لبنان
23 حزيران 2020, 05:00

الرّاعي من الدّيمان: الأخلاق تساعد على خلق توازن ونظام اجتماعيّ أكثر إنسانيّة

تيلي لوميار/ نورسات
في كنيسة الدّيمان ألقى البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي هذا الأسبوع تنشئته الأسبوعيّة، ناثرًا "فرح الإنجيل"، متعمّقًا في فصله الثّاني "وسط أزمة الالتزام المشترك"، متوقّفًا عند نقطتين: "لا لمال يَحكُم بل لمال يَخدُم (الفقرتان 57-58)، و"لا للتَّفاوت الاجتماعيّ الّذي يُولِّد العنف (الفقرتان 59-60).

وقال الرّاعي في هذا السّياق:

"1. لا لمال يَحكُم بل لمال يَخدُم (الفقرتان 57-58)

مشكلة اليوم المؤدِّية إلى صنميَّة المال هي رفض الأخلاق ورفض الله. يُنظَر عادة إلى الأخلاق ببعض الازدراء المتهكِّم، لاعتبارها مضادَّةً للإنتاج والرّبح. غير أنَّ الأخلاق تعيدُ إلى إلهٍ ينتظر جوابًا جازمًا يقع خارج تصنيفات السّوق. وتَعتبِر أنَّ الله يدعو الكائن البشريَّ إلى العمل على ملء اكتماله والتَّحرُّر من أيِّ نوعٍ من العبوديّة. الأخلاق تُساعِد على خلق توازنٍ ونظامٍ اجتماعيٍّ أكثر إنسانيَّة.

يحثُّ البابا فرنسيس الخبراء الماليِّين وحكَّام الدُّول على الأخذ بعين الاعتبار كلمة القدِّيس يوحنّا فم الذَّهب: "عدم إشراك الفقراء في خيراتنا الشَّخصيَّة هو سرقتهم وانتزاع أسباب عيشهم. أموالنا الّتي بين أيدينا ليست لنا، بل هي ملكهم" (الفقرة 57).

2. لا للتَّفاوت الاجتماعيّ الّذي يُولِّد العنف (الفقرتان 59-60)

يُطالِب الجميع بأكثر أمان. ولكن، طالما لا يُلغى الإقصاء الاجتماعيّ والتَّفاوت الاجتماعيّ (أيّ عدم المساواة) في المجتمع وبين الشُّعوب، يكون من غير الممكن استئصال العنف. وطالما يوجد المزيد من الفقراء والشُّعوب الأكثر فقرًا، تبقى الأرض خصبةً للعنف والعدوان والحرب، وستتسبَّبُ عاجلاً أم آجلاً بالانفجار. عندما ينبُذُ المجتمع المحلِّيّ أو الوطنيّ أو الدّولي جزءًا من مكوِّناته إلى "ضواحي" الحياة، لا تستطيع البرامج السِّياسيَّة ولا قوَّات الأمن ولا دوائر الاستخبارات السِّريَّة أن تؤمّن الهدوء إلى ما لا نهاية. وهذا لا يحدث فقط لأنَّ التَّفاوت الاجتماعيَّ يؤجِّج التَّفاعل العنيف لدى المنبوذين من النِّظام، بل أيضًا لأنَّ النِّظام الاجتماعيّ- الاقتصاديّ غير عادلٍ من أساسه. فكما أنَّ الخير يميلُ من طبعه إلى أن ينتشر، كذلك التَّسامح مع الشَّرّ، المنافي للعدالة، يميل إلى نشر تأثيره السَّامّ، وإلى تقويض أساسات كلِّ نظامٍ سياسيٍّ واجتماعيّ، تقويضًا هادئًا، مهما كان صلبًا. وإذا كان لكلِّ عملٍ نتائجه، فالشَّرُّ المعشِّش في بنى المجتمع إنَّما يحمِل في طيَّاته طاقة انحلال وموت. هذا هو الشَّرُّ المترسِّخ في البنى الاجتماعيَّة الظَّالمة الّتي لا يُرتجَى منها مستقبلٌ أفضل (الفقرة 59).

ومن ناحيةٍ أخرى، يأتي روح الاستهلاك الجامح، الّذي تُعزِّزه آليّات الاقتصاد، والمرتبط بالتَّفاوت الاجتماعيّ، ليقوِّض مضاعفًا النَّسيج الاجتماعيّ. بهذه الطَّريقة، يولِّد التَّفاوت الاجتماعيُّ، عاجلاً أم آجلاً، عنفًا لا يحلُّه أبدًا السِّباق إلى التَّسلُّح. ومعروفٌ أنَّ السِّلاح والقمع العنيف يولِّدان نزاعاتٍ جديدةً وأسوأ شرًّا، بدلاً من أن يقدِّما حلولاً. وما يزيد المهمَّشين إثارةً الفسادُ المنتشر والمتجذِّرُ في العديد من البلدان– في حكوماتهم وإدارات أعمالهم التِّجاريَّة ومؤسَّساتهم– أيَّةً تكن إيديولوجيَّات حكَّامها السِّياسيِّين (الفقرة 60)."