لبنان
07 تموز 2025, 05:00

الرّاعي من الدّيمان: الوطن رسالة واللّبنانيّ مرسل في وطنه ليبني مع الآخرين مستقبلًا مشتركًا

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد الأوّل له في الدّيمان والخامس من زمن العنصرة، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ، وألقى خلاله عظة بعنوان: "دعا يسوع رسله الإثني عشر، وأرسلهم، وأعطاهم سلطانًا" (متّى 10: 1)، جاء فيها:

"1. بدأ الرّبّ يسوع حياته العلنيّة بعمر ثلاثين سنة. فاختار رسله الإثني عشر بأسمائهم للدّلالة على محبّته لكلّ واحد منهم، ومن هذه المحبّة ولدت المحبّة فيما بينهم. وأرسلهم ليعلنوا اقتراب ملكوت الله، وليشهدوا لمحبّة المسيح، ويبنوا حضارة المحبّة. وأعطاهم سلطانًا لطرد الأرواح النّجسة، ولشفاء الشّعب من كلّ مرض وعلّة.

إنّ دعوة الرّسل وخلفائهم الأساقفة، ومعاونيهم الكهنة، هي من المسيح الّذي يختار ويرسل ويعطي سلطانًا.

2. يطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا للاحتفال معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، وبنوع خاصّ بأهالي بلدة الدّيمان الأعزّاء، الّذين نكنّ لهم كلّ محبّة وتقدير، كما نرحبّ بالآتين من مختلف المناطق. فنقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة على نيّتكم، ولشفاء مرضاكم، وراحة نفوس موتاكم، ولحفظ الإيمان في قلوبكم ونموّه.

3.الرّسل وخلفاؤهم الأساقفة ومعاونوهم الكهنة، مرسلون من المسيح لمتابعة رسالته، على ما قال: "كما أرسلني أبي، أرسلكم أنا أيضًا" (يو 20: 21). فباسم يسوع يقومون برسالته الخلاصيّة. وأكّد لهم: "من يقبلكم يقبلني" (متّى 10: 40). كما أنّ يسوع قبل رسالته من الآب لا من تلقاء نفسه (راجع يو 5: 19 و30)، هكذا المرسل لا يستطيع شيئًا من دون المسيح مرسله الّذي يأخذ منه مهمّة رسالته والسّلطان لإتمامها".

هؤلاء الرّسل يسمّيهم بولس الرّسول: "خدّام العهد الجديد" (2 كور 3: 6)، "وسفراء المسيح للمصالحة" (2 كور 5: 20)، و"خدّام الله" (2 كور 3: 6)، وخدّام المسيح ووكلاء أسرار الله" ( 1 كور 4: 1).

4. بعد قيامة الرّبّ يسوع من الموت، وحلول الرّوح القدس على الرّسل يوم العنصرة، أصبح جوهر رسالتهم أن يكونوا شهودًا لقيامة الرّبّ يسوع، لأنّها مصدر قيامتنا من حالة الخطيئة إلى حالة النّعمة، ولأنّها غاية تبشيرنا بالمسيح، إذ لولا القيامة لكان تبشيرنا باطلًا.

لقد أرسلهم الرّبّ ليكرزوا "باقتراب ملكوت السّماوات"، وهو ملكوت المحبّة والرّحمة، الظّاهر في "طرد الأرواح النّجسة، والشّفاء من كلّ مرض وعلّة". هذا هو إنجيل الملكوت أيّ دخول الله في حياة البشر، والعيش معهم في شركة الرّحمة والحبّ. هذا الإنجيل هو إيّاه يسوع المسيح الإله الّذي صار إنسانًا وسكن بيننا. "ملكوت السّماء" هو الكنيسة، سرّ الشّركة، المؤلّفة من العنصر الإلهيّ والعنصر البشريّ. إنّ رسالة الكنيسة "إعلان ملكوت المسيح"، وتجسيده في أفعال المحبّة والرّحمة والعدالة والسّلام.

5. ما أحوجنا اليوم في وطننا لبنان إلى العودة إلى روح هذا الإنجيل. أرسل الرّبّ تلاميذه لا ليبسطوا نفوذًا بل ليقدّموا خدمة، لا ليجمعوا حولهم الجموع بل ليذهبوا نحو المهمّشين والجرحى والمتألّمين. الوطن رسالة، واللّبنانيّ مرسل في وطنه، لا ليعتزل بل ليشارك، لا ليحتمي في خصوصيّته، بل ليبني مع الآخرين مستقبلًا مشتركًا. ولكن كم من المسؤولين نسوا أنّ المسؤوليّة رسالة خدمة وتضحية لا صفقة.

إنّ ما يضعف وطننا اليوم ليس الفقر فقط، ولا الأزمة الإقتصاديّة، بل انعدام الإحساس بالرّسالة. عندما تفقد السّياسة روح الخدمة تتحوّل إلى صراع المصالح. وعندما ينكمش المواطن في قلقه، وييأس من قدرة التّغيير، تتوقّف الرّسالة. جميعنا مدعوّون اليوم إلى استعادة معنى "الإرسال" الوطنيّ:

أن نخرج من منطق الرّاحة إلى مجال المبادرة.

أن نلتقي الآخر، لا أن نحاربه.

أن نخدم بعضنا بعضًا، لا أن نستغلّ بعضنا بعضًا.

أن نعود إلى القيم الّتي بُني عليها لبنان أيّ المحبّة، الكرامة، العيش المشترك، الانفتاح، الإبداع.

لبنان لا يقوم إلّا إذا حمل أبناؤه مسؤوليّاتهم بروح رساليّة. لبنان يتطلّب أن نكون رسلًا في السّياسة، في الاقتصاد، في التّربية، في القضاء، في كلّ مجال يخدم الخير العامّ. أن يحمل كلّ صاحب سلطة رسالته كأمانة لا كامتياز. أن يرى كلّ مواطن في وطنه رسالة يجب أن تصان، لا غنيمة تقتسم.

6. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، ملتمسين من الله، بشفاعة سيّدة قنّوبين، أن يبعث فينا روح الرّسالة، ويفتح عيوننا على حاجات إخوتنا، ويفتح آذاننا لسماع أنين النّاس، ويفتح أيدينا للعطاء، وقلوبنا للمصالحة والبذل والمحبّة.

له المجد والتّسبيح والشّكر الآن وإلى الأبد، آمين."