة حيث التقينا عددًا كبيرًا من أبناء الجالية ومسؤولين سنغاليين وسفراء دول.

وأوّد أن أوجّه تحية تقدير وشكر للآباء، أبناء الرهبنة اللّبنانية المارونية الجليلة الّذين يخدمون الرسالة المارونية بوجهيها الرّاعوي والتربوي، وكلّ الّذين يعاونونهم في الرعية والمدرسة والمعهد. نذكر بصلاتنا كلّ الّذين تعاقبوا على خدمة الرسالة من الأباتي أغسطينوس سركيس إلى المدبر العام الأب طوني فخري، فالرئيس الحالي الأب بسام عيد الّذي ينهي خدمته، ويخلفه الأب مارون شليطا مع معاونه الأب آسيا صافي أتمنى لهما النجاج للرسالة بدوام النمو والإزدهار.

بالعودة إلى المثل الإنجيلي، يرمز الدرهم الضائع إلى كلّ واحد وواحدة منا يعيش الضياع بمفهومه الروحي عندما يُزيغ عن شريعة الله وتعليم الكنيسة، وبمفهومه المعنوي عندما يعيش في حالة قلق أو قنوط أو صدمة أو عزلة. وبمفهومه المادي عندما يكون في حاجة اقتصاديّة ومعيشيّة واجتماعيّة.

لا بدّ من أن نتذكر أنّ الله قريب منا، يبحث عنا مباشرة وبواسطة الكنيسة وذوي الإرادة الصالحة لكي يخرجنا من حالتنا.

ويريد منا أن نكون نحن، أفرادًا وجماعة، قريبين من الّذين يعانون أي نوع من الضياع المذكور. من أجل هذه الغاية، كانت رسالة الرهبانية هنا في داكار وفي بلدان أخرى، وكانت الرعايا، وكانت الأبرشية، وكانت الجمعيات لخدمة المحبة الإجتماعيّة.

إنّ واجب خروج الناس من ضياعهم المادي والمعنوي والاقتصادي والمعيشي، يقع في الأساس على الدولة، وهنا أخص دولة لبنان، حيث معظم الناس، هيئات ونقابات وطلابًا وعمالًا وعسكريين متقاعدين، في إضرابات ومظاهرات متتالية وقطع طرق رئيسيّة يُضرّ بالمصالح العامة والخاصة.

إنّنا نوجّه معكم النداء، من هنا من رعية سيّدة لبنان في داكار – السنغال، إلى السلطة السياسيّة لتدرك حجم مسؤوليتها عن ضياع شعبنا وشبابنا، ضياعًا اقتصاديًّا ومعنويًّا ومعيشيًّا ومصيريًّا، ولتقرّ بفشلها، وتقوم، بروح المسؤولية والتجرّد من المصالح الخاصة والفئويّة، بعملية الإصلاح في الهيكليات والقطاعات، ووضع حدّ للفساد ولأعمال الفاسدين، ولتبدأ بعملية النهوض الإقتصادي بكلّ قطاعاته. بلادنا تمرّ في ظرف دقيق واستثنائي، ولذا، يقتضي ممارسة سياسة استثنائيّة تعلو على المعالجات العادية البطيئة، وعلى المناكفات الصغيرة غير المسؤولة.

فيما نوجّه هذا النداء، نرفع صلاتنا إلى الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة لبنان، فنقدّم هذه الذبيحة من أجلكم جميعًا، من أجل الرعيّة والرسالة من أجل جمهوريّة السنغال الّتي استقبلتكم وأتاحت لكم إمكانية تحقيق ذواتكم والمساهمة في إنمائها. ونصلّي من أجل خروج لبنان وشعبه من "ضياعه" ومن أزماته السياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة. كما نصلّي من أجل السلام في بلدان الشرق الأوسط، وعودة النازحين واللّاجئين إليها، لمجد الله، الآب والإبن والروح القدس، آمين".